أحلام التميمي ودلال المغربي.. المقاومة بين زمنين

في الأيام ذاتها التي تمرّ فيها الذكرى التاسعة والثلاثون لاستشهاد دلال المغربي؛ يبحث القضاء الأردني في قانونية تسليم الأخت المجاهدة أحلام التميمي للولايات المتحدة الأميركية، بعد طلب من الأخيرة على أساس من معاهدة موقعة بين البلدين تقضي بتسليم “المجرمين الفارين” بين البلدين.
لا تختلف أحلام عن دلال في شيء، سوى أن دلال قد استشهدت، وأحلام أسرت لدى العدو، وحكم عليها بالسجن المؤبد ست عشرة مرة، ثم أفرج عنها في صفقة وفاء الأحرار، مرغمة للعدو ورغمًا عنه، فآذته أحلام مرتين، مرة حينما جاهدت، ومرة حينما خرجت من الأسر، ولم يكن خروجها أي خروج، بل كان مرغمة كما وصفتُ، ذلاً وكرهًا، ونتيجة فعل جهادي صرف!
لقد فعلت أحلام ما فعلته دلال تمامًا، وإن اختلف شيء فشكل العمل وزمانه ومكانه لا طبيعته، وقد ظلّت دلال أيقونة يحتفي بها الفلسطينيون كلهم، ورمزًا من رموز نضالهم طويل، وبالرغم من الخصوصية التي يحظى بها الشهداء، وهي ميزة إضافية لكل مقاوم، تجعله فوق الاختلاف، وفوق كل الافتراقات السياسية والإيديولوجية، وبالرغم من اختلاف الزمن الذي استشهدت فيه دلال، وهو زمن الثورة الفلسطينية، والإجماع الفلسطيني على ثوابت النضال، فإن أحلام أيقونة أخرى للفلسطينيين، وقد أغاظت العدوّ مرتين.
أحلام التي قدمت إلى الضفة الغربية قبيل انتفاضة الأقصى، والتحقت بكفاح أبناء شعبها سريعًا، وفي العام الأول من تلك الانتفاضة، لا أقول إنها أردنية من أصل فلسطيني، إذ إن حقائق التاريخ والجغرافيا، أكبر من التقسيمات الطارئة، وأكبر من كل المياه الزائفة التي ضخت أسفل جسر العرب عمومًا، وشعب الضفتين خصوصًا، ويكفي أنه في هذه المناسبات كلها؛ ذكرى دلال، والمطالبة بتسليم أحلام، انقضت محكومية البطل أحمد الدقامسة وعاد إلى بيته القابع شرق النهر جيلاً عن جيل!
على الأرجح فإن القضاء الأردني سيحكم ببطلان التسليم قانونيًّا، لكن وبصرف النظر عن المسألة القانونية، فإنه لا يمكن التسليم ابتداء بالتصنيف الذي يدرج أحلام في تلك المعاهدة، فمهما كان الموقف الدستوري من تلك المعاهدة، أو الموقف من تسليم مواطنين -أيًّا كان جرمهم- لدولة أخرى، فإن أحلام ليست مجرمة، ولا ينبغي من جهة موقف عربي أن تدرج في تلك المعاهدة، إذ يفترض أن يُحتفى بها أردنيًّا وفلسطينيًّا وعربيًّا.
الفكرة هنا هي صراع على المفاهيم والقيم، فكما أن مقاومة الشعب الفلسطيني ليست إرهابًا، فإن مقاوميها ليسوا مجرمين، ونحن لا يمكن، ولا من أي وجه أن نسلم بالوصف الأميركي أو الصهيوني لمقاومتنا، أو بتصنيفهم لمقاومينا، فالرفض هنا ليس فقط لتسليمها، ولكن لبحث المسألة أساسًا، إذ من الناحية المبدئية هي مقاوِمة لا مجرمة.
ومن الناحية السياسية جاء فعل أحلام في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، وهذه حيثية يمكن للأردن الرسمي أن ينطلق منها لرفض التسليم، مهما كان موقفه مخالفًا لموقف أحلامها ومن يشبهها من هذا الصراع، أو من طبيعة المقاومة التي مارستها أحلام، فالصراع لم ينته، والأردن لم يزل متصلاً به، ويتحمل مسؤولية إزاءه، رغم معاهدة السلام التي تجمعه بالكيان الصهيوني، وما هو بدهي في هذا الجانب أن يرفض تسليم أحلام، لأن أصل المسألة سياسي لا قانوني.
بل ينبغي ألا تحال المسألة للقضاء، وأن يرفض أدراج أحلام ضمن هذا التصنيف، فإذا صار السلام مع العدو وجهة نظر عربية، فإن مقاومته في أسوأ الأحوال وجهة نظر عربية أخرى، ولكنها في الحقيقة الفعل الأكثر أصالة، والذي لا ينزل عن مرتبة الحق الذي قد يستحيل إلى واجب على الشعب الذي يواجه الاستعمار والغزو والنهب والجريمة الأكبر والأبشع في التاريخ!
صحيح أن ما تغير كثير، لكن واجبنا أن نكافح الرداءة، وانحطاط المفاهيم، ونتائج الهزائم التي تحفر عميقًا في النفوس والضمائر والعقول والسياسات، وأن نلحّ على الأصيل، وما هو واجب، وما ينبغي أن يكون، وهي فرصة أولاً، لرد الاعتبار المتجدد للمقاومين، والدفع نحو سن التشريعيات والقوانين تجعلهم فوق أي تصنيف يمكن أن يسمهم بالإجرام أو الإرهاب، إذ لا يوجد ما يضمن ألا تتكرر هذه المحنة مع مقاوم آخر.
وثانيًا، هي فرصة للاحتفاء بأحلام على النحو الذي تستحق، ويحفظها رمزًا من رموز نضالنا، وأيقونة لشعبنا وقضيتنا.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

ما تأثير طوفان الأقصى على المكانة الدولية لإسرائيل؟
المركز الفلسطيني للإعلام خلصت ورقة علميّة، أعدّها وليد عبد الحي وأصدرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تحت عنوان: "تأثير طوفان الأقصى على مؤشرات...

عائلات أسرى الاحتلال تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو
المركز الفلسطيني للإعلام طالبت عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، اليوم السبت، بإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو، محذرة من تصعيد القتال في القطاع كونه...

حماس تدين العدوان الصهيوني على سوريا ولبنان
المركز الفلسطيني للإعلام أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) العدوانَ الصهيوني الغاشم والمتواصل على الأراضي السورية واللبنانية، في تحدٍّ سافرٍ لكلّ...

حماس: شعبنا وعائلاته الأصيلة يشكّلون السدّ المنيع في وجه الفوضى ومخططات الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام حيّت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” جماهير شعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، وفي طليعتهم العائلات والعشائر الكريمة، التي...

وجهاء غزة للعالم: كفى صمتا وتحركوا عاجلا لنجدة غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أدان وجهاء قطاع غزة وعشائرها -اليوم السبت- استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي الغذاء والتجويع "سلاحا" ضد أبناء القطاع،...

مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين بكمين في رفح
رفح - المركز الفلسطيني للإعلام قتل جنديان صهيونيان وأصيب 4 آخرون - اليوم السبت- بكمين في رفح جنوب قطاع غزة. وأفاد موقع حدشوت لفني كولام، بمقتل...

القسام يبث تسجيلا لأسير إسرائيلي بعد نجاته من قصف قبل أسابيع
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، تسجيلا مصورا لأسير إسرائيلي قال فيه، إنه يحمل الرقم 24، وإنه...