الأحد 04/مايو/2025

أمريكا واللاجئين الفلسطينيين.. توطين بثوب الاحتواء

أمريكا واللاجئين الفلسطينيين.. توطين بثوب الاحتواء

يتماهى موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة بقضية اللاجئين الفلسطينيين، بشكل فاضح مع المشروع الصهيوني، الرافض لعودتهم وتوطينهم في أماكن تواجدهم، منتهجة سياسية “الاحتواء” وصولا إلى مساعي التوطين، للحيلولة دون تحولهم (اللاجئين) إلى عامل عدم استقرار لمصالحها في المنطقة.

وتستعرض الدراسة الحالية، التي أعدها قسم الدراسات في “المركز الفلسطيني للإعلام”، الجهود الأمريكية على مدار سبعين عاما، عبر كل المنصات الدولية، وموقها المنحاز للاحتلال الصهيوني، وآخره ما كشفته إدارة الرئيس الأمريكي ترمب برفض حل الدولتين، الذي لم يكون موطن خلاف في يوم من الأيام، ولكن الغالب على كل مشاريع التوطين هو الفشل، “فلا هي (أمريكا) نجحت في توطين هؤلاء اللاجئين، ولا هي أنستهم حق العودة إلى ديارهم”.

أمريكا وعودة اللاجئين الفلسطينيين
لا تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية حق “الفيتو” فقط لحماية “إسرائيل” في مجلس الأمن الدولي، بل ولدعم رفضها لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، ومنذ عام 1950 من القرن العشرين، ما برحت تبحث عن صيغة ما لحل معضلة اللاجئين، التي تشكل جوهر القضية الفلسطينية، باستثناء  حلّ عودتهم الفعلية الى فلسطين التاريخية. وبهذا تكون أمريكا، الفاعل والمتواطئ مع “إسرائيل” في انتهاك القانون الدولي، وإنكار حقوق الشعب الفلسطيني، والمفاوضات “المغشوشة” قانونيا مع ممثلين فلسطينيين، والتهدئة القسريّة للصراع.

بينما تقوم التسوية السياسية السلمية على أساس دولتين حسب جورج بوش الابن، فإن النظرية الإسرائيلية لا تسمح للفلسطينيين بالعودة والإقامة في فلسطين التاريخية، مما يشكل تناقضا واضحا في مسلمات الرؤية السياسية لكلا القوتين، ويسهل على أمريكا لعب دور الوسيط في تلك العملية. مع ذلك، وعلى امتداد عملية المفاوضات، وتطبيق إجراءات ملموسة، يختفي هذا التناقض لصالح الرؤية الصهيونية، التي تماثل بين عودة اللاجئين الفلسطينيين، وبين الانتحار السياسي لـ”إسرائيل”، وهذا الأمر يؤكد بأن أمريكا ترى في “إسرائيل” مصلحة قومية، وفقا لما تؤكد عليه الإدارات الأمريكية المتتالية.

بتاريخ 3 ابريل 2008، صادق مجلس النواب الأمريكي بالإجماع، على قرار رقم 185، الذي يعدّ اليهود العرب، الذين غادروا بلدانهم الأصلية، وهاجروا إلى “إسرائيل”، لاجئين. وأصرّ المجلس التشريعي الأمريكي، على أنه يجب إدراج هذه القضية، في إطار أية تسوية للصراع في الشرق الأوسط، على أساس خيار تعويض يهود الدول العربية، أو إجبار تلك الدول على التنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين التاريخية، قرار 185 “يندرج في سياق الموقف الأيديولوجي السياسي للنخب السياسية الأمريكية التي تعدّ مشروع دولة “إسرائيل” كجزء من المشروع القومي الأمريكي وأمنه”. 
إن الإدارة الحالية وأية إدارة أخرى، لا يمكنها دعم الحقوق العربية الفلسطينية، إذ إن الدول لا تتصرف، عن وعي، ضد مصالحها القومية.

ويسترسل مجلس النواب الامريكي بالقول: “منذ نشوء الكيان الصهيوني تم إجلاء حوالي 850 ألف يهودي من البلدان العربية، وليس من اللائق أن تعترف أمريكا بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، دون الاعتراف بحقوق مماثلة للاجئين اليهود من البلدان العربية”.

إن الولايات المتحدة الأمريكية من خلال دورها فـي لجنـة الأمـم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين، والتي ضمت إلى جانبها كلاً من فرنسا وتركيـا، والتـي شكلت بموجب البند الثاني من القرار رقم 194، استغلت نفوذها وقوتها داخل هذه اللجنـة لتأييد الموقف الإسرائيلي تجاه قضية اللاجئين، وذلك على النحو التالي:.

– العمل على احتواء قضية اللاجئين والحيلولة دون تحولهم إلى عامل عدم استقرار في المنطقة، لأن ذلك يعدّ تهديدا للمصالح الأمريكية في المنطقة. 

– الاستفادة من رغبة عدد من زعماء الحكومات العربية في الحصول على مساعدات مالية من الولايات المتحدة، مقابل الموافقة على توطين أعداد محدودة من اللاجئين الفلسطينيين في أراضيها، ويقال في حينها، أن حسني الزعيم، أعلن عن استعداد سوريا باستقبال ربع مليون لاجئ شريطة أن يعطوا تعويضاً عادلاً، وقال نوري السعيد أنه مستعد لقبول توطين لاجئين فلسطينيين في بلاده العراق في إطار خطة تنمية اقتصادية، وقيل إن العراق يمكن أن يستوعب 350 آلف لاجئ.

– احتواء التصلب “الإسرائيلي” في مجال رفض قبول عودة اللاجئين 

– سعي الولايات المتحدة لربط كل دول المنطقة في منظومة إقليمية اقتصادية وسياسية.

كما وظهرت العديد من المشاريع البحثية والأكاديمية في فترة ما بعد “أوسلو” التي حاولت جاهدة سبر أغوار قضية اللاجئين، وتقديم توصيات لصانع القرار الأمريكي، ما ميز هذه القراءات والأبحاث أنها كانت مجرد مقاربات مع المواقف الرسمية الأمريكية، والمواقف الإسرائيلية والأوروبية. 

ففي عام (1995م) وزعت كندا (كانت تترأس مجموعة العمل الخاصة باللاجئين) ورقة عمل تحت عنوان “رؤية بيرون” بالتنسيق مع الوفد الأمريكي، بدأت الرؤية الكندية بتعريف نفسها من خلال التشديد على شرق أوسط جديد خال من اللاجئين، ومنح الهوية لمن ليس له هوية، وإفساح المجال أمام التنمية مكان الفقر والتشرد.

تميزت الورقة باستنادها إلى مواقف القوى الإقليمية والدولية بما فيها الولايات المتحدة وروسيا، حيث أبدت اهتماماً خاصاً بقضية التمويل المرتبطة بتنفيذ التوصيات. 

حددت الورقة حجم اللاجئين، وأعدادهم ومشكلاتهم، وعملت على حشد الموارد المالية لتحسين المستوى المعيشي والاقتصادي للاجئين، وتفعيل الخطط الإنسانية لتحسين إجراءات لم شمل العائلات، إضافة إلى بحث الطاقة الاستيعابية للضفة الغربية وقطاع غزة بالنسبة للعائدين الفلسطينيين، ومستقبل نشاطات الأونروا وإعداد ملفات لم شمل العائلات وملفات التعويض، تعكس محتويات هذه الورقة الرؤية الغربية عموماً (أمريكا وأوروبا وكندا) التي نصت على إعادة تأهيل اللاجئين في أراضي الضفة الغربية والدول العربية المجاورة، واستخدام آلية لم شمل العائلات لعودة محدودة العدد إلى داخل “إسرائيل”.

– في عام 1995، خرج “دون بيرتس” بإصدارين جديدين حول قضية اللاجئين الفلسطينيين بتمويل من مؤسسة السلام الأمريكية المرتبطة بالكونغرس الأمريكي، ودراسة أخرى حول تعويضات اللاجئين أعدها لصالح مركز التحليلات السياسية الخاصة بفلسطين.
 
انطلق بيرتس من فرضية أن القانون الدولي، والأعراف الدولية تؤكد على ضرورة توطين اللاجئين حيث هم، ولا تؤهلهم للعودة، “يدعي بيرتس خاطئاً أن عودة اللاجئين إلى أي مكان يجب أن يكون مقروناً بمدى توافر إمكانيات العمل والحياة، وبما أنهم غادروا أراضيهم منذ فترة طويلة، فسيجدون صعوبة في الإقامة والتأقلم مع هذه الأجواء الجديدة، وهذا يمس بدوره بحقوقهم الأساسية في التنمية والحياة ومصدر الدخل المقبول”. اقترح بيرتس تسوية لهذه القضية على أساس إقليمي حيث من المفروض أن ترتبط المساعدات المقدمة للاجئين، كتعويضات لهم، مع اقتصاديات بلدان المنطقة. 

في هذا السياق، دعا بيرتس إلى إنشاء مصرف خاص مهمته توزيع أموال التعويضات، ومنح اللاجئين قروضاً، لتشجيعهم على كسب أرزاقهم أينما يتواجدون. 

خلص “بيرتس” إلى أن أساس التعويض للاجئين يجب أن ينفذ بطريقة جماعية، وليس على أساس فردي، وأن أي ميزان مدفوعات تتقدم به الأسرة الدولية لتوفير أموال التعويضات يجب أن يشتمل على قيمة الأملاك اليهودية في الدول العربية، وقيمة الأملاك اليهودية التي دمرت في الحروب العربية- الإسرائيلية، إضافة إلى نفقات المستعمرات الإسرائيلية المفرغة والمخلاة عند قيام الدولة الفلسطينية.

– أما المحامية الأمريكية ذات الأصل اليهودي دونا آرزت، فانطلقت في معالجتها لقضية اللاجئين الفلسطينيين من مدخل عدم تحميل “إسرائيل” مسؤولية مشكلة اللاجئين الفلسطينيين لا أخلاقياً ولا إنسانياً، وبما أن الطرف التي تقع عليه هذه المسؤولية غير معروف، لذلك لا بد لكل الأطراف الدولية والإقليمية أن تتحمل مسؤولية حلها، التركيز في الدراسة واضح على استيعاب اللاجئين في الدولة الفلسطينية العتيدة، مع إمكانية استيعاب ما يقارب خمسة وسبعين ألف لاجئ فلسطيني في “إسرائيل”، على أن يكونوا من كبار العمر، وغير قادرين على الإنجاب حتى لا يتأثر مستقبل “إسرائيل” الأمني وتتأثر تركيبتها السكانية، وتكون عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية بشكل جماعي ومن خلال لم شمل العائلات، وتعويضهم بالشكل الملائم، فيما تعوض الدول العربية اليهود الذين اضطروا لمغادرتها، وارتحلوا إلى “إسرائيل” تاركين وراءهم أملاكهم، طرحت آرزت تصورا لتوطين خمسة ملايين لاجئ فلسطيني على النحو الآتي:

– 186 ألف لاجئ يُوطنون في الأردن.

– 75  ألف لاجئ جديد يُوطنون في سوريا.

– 75 ألف لاجئ يُوطنون في لبنان.

– 519 ألف لاجئ جديد يحولون إلى السعودية والكويت والعراق ومصر.

– 90 ألف لاجئ يُوطنون ويستوعبون في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا.

– 75 ألف لاجئ يؤهلون للعودة إلى الأراضي المحتلة عام 1948.

– 250 ألف لاجئ من غزة ينقلون إلى الضفة الغربية لحل مشكلة الاكتظاظ السكاني.

الوطن البديل
الرجوع عدة عقود في الزمن يثبت استمرار تبني الفكرة المشروع للوطن البديل من طرف العديد من الإدارات الأمريكية، وذلك من خلال التالي:

• سنة 1949 توجه مستشار وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأوسط ماك جي إلى بيروت لشرح خطته التي تعدّ من أقدم المشاريع لتوطين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم. وهي الخطة التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال لجنة التوفيق الدولية التي تأسست بموجب قرار الجمعية العامة رقم 194 لتوفير الحماية للاجئين الفلسطينيين، وتألفت من مندوبي الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا.

الخطة قامت على أساس إنشاء وكالة تتكون من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة تهتم بتقديم المساعدات الكفيلة بإنشاء مشاريع تنموية لاحتواء اللاجئين في الدول التي يمكنها القيام بذلك.

ونصت خطة ماك جي إضافةً إلى إعادة مائة ألف لاجئ إلى الأراضي المحتلة على توطين باقي اللاجئين في عدد من البلدان.

وفي الوقت الذي أعلنت الولايات المتحدة استعدادها تحمل التكلفة المالية، اشترطت دولة الكيان الصهيوني في المقابل اعترافًا كاملاً بها من جهة، وإعادة توطين المائة ألف لاجئ حيث يتوافق ومصالحها من جهة أخرى.

• ما بين سنة 1953 و1955 توجه إريك جونستون مبعوث الرئيس الأمريكي أيزنهاور إلى الشرق الأوسط للقيام بمفاوضات بين الدول العربية والكيان الصهيوني. وحمل معه مشروعًا لتوطين الفلسطينيين على الضفة الشرقية للأردن، أطلق عليه مشروع الإنماء الموحد لموارد مياه نهر الأردن. ينفذ على خمس مراحل، تستغرق كل مرحلة سنتين أو ثلاثًا.

ونص المشروع على تخصيص مساحات كبيرة من الأراضي المروية في الأردن للاجئين الفلسطينيي. ومشروع جونستون استمرار لمشاريع سابقة تركز على التنمية الاقتصادية كمدخل للتوطين. سنة 1955 ألقى وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس إثر قيامه بجولة في الشرق الأوسط خطابا، تطرق فيه إلى رؤية الإدارة الأمريكية لمستقبل التسوية في المنطقة. وطرح قضية اللاجئين كإحدى أهم القضايا، مقترحا لإعادة بعضهم إلى فلسطين بشرط إمكان ذلك، وقيام الكيان الصهيوني بتعويض البعض الآخر، وتوطين العدد المتبقي في البلدان العربية في أراضٍ مستصلحة عن طريق مشاريع تمولها الولايات المتحدة. وقد لقي المشروع معارضة من دول عربية مثل مصر وسوريا.

• في عام (1951م) قدمت واشنطن للحكومة المصرية مشروعا لتوطين قسم من ا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات