عاجل

الخميس 09/مايو/2024

قانون تنظيم الاستيطان

قانون تنظيم الاستيطان

أقرَّ الكنيست الإسرائيلي بالقراءة النهائية مشروع القرار المعروف بـ”قانون  تنظيم الاستيطان” والذي يقضي بشرعنة المستوطنات اليهودية المقامة على أرض ذات ملكية خاصة تعود لمواطنين فلسطينيين في الضفة الغربية. وقد جرى التصويت يوم الاثنين الموافق 6 فبراير/شباط 2017، وتم تمريره بواقع 60 إلى 52 صوتا. ويسمح القرار-وبأثر رجعي  -بشرعنة قرابة خمسة آلاف من الوحدات السكنية في ما يقرب من 20 مستوطنة مقامة على حوالي 8000 دونم من الأراضي المملوكة للفلسطينيين. كما نص القرار بشكل مبهم على تقديم تعويضات لملاك الأرضي من الفلسطينيين بدون تحديد الكيفية التي ستجري بها عملية التعويض أو المبالغ المستحقة تبعاً لها. 

وقد عكس تمرير القانون مدى النفوذ الذي تتمتع به جماعات الضغط المؤيدة للاستيطان التي ترى أن الاستيطان مصلحة حيوية لا غنى عنها لاستمرار دولة “إسرائيل”، وأن التوسع فيه خيار حتمي في ظل غياب أي طرف عربي أو فلسطيني قادر على الاستمرار في عملية السلام للوصول إلى حل الدولتين. فالترويج لغياب الشريك الفلسطيني، وتعزيز عمليات توسيع المستوطنات سياستان تجريان جنباً إلى جنب لتبرير الخيارات أحادية الجانب التي تفرضها “إسرائيل” بحكم الأمر الواقع. 

الاعتبارات السياسية 
وقد خضع توقيت تمرير القانون لاعتبارات سياسية سواء على الصعيد الداخلي أم الخارجي. فعلى الصعيد الداخلي كان للضوء الأخضر الذي منحه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو دوراً مهماً في تمرير القانون ذلك أن نتنياهو – وفي ظل موجة التحقيقات القضائية التي تلاحقه، وظهور تنافس قوي من غريمة السياسي يئير لبيد – بحاجة إلى ضمان استمرار تأييد ودعم التيارات اليمينية، وقد أظهرت موجة الغضب الشديدة في صفوف مؤيدي التيار اليميني ضد إجراءات الحكومة في إخلاء 40 عائلة من مستوطنة “عمونا” مؤخراً مدى حساسية الموقف وخطورته على حسابات نتنياهو في الانتخابات المقبلة إذا ما خسر الصوت اليميني، هذا بالإضافة إلى التهديد الذي يمثله انسحاب أي من الأحزاب اليمينية من الحكومة على مستقبلها. ومن الجدير بالذكر أن نتنياهو كان يرفض قبل عدة أشهر تمرير هذا القانون في الكنيست الإسرائيلي. 

أما على المستوى الخارجي، يعدّ موقف إدارة ترمب من أهم العوامل التي شجعت التيارات اليمينية على السير قدماً في مشاريع الاستيطان. فالإدارة الأمريكية الحالية – وعلى النقيض من سابقتها – لم تدن الاستيطان بعبارات واضحة وقوية وصريحة، بل اكتفت مؤخرا بالإعلان عن أن: “بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة خارج حدودها الحالية قد لا يكون مفيدا”  لتحقيق السلام.

مكمن الخطورة في القانون
– إخضاع مناطق “ج” في الضفة الغربية للاعتبارات القانونية ذاتها التي تخضع لها مناطق الـ 1948، وهذا يعني بالضرورة تسريع نقل ملكية الأراضي من أيدي الفلسطينيين وبطريقة قانونية (وليس بالأوامر العسكرية) إلى الحكومة الإسرائيلية. 

إخضاع مناطق “ج” في الضفة الغربية للاعتبارات القانونية ذاتها التي تخضع لها مناطق الـ 1948، وهذا يعني بالضرورة تسريع نقل ملكية الأراضي من أيدي الفلسطينيين وبطريقة قانونية (وليس بالأوامر العسكرية) إلى الحكومة الإسرائيلية

– يحرم القانون الفلسطينيين من تقديم التماسات أمام المحكمة الإسرائيلية العليا للمطالبة بإزالة البيوت التي أقيمت على أراضيهم. 

– يصادر القانون حق المحاكم الإسرائيلية من اتخاذ قرارات تقضي بتفكيك المستوطنات المقامة على أراض مصادرة من الفلسطينيين، كما يعفي – في المقابل – المستوطنين من أي تبعات قانونية عن إقامتهم على أراض مصادرة. 

التداعيات والدلالات السياسية
من خلال النظر إلى ظروف تمرير القانون والتداعيات المترتبة عليه، يمكن تسجيل الدلالات التالية:

– يسهم القانون في القضاء على أي محاولة لانعاش عملية التسوية من خلال مشروع إقامة الدولتين. 

– يزيد القانون من حضور “حل الدولة الواحدة” على طاولة التداول السياسي فلسطينيا، حيث يشير البرنامج السياسي المقدم إلى المؤتمر السابع لحركة فتح إلى ذلك.

– كما يزيد احتمال طرح الكونفدرالية الأردنية – الفلسطينية من الطرفين الأمريكي والإسرائيلي.

– يعد القانون تحديا صارخا لقرار مجلس الأمن 2334، وردّا إسرائيليا عليه.

– يوضح القانون مدى نفوذ التيارات اليمينية في عملية صنع القرار داخل إسرائيل، والسرعة التي تتجه فيها “إسرائيل” نحو اليمين المتطرف. 

– سعي السلطتين التشريعية والتنفيذية لتضييق الخناق على السلطة القضائية، في سياق تمرير السياسات التي يمليها اليمين المتطرف.

– مدى تأثير مواقف الإدارة الأمريكية الحالية على الوتيرة المتسارعة للاستيطان. 

السيناريوهات المتوقعة
مع مصادقة السلطة التشريعية على القانون يبقى الحصول على تصديق المحكمة الإسرائيلية العليا والتي ستنظر إلى مدى ملاءمة القانون مع الدستور الإسرائيلي. وفي هذه الحالة هناك سيناريوهان اثنان:

أولا: ويتمثل في مرور القانون دون رفض المحكمة العليا له، وبذلك يصبح الاستيطان مكرساً بحكم القانون، وهو الأمر الذي يمكن أن يعدّ الخطوة الأولى أمام استمرار المصادرة وانتقالها إلى مستويات أكثر خطورة تتمثل بالانتقال من مجرد مشاريع توسيع المستوطنات المقامة إلى مشاريع الضم؛ خصوصاً في ظل مطالبة بعض أحزاب اليمين المتطرف من أمثال البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينت إلى ضم مستوطنة معاليه أدوميم والتي تقع في شرقي القدس وتحتوي على 400.000 مستوطن إلى دولة “إسرائيل”. 

القانون وفي حال أصبح ساري المفعول فربما يضع “إسرائيل” أمام المساءلة القانونية من محكمة الجنايات الدولية، واتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خصوصاً وأن المحكمة قد شرعت بالفعل بالنظر إلى بعض القضايا التي تتعلق بالاستيطان والذي تعده غير قانوني حتى هذه اللحظة

على صعيد متصل، فإن القانون وفي حال أصبح ساري المفعول فربما يضع “إسرائيل” أمام المساءلة القانونية من محكمة الجنايات الدولية، واتهام “إسرائيل” بارتكاب جرائم حرب خصوصاً وأن المحكمة قد شرعت بالفعل بالنظر إلى بعض القضايا التي تتعلق بالاستيطان والذي تعدّه غير قانوني حتى هذه اللحظة. وبالرغم من أن “إسرائيل” ليست عضواً في محكمة الجنايات الدولية، فإن فلسطين قد تم الاعتراف بها كعضو فيها. 

ثانيا: ويتمثل برفض المحكمة العليا للقانون لمخالفته الصريحة للدستور الإسرائيلي، الأمر الذي ربما يفتح المواجهة بين مؤسسة القضاء وبين المؤسسة السياسية، وهو الأمر الذي تحاول الحكومة الإسرائيلية تجنبه لما سيترتب على ذلك من إضرار بسمعة “إسرائيل” كدولة ديمقراطية أمام المجتمع الدولي. ولكن وحتى لو رفض القانون، فإن الرسالة التي بعث بها تبقى ذات دلالة مهمة وهي أن هناك دعماً سياسياً داخل شريحة واسعة من النخبة الإسرائيلية وصناع القرار لمشاريع توسيع الاستيطان بل ومشاريع الضم أيضا. ويعد موقف المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلي (أفيحاي مندلبليت) من أهم المؤشرات التي تدعم هذا السيناريو، حيث أكد على أنه لن يدافع عن القانون الجديد أمام المحكمة الإسرائيلية العليا، واصفاً القانون بأنه غير دستوري ويتعارض مع القانون الدولي والقانون الإسرائيلي.  

التوصيات:
1- مواجهة القانون على الصعد الشعبية والدبلوماسية والقانونية والإعلامية، وتنسيق الجهود بهذا الشأن مع السلطة وحركة فتح إن أمكن.

2- إعادة تقدير الموقف بشأن حل الدولة الواحدة، من حيث كيفية التعامل معه في حال أصبح مطروحا فلسطينياً كبديل لانهيار مسار حل الدولتين، وإدارة حوار مع القوى الفلسطينية -بما فيها فلسطينيو ال48 – بهذا الشأن. 

3- تقدير الموقف بشأن التعامل مع الكونفدرالية الفلسطينية – الأردنية في حال طرحتها أمريكا في إطار حل دولتين مفرغ من المضمون يلحق ما تبقى من الضفة الغربية بالأردن.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات