الإثنين 06/مايو/2024

أبو عماد جابر.. كيف تحدى الاستيطان في قلب الخليل؟

أبو عماد جابر.. كيف تحدى الاستيطان في قلب الخليل؟

تشكل قصة المواطن عارف جابر في قلب المدينة القديمة في الخليل، نموذجا صعبا وفريدا عجزت قوات الاحتلال ومستوطنوه عن كسره أو النيل منه، في معركة يخوضها السكان في تلك الأحياء من أجل البقاء، وإفشال مخططات التهويد والاستيطان الذي باتت تنهش المدينة صباح مساء.

تفاصيل وأحداث فريدة تروي حكاية شعب يأبى الانكسار والهزيمة في ظل حرب ضروس يقودها قطعان المستوطنين وجنود الاحتلال في قلب الخليل، ليؤكد المواطن عارف جابر من خلال قصته أن مسلسل التهجير والترحيل في تاريخ الشعب الفلسطيني قد توقف، وأن النصر مسألة صبر وثبات على هذه الأرض.


منزل المواطن عارف جابر

بداية القصة
تكمن بداية القصة في الحي الذي يسكنه المواطن أبو عماد جابر، وهو حي جابر المحيط بالحرم الإبراهيمي؛ حيث يمنع الاحتلال دخول أي سيارة فلسطينية حتى الإسعاف والإطفاء إلى هذا الحي وبعض الأحياء المجاورة له، ليضطر المواطنون إلى حمل حاجياتهم بشكل يدوي والسير بها مسافات طويلة وصولا إلى منازلهم.

ويروي المواطن عارف جابر (50 عاما) قصته قائلا: “أعيش أنا وعائلتي المكونة من عشرة أفراد في بيت صغير وسط حارة جابر، ومع مرور الوقت وزيادة عدد الأسرة أصبح المنزل ضيقا، ولم يعد يتسعنا”.

يتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “فقررت بناء طابق آخر فوق منزلي، ولم أكن أدرك بأن هذا البناء سيكلفني معركة شرسة وتحديا صعبا يستمر عدة شهور”.


قوات الاحتلال تنتشر داخل منزل المواطن عارف جابر

نقل مواد البناء

“جهّزت الأوراق اللازمة للبناء من مخططات والحصول على التراخيص اللازمة من بلدية الخليل حيث إنها المسؤولة إداريا عن المنطقة، وفق التقسيمات التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي، لتبدأ بعد ذلك معاناة إدخال مواد البناء إلى المنزل، حيث اضطررنا أنا وأبنائي إلى نقلها بشكل يدوي مدة أسبوعين متواصلين، استعنّا خلالها بحمار تعود ملكيته لجاري، وهنا بدأ جنود الاحتلال بالتضييق علينا من خلال احتجاز الحمار ثماني ساعات وتهديد صاحبه بالسجن في حال تقديمه المساعدة مرة أخرى”.


قوات الاحتلال تنتشر محيط منزل المواطن عارف جابر

قرار عسكري بوقف البناء
ويكمل أبو عماد حديثه: “عندما انتهينا من رفع الجدران بتعب ومشقة وعناء، بدأنا بالتجهيز لصب سقف المنزل، وعندما رفعنا الباطون الذي خُلط يدويًّا أمام المنزل حضرت مجموعة من المستوطنين رفقة جنود الاحتلال والشرطة الإسرائيلية وسلموني قرار عسكريا بإعلان المنزل منطقةً عسكريّةً مغلقة، ويوقف العمل فيه والصعود إليه، كما يمنع استقبال الضيوف داخل المنزل”.

توقف البناء وأخرج جنود الاحتلال كل من تواجد داخل الطابق الثاني الذي كان على وشك أن يصبح جاهزا ليتبدد حلم المواطن أبو عماد في أن يملك طابقا آخر لأبنائه بعد هذه الرحلة من المعاناة والتعب، لكنه أدرك بعد هذا القرار أن القضية ليست مجرد منزل، وإنما قضية صمود وثبات للبقاء على هذه الأرض وفي هذا الحي التي بات العيش فيه قطعة من العذاب.

استأنف أبو عماد على هذا القرار عبر المحاكم الصهيونية عدة مرات، وفي كل مرة يكون الرفض مع تمديد المنع أيامًا أخرى، ليصبح إكمال البناء تحديا ومعركة أشرف عليها جنود الاحتلال من خلال المراقبة ليل نهار وتحويل محيط منزله إلى ثكنة عسكرية، عاشت خلالها عائلته حالة من التنكيل المتواصل من جنود الاحتلال استمرت عدة شهور، حيث اعتقل أبناؤه الثلاثة فترة بسيطة واحتُجزوا عدة مرات بحجة كسر القرار العسكري، ومداهمة المنزل بين الفينة والأخرى بحجة التفتيش والتأكد من عدم مواصلة البناء.

إكمال البناء

يشكل إكمال بناء منزل المواطن أبو عماد في ظل المنع واعتداءات المستوطنين ومراقبة الجيش قصة تحدٍّ، حملت في طياتها أحداثًا وتفاصيل يعجز عنها من لا يدرك معنى التحدي والصمود في البقاء على هذه الأرض.

يقول: “قمت بمراقبة تحرّكات جنود الاحتلال والمستوطنين في محيط منزلي، رصدت من خلالها حركة تبديل الجيش أمام منزلي ومناوبات الجنود، ومن خلال تسجيل هذه المواعيد وهذه الحركات بعد ثلاثة أشهر متواصلة تمكنت من تحديد الوقت المناسب لإكمال الشقّ الباقي من سقف البيت، وهو الساعة 10:30 من ليل كلّ جمعة، فأعددت غرفة عمليات كاملة بمساعدة من الجيران والأصدقاء لإكمال سقف المنزل”.

“تم تجهيز ما يقارب الأربعين عاملا، وقام الجيران بدور مراقبة تحركات الجيش إضافة إلى إقامة حفلة شغّل خلالها الأطفال الموسيقى بصوت مرتفع بهدف التغطية على صوت العمال والمعدات، كما أنني أمنت خطة الهروب العمال في حال مداهمة الجيش للمنزل”، يتابع أبو عماد.

أبو عماد ينتصر

في صباح اليوم التالي، وقف أبو عماد ينظر إلى منزله الذي حقق من خلاله انتصارا أنساه كل المشقة والتعب والعناء الذي تعرض له هو وأسرته من المستوطنين وجنود الاحتلال خلال الستة شهور السابقة، حيث رفع العلم الفلسطيني فوق منزله لتصيب المستوطنين وجنود الاحتلال حالةٌ من الصدمة والذهول دفعتهم إلى مهاجمة المنزل والاعتداء عليه وعلى أسرته بالضرب.

مشكلة المواطن عارف جابر لم تنتهِ؛ فإعمار المنزل وتجهيزه للسكن يحتاج إلى معركة أخرى لا يعلم كم ستستمر من الأيام أو الأشهر أو ربما السنوات.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات