الأحد 01/سبتمبر/2024

الغرباء.. تاريخ من الفن الوطني المقاوم

الغرباء.. تاريخ من الفن الوطني المقاوم

36 عامًا وما زالت فرقة الغرباء للفن الإسلامي، في مقدمة الفرق الوطنية والإسلامية في فلسطين، والتي تأسست في العام 1980 على يدي القيادي في الحركة الإسلامية وحركة حماس الشيخ الشهيد جمال منصور، وذلك مع بداية الصحوة الإسلامية، كأول فرقة وطنية وإسلامية في الأردن وفلسطين، وكانت أناشيدها تصدح عبر مكبرات الصوت في المساجد لبث روح الحمية في قلوب الشبان خلال المواجهات في الانتفاضة الأولى.

ويشير معتصم منصور، الشقيق الأصغر للشهيد جمال منصور، أحد مؤسسي الفرقة ومنشديها الرئيسين لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” عن فكرة تأسيسها: “كانت في حزيران (يونيو) من عام 1979 وكان صاحب الفكرة هو الشهيد القائد الشيخ جمال منصور، مع بدايات انطلاق الصحوة الإسلامية في أرض فلسطين، وظهور المد الإسلامي والجماهيري، فرأى أنه لابد من وجود بدائل عن الواقع المخالف لما هو مطلوب في مرحلة التحرر والاستعداد للمرحلة الحاسمة مع الاحتلال، وكان لا بد من إيجاد بدائل في كل المجالات، ومن ضمنها الفن، ومع وجود خامات صوتية مميزة في تلك الفترة، وبالتحديد في مخيم بلاطة بمدينة نابلس اقترح الشهيد إنشاء الفرقة لإحياء المناسبات الدينية والوطنية والأعراس، فكانت فرقة الغرباء”.

وعن المحتوى الذي كانت تتطرق له الفرقة في بداياتها، يقول معتصم منصور: “بحكم البدايات كانت هي خليطًا بين ما هو تروبي دعوي وبين نشيد وطني يحث على العودة وحب الأوطان وما إلى ذلك في البداية”، مشيرًا إلى أنه: “كانت هناك إرهاصات وأحداث سبقت الانتفاضة الأولى عام 1987 وانطلاقتها، وكنا مواكبين لهذه الأحداث وكأننا كنا نُحضر لاندلاع الانتفاضة!”.

أناشيد التعبئة

ويضيف: “في عام 1986 أنجزنا شريطًا تسجيليًّا جهاديًّا مميزًا، فيه أناشيد: “قسما بالله الجبار لتعودي يا دار”، و”علو رايات النصر”، وكان عبارة عن عمل تعبئة وتحشيد للحظة الانطلاق لمواجهة المحتل، ولما جاءت الانتفاضة، كان هذا النشيد كأنما هو مجهز لتلك الفترة وأعدت لها”، مؤكدًا: “كان هذا النشيد يبث على المستوى الفردي وفي المحال في البيوت وعلى المستوى العام خلال المواجهات كانت توضع هذه الأناشيد على مكبرات الصوت في المساجد، في الضفة وغزة، ليحمس الشباب ويعمل على رفع الهمة والتحشيد والتشجيع لمقاومة المحتل”.

أما عما بعد الانتفاضة الأولى فيذكر منصور أنه “زاد تعمق وتركيز الفرقة على عمل أناشيد تخدم التعبئة والتحشيد، وأصبح التركيز على المقاومة والثبات وحق الشعب الفلسطيني في العودة وتحرير أرضه من خلال أناشيد تتفاوت في الأسلوب بين الفني الطربي والشعبي الزجلي التراثي والثوري الحماسي”، موضحًا أن هذا هو النمط الغالب على الفرقة في المراحل التالية، والانتفاضات اللاحقة، “فخلال انتفاضة الأقصى عام 2000 ازداد أسلوبنا قوة وشدة في طرح الكلمات والتحريض على العمل المقاوم المؤلم للعدو والذي يدفعه ثمن عدوانه وثمن هذا الظلم، أو جزءًا من ثمن عدوانه، وذلك حتى تبقى شعلة المقاومة مستمرة في هذا الشعب روحًا وقولاً وعملاً”.

وللانتفاضات أثرها في تحول مسار الفرقة؛ حيث كان لزامًا عليها مواكبة الأحداث بما يناسبها، ويؤكد منصور أن “انتفاضة الأقصى كانت الأحداث فيها قوية ومتسارعة، والشهداء بالعشرات، فكان يجب أن تكون هناك نقلة أوسع في طبيعة النشيد في تمجيد الشهداء والحث على المقاومة والانتقام، فكانت الأناشيد مباشِرة وصريحة مثل: “استشهاديون”، و”شد حزامك يا استشهادي”، أو بذكر أسماء محددة من الشهداء، وتمجيد الشهداء بشكل عام”.

ويضيف: “أما الانتفاضة الأخيرة (انتفاضة القدس) التي انطلقت في تشرين أول (أكتوبر) 2015، فكنا مواكبين لأحداثها وأنشدنا لأبطال عملية ايتمار (الشرارة الأولى لهذه الانتفاضة)، وأنشدنا للشهداء كأنشودة “جنة جنة”، التي مجدت أوائل شهداء الانتفاضة كلّا باسمه، وواكبنا إضرابات الأسرى، وكذلك في حروب غزة الثلاثة، وكان لنا دور بارز فيها بحمد الله، وخلال حرب “العصف المأكول” على غزة، قدمنا لأهلنا في غزة البطولة، أربعة أناشيد هي: “غزة عزتنا”، و”قومي يا غزة”، وأنشودة “الله أكبر شفناها طارت طيارة حماس”، و”جهز البطل”، وكنا أكثر الفرق التي قدمت الأناشيد لغزة”.

عوائق على الطريق

وعن أبرز معيقات عملهم فيقول معتصم منصور: “وجودنا تحت الاحتلال يشكل أكبر عائق لنا، من حيث التقنية واستوديوهات التسجيل والعوائق في الحركة والعوائق المادية، وهو ما حال دون خروجنا وتواصلنا مع العالم الخارجي بشكل مباشر”، مضيفًا: “صحيح أن اليوم يوجد إنترنت وفيسبوك ومواقع تواصل أخرى، لكنها وحدها لا تكفي، ولا تغني عن التواصل المباشر مع المنشدين والفنانين في الخارج، أو الجماهير (..) لكن هذا قدرنا أن نكون تحت الاحتلال، ومع هذا فنحن لن نيأس ونحاول التواصل، فقد شاركنا بمسابقة في غزة عبر إرسال سي دي فترة التهجم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وفزنا بالمركز الأول، بأنشودة: “انصر حبيب الله”، لكن يبقى التواصل المباشر هو الأفضل”.

واصل فريق “الغرباء” الفني عمله وسط أصعب ظروف الاحتلال وتشديد الحصار على المدن الفلسطينية، وهذا ما نوه به معتصم منصور؛ حيث قال: “فترة الاجتياحات وحصار المدن لم ننقطع عن إحياء الحفلات، وأذكر أننا في إحدى المرات احتاج منا الخروج من مدينة نابلس، عبر طرق وعرة والتفافية، ثلاث ساعات لإحياء حفلة في محافظة الخليل، كما أن الاحتلال، ولدى مرورنا على الحواجز، يتعمد إيقافنا وتفتيشنا وتأخيرنا وحجز هوياتنا، ومع هذا تواصلنا في أداء عملنا ورسالتنا لأبناء شعبنا وروضنا أنفسنا على الصبر على هذه الابتلاء”.

وعن دور النشيد الوطني الذي يتركه ويولده في النفوس رأى منصور “أن النشيد له أثر السحر على النفوس، ولا نبالغ إن قلنا إن له أثرًا أكثر من الخطب الرنانة أو الشعر، لأنه يدمج بين الشعر واللحن والصوت الجميل، وبهذا فإنه يؤثر أشد التأثير على النفوس، حتى من عامة الناس، الذين قد يكونون بعيدين عن هذا المجال”.

وكذلك النشيد التحريضي والذي يرى فيه منصور أنه الدور والرسالة الحقيقية للنشيد الوطني، وأنه لعب دورًا كبيرًا في التحريض والتمجيد والتثبيت للمقاومة، وللأسرى ولأهالي البيوت المهدمة، وللشهداء”، مضيفاً: “ولا تزال تسمع خلال الحروب أو اشتداد أجواء العدوان والنشيد يصدح بكل مكان في السيارات والمحال التجارية افتخارًا بهذا الأداء وهذا الإنجاز للمقاومة هنا أو هناك، لذلك دورنا هو دعم ورفد المقاومة حتى تبقى جذوتها مشتعلة بإذن الله رب العالمين”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات