الأحد 12/مايو/2024

2016.. عام خضوع السلطة القضائية للتنفيذية

2016.. عام خضوع السلطة القضائية للتنفيذية

شكل ملف القضاء أحد الملفات الساخنة التي برزت خلال عام 2016، وأثارت جدلا واسعا في الأوساط الحقوقية والقانونية، سيما ما ترافق مع تشكيل المحكمة الدستورية وقراراتها المثيرة للجدل وإقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى بما حمله من تساؤلات.

تشكيل المحكمة الدستورية

وأعلن رئيس السلطة محمود عباس عن تشكيل المحكمة الدستورية للمرة الأولى في فلسطين في نيسان الماضي، وهو ما أثار مخاوف من استغلال هذه المحكمة من السلطة التنفيذية في تمرير غطاء قانوني لقرارات ذات طابع سياسي، ما حدا بالمؤسسات الحقوقية إلى إدانة هذه الخطوة سيما وأن طريقة تشكيلها تمت بطريقة مخالفة للقانون.
 
وأعلن مجلس حقوق الإنسان والمؤسسات المنضوية في إطاره “أن قرار عباس يخالف قانون السلطة القضائية رقم 15 لسنة 2005 وقانون رقم 3 لعام 2006 الخاص بإنشاء المحكمة الدستورية، الذي يتوخى تطبيق سيادة القانون، واستقلال القضاء، والحفاظ على حياديته.. فأغلبية من تمت تسميتهم وجرى تعيينهم، ليسوا من سلك القضاء”.

وشددت على أن رئيس السلطة لا يجوز له أن يخالف القوانين الآمرة، المنصوص عليها كالقانون الأساسي، وقانون السلطة القضائية، وقانون تشكيل المحاكم النظامية، والأهم قانون تشكيل المحكمة الدستورية، الذي يشمل شروط التعيين وإجراءاته، ومعاييره، التي تنسحب على رئيس المحكمة وأعضائها.
 
رفع الحصانة البرلمانية

ولم تكد تمارس المحكمة الدستورية لأعمالها عقب تشكيلها حتى كان أولى قراراتها  في تشرين أول الماضي منح الرئيس صلاحية رفع الحصانة عن نواب المجلس التشريعي، فيما بدا بنظر البعض الهدف الحقيقي من إنشائها أكثر وضوحا.

ورفضت مؤسسات حقوقية وقانونيون وغالبية التنظيمات هذه الخطوة غير المسبوقة في أي من الدساتير والقوانين.

ولم تمض أشهر قليلة على هذا التفويض المثير للجدل من المحكمة الدستورية؛ حتى أصدر عباس مطلع كانون أول قرارا برفع الحصانة البرلمانية عن خصمه في حركة فتح محمد دحلان وأربعة من المحسوبين عليه وأحالهم للتحقيق.
 
إلغاء الانتخابات البلدية

وأقحمت السلطة التنفيذية محكمة العدل العليا في رام الله، وهي أعلى هيئة قضائية في الأراضي الفلسطينية بقرارات سياسية، حيث أصدرت في الثامن من سبتمبر الماضي قرارها بإرجاء الانتخابات المحلية التي كان من المقرر إجراؤها في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إشعار آخر، “كون العاصمة القدس غير مشمولة في الانتخابات، ولأن تشكيل محاكم الاعتراضات لم يتم بحسب الأصول”، بحسب قولها.

ولاقى القرار حالة من الاستياء والاستهزاء في ذات الوقت، حيث سبق وجرت الانتخابات البلدية مرتان منذ قدوم السلطة دون القدس، في الوقت الذي عزا فيه كثير من المحللين سبب الإلغاء للخوف من فوز حركة حماس في الانتخابات حيث استخدم القضاء وسيلة لإلغائها.

وأكد  الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري لـ“المركز الفلسطيني للإعلام” أن “قرار المحكمة العليا بإلغاء انتخابات البلدية خطوة ليست صائبة، وستزيد من حالة الانقسام الفلسطيني، ما يدخل القضية الفلسطينية في نفق مظلم قد لا يرى النور في الأجل القريب”.

إقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى
 وكان رئيس السلطة محمود عباس، قد أقال في  (24-10-2016)  المستشار سامي صرصور، رئيس المحكمة العليا، رئيس مجلس القضاء الأعلى، بعد أسبوعين من حدوث تراشق إعلامي بينه وبين عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” توفيق الطيراوي الذي اتهمه بالتزوير واستخدام مكانته وسلطاته لأغراض شخصية.

وجاءت المفاجأة أن الإقالة التي جاءت على شكل استقالة من صرصور، تمت من خلال إجبار صرصور فور تعيينه على كتابة نص استقالته وإيداعها في ديوان الرئاسة لاستخدامها متى أرادت الرئاسة إقالته حسب تصريح صرصور نفسه.

واعتبر الناشط الحقوقي صلاح عبد العاطي في تصريح لمراسلنا أن إقالة صرصور وما صدر عنه من تصريحات أثبتت بالدليل القاطع مدى غياب استقلالية السلطة القضائية، بعدما طُلب منه قبل حلف اليمين توقيع ورقة منظورة باستقالته بدون تاريخ.

وأضاف:” عندما يجبر رئيس مجلس القضاء الأعلى على توقيع ورقة استقالة مسبقة، فهذا يدلل على نية مبيتة لدي السلطة التنفيذية بالتدخل في عمل السلطة القضائية بما يتعارض مع كل الأعراف والمواثيق الدولية، ومبادئ الفصل ما بين السلطات”.

صراع المناصب داخل الجسم القضائي

وشهدت الشهور الماضية نزاعا وصراعا داخل الجسم القضائي نفسه لا تليق بهيبة القضاء، ومنها ما ارتبط بصراعات شخصية مرتبطة بالمواقع والتعيينات، ومنها الخلافات الحادة بين أعضاء مجلس القضاء الأعلى في اختيار رئيس المجلس ونائبه وعدم الاتفاق على مرشح للمنصب.

وكذلك ما ارتبط بالصراع بين رئيس المجلس سامي صرصور وبين نائبه عماد سليم وتخلله تدخل لافت من عضو اللجنة المركزية لحركة فتح توفيق الطيراوي أدى للإطاحة برئيس المجلس.

وأضيف إلى ذلك نزاع الصلاحيات بين المحكمة العليا والمحكمة الدستورية، وهو ما ظهر في تضارب قرارات بين المحكمتين، ومن ذلك تضارب القرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية مع القرار الذي اتخذته المحكمة العليا في ذات اليوم فيما يتعلق بتعين نائب رئيس المحكمة العليا.

كما لم يخل المشهد من تصرفات غير لائقة، حتى أن رئيس مركز مساواة لاستقلال القضاء إبراهيم البرغوثي، أشار إلى أن حراس بوابات مجلس القضاء تعاملوا بطريقة غير لائقة مع رئيس مجلس القضاء سامي صرصور عند دخوله المجلس بعد قرار إقالته.
 
نظام القضاء البديل ومراكز القوة

ويشير محامون وحقوقيون إلى أن النظام القضائي الفلسطيني وعدا عن كل ما سبق لن يستقيم ما دام يتعزز في كل يوم دور القضاء الموازي من خلال التجاوزات العديدة لأجهزة الأمن، وظاهرة تدخل المحافظين في شتى مناحي الحياة حتى وصلت الأمور للتدخل في الحياة الزوجية للمواطن، وكذلك تدخل التنظيمات والفصائل ونمو نفوذ العشائر حسب الباحث القانوني محمد جرار.

وأكد جرار في دراسة له أن هذه التدخلات تضعف وبشكل كبير دور القضاء النظامي من أخذ دوره في المجتمع والسبب الحقيقي لنمو هذه الظواهر هو ضعف الأداء الرسمي وتغلغل مراكز القوة سواء داخل أجهزة الدولة أو خارجها.
 
بناء جديد

ويرى الباحث القانوني المحامي سمير دويكات في تصريحات لـ“المركز الفلسطيني للإعلام”، أنه لإيجاد حلول عملية تضمن استقلال القضاء وإصلاحه؛ فإن إعادة بناء الجهاز القضائي تحتاج إلى قيادة مختلفة وجديدة وبعقلية العدالة لا بعقلية الزعامة.

وأردف: إن هذا يتطلب مجلس قضاء أعلى جديد، يشكل وفق القانون باستخدام الصلاحيات التشريعية، إذ يتيح القانون إمكانية تعيين قضاة المحكمة العليا من الزملاء المحامين، وهناك أكفاء قادرين على أن يكونوا بمستوى المسؤولية.

وشدد على أنه  وبناء على ما حصل ويجري إن كان لمسئولي هذه البلد رغبة في إصلاح الوضع، عليهم البدء بإصلاح القضاء وكف تدخل السلطة التنفيذية بالقضاء.

وأشار إلى أن أهم الحلول هو أن يحال أعضاء المحكمة العليا إلى التقاعد، وملء شواغرهم من الزملاء المحامين، وهناك من يستطيع إدارة الدفة بكل صدق وإخلاص شريطة مراعاة الموضوعية في التعيين. وغير ذلك ستبقى المعاناة وتزداد.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات