الإثنين 12/مايو/2025

فلسطينيو48.. صراع الوعي في ظل غياب المؤسسة الوطنية

فلسطينيو48.. صراع الوعي في ظل غياب المؤسسة الوطنية

شكلت هبة القدس والأقصى مفرقا تاريخيا هاما في حياة الفلسطينيين بالأراضي المحتلة عام48، حيث تصاعد الحس الوطني والديني والذي ترجم من خلال التضحيات التي قدمت وخلفت 13 شهيدا ومئات الجرحى.

إلا أن المقاربات حول الحالة السياسية والوطنية لفلسطينيي الداخل، بعد مضي 16 عاما على الهبة تباينت، خاصة بعد أن كثّفت المؤسسة الصهيونية مشاريع “الأسرلة” واختراق المجتمع الفلسطيني خلال تلك الفترة، فيما لم يستطع الفلسطينيون ترجمة الحالة الشعبية والتضحيات الكبيرة لمكاسب.

باحثون وخبراء فلسطينيون رصدوا  -وفقا لاستقراء آراء أجراه مركز (كيوبرس)- الوضع القائم في الأراضي المحتلة، والتغيرات التي طرأت عليه بعد مرور 16 عاما على المواجهة الأكبر منذ النكبة الفلسطينية بين أهل الداخل وبين المشروع الصهيوني، وإسقاطات هذه المواجهة السياسية والاجتماعية على هويتهم الجمعية ووعيهم الوطني.

حرب نفسية ونضال تراكمي

ويرفض البروفسور إبراهيم أبو جابر، المحاضر في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، وجهات النظر القائلة بفشل الفلسطينيين في استثمار هبة القدس والأقصى.

د. إبراهيم أبو جابر

وقال: “الصحيح إنهم لم يتمكنوا من استثمارها جيدا، وذلك لأسباب متعلقة بالسلطات “الإسرائيلية” التي تعاملت مع الداخل الفلسطيني بفظاظة، وسمحت لنفسها بقتل ١٣ ممن تدعي أنهم مواطنوها من العرب، ناهيك عن المصابين والمعتقلين منهم، بل مارست الكثير من الضغوط على العرب والقيادات العربية ومختلف المركبات السياسية العربية المختلفة”.

واتهم أبو جابر المؤسسة “الإسرائيلية” بممارسة حرب نفسية ضد الفلسطينيين في الداخل واستخدام خطاب عنيف وموجه ضد العرب، ما دفع الكثيرين إلى العزوف عن التعاطي مع الموضوع، إما خشية من سطو السلطة أو خوفا على مصالحهم، ثم جاءت “الضربة القاضية للسلطة من خلال اختراقها للجنة ذوي الشهداء الأمر الذي أبعد الكثيرين عن الالتفاف حولها”، على حد تعبيره.

ومع اعترافه بمحدودية فرص فلسطينيي الداخل في مواجهة السياسات “الإسرائيلية الظالمة”، يؤكد أبو جابر “هذا لا يعني التسليم بالأمر الواقع، بالعكس على الداخل الفلسطيني ابتكار وسائل وطرق لرفض السياسات الإسرائيلية، وعلى رأس ذلك توحيد الصفوف لكل مركبات المجتمع العربي السياسية في الداخل، وتوحيد الخطاب لدى الجميع والتأكيد على الثوابت الدينية والوطنية لمجتمعنا العربي، لا بل والأهم من ذلك، على القيادات العربية أن تتواجد دائما إلى جانب الجماهير خلال نضالها السياسي دفاعا عن مقومات وجودها، ووقوفا في وجه آلة الهدم الإسرائيلية أو مشاريع مصادرة الأراضي وغيرها من الممارسات العنصرية الإسرائيلية ضد الداخل الفلسطيني”.

أسباب الفشل وعلاجه

الباحث وطالب الدكتوراه إبراهيم خطيب أكد أن عملية الاستثمار من قبل الساسة لهبة الأقصى فشلت لعدة أسباب منها، عدم وجود برنامج سياسي واضح المعالم لنضال فلسطينيي الداخل وبالتالي عدم وضوح البرنامج، يقابله خطوات غير واضحة.

إبراهيم خطيب

الأمر الثاني حالة التشرذم الحزبي وأقول التشرذم لا التعددية لأن التعددية محمودة فيما التشرذم هو ما كان، وتمثّل ذلك في حالة ترهل الأحزاب العربية في الداخل وأنانيتها الحزبية وعدم تنظيم العمل السياسي بشكل جوهري مثل عمل لجنة المتابعة وانتخابها ناهيك عن الضربات التي لاقتها كما حصل مع الحركة الإسلامية في قضية رهائن الأقصى في حينه.

الأمر الثالث هو ارتهان بعض الأحزاب في الداخل لأجندات فئوية في المنطقة مثل ارتهان البعض لرؤية السلطة الفلسطينية الساعية لتهدئة الشارع الفلسطيني وتحويله للمفاوضات، إضافة لحالة الارتداد المجتمعي والقصد حالة التردي الاجتماعي الذي يعانيه مجتمعنا من قضايا العنف، المخدرات وغيرها من القضايا، واخيراً الرؤية السلطوية لماهية وجودنا وطبيعته في الداخل ومع صعود أكبر للأصوات المنادية بيهودية الدولة وبالتضييق على فلسطينيي الداخل مما ولّد حالة من الشعور بالملاحقة في فلسطينيي الداخل وشعور بالخطر على الوجود.

ورأى خطيب أن المؤسسة الإسرائيلية استثمرت كل ما سبق للجم فلسطينيي الداخل وتحديد سقف عملهم وحدوده فيما ترتضيه المؤسسة، وخصوصاً أنه كانت هناك محاولات نضالية لا يمكن إغفالها في صفوف فلسطينيي الداخل في مجابهة مشاريع حكومية إسرائيلية.

وحول المطلوب فعله خلال المرحلة القادمة قال الباحث إبراهيم خطيب: “المطلوب هو رص الصف الوطني الفلسطيني في الداخل بوحدوية تتعالى عن المصالح الحزبية الضيقة، مترافقة مع برنامج نضال وطني مشترك يجابه المخططات  السلطوية وبنفس الوقت واعٍ لحال مجتمعه ومساهم في بنائه ناهيك عن تنظيم الصف الداخلي وبناء الهيئات الوطنية بشكل سليم، إضافة لضرورة تطوير أساليب النضال والاستفادة من مشاريع تتم في مجابهة المؤسسة الإسرائيلية”.

3 مدارس

من جانبه، يقول الأستاذ صالح لطفي، الباحث والمحلل السياسي: “نحن كمجتمع لا نعيش في فراغ ومسألتي الفشل والنجاح هي مسألة نسبية خاصة إذا تعلق الأمر بحركة الحياة ومدافعة الواقع الذي نعيش وقضايا السياسة والاجتماع، والتعاطي مع القضايا الكبرى التي ترسم معالم المستقبل، وبالتالي أنا لا أعتبر أننا فشلنا في استثمار ما بعد هبة القدس والأقصى، فالنضال في حياة الشعوب هو قضية تراكمية لكنَّ المهم في هذا النضال أن تتفق القيادات السياسية والفكرية على أهداف استراتيجية لتحقيقها في مسيرتها النضالية”.

صالح لطفي

وأضاف: “في حالتنا نحن في الداخل الفلسطيني أستطيع القول أن هناك هدفا استراتيجيا  واحدا ويتيم مجمع عليه لدى كافة الأطر السياسية والفكرية، وهو الثبات على هذه الأرض وتجذرنا عليها والحفاظ على الوجود والبقاء”.

وتحدث لطفي، عن 3 مدارس ينتمى إليها الفلسطينيون تحدد علاقتهم بالمؤسسة “الإسرائيلية” ونظرتهم إليها في المنظور الاستراتيجي، وهي: “مدرسة الاندماج والعيش المشترك التي تعتقد أنَّ الحفاظ على هذا الهدف الاستراتيجي يستوجب الاندماج في الدولة ومؤسساتها، ولو كان الأمر وفقا للإيقاع الذي تضع نوتاته المؤسسة الحاكمة، الشرطة والحراسة الليلية، الاندماج في الشبيبة العاملة والمتعلمة”.

والمدرسة الثانية، بحسب لطفي، تدعو إلى المساواة وتدمج بين القضايا المطلبية والحقوقية، ولدى بعض منها القومية، وترى بهذا الدمج سبيلا للحفاظ والبقاء من خلال الحفاظ على “ذاتنا ووجودنا” من جهة، وعدم التناقض مع الدولة برسم واقعها وما تملكه من أدوات وقوة من جهة أخرى.

أما المدرسة الثالثة، يقول الباحث، هي “مدرسة المفاصلة”، وتعتقد أن الحفاظ على وجودنا على أرضنا  يتطلب عدم الاندماج بمؤسسات الدولة أو المشاركة معها وفيها، وهذه المدرسة تؤمن بتثوير الخيار الكامن في الوجود العربي في البلاد من جهة، وتنظيمه وترتيب أوراقه وفقا لأجندات تفضي إلى تحقيق استقلال “ما” في مسيرته وحركة حياته، وترى هذه المدرسة أن القضايا المطلبية كالتعليم والسكن والعمل وغيرها كثير، حقوق يمكن تحقيقها من خلال نضال متراكم مبني على استراتيجية نضال متفق عليه”.

ويؤكد أن هبة القدس والأقصى تركت مفاعيلها تعمل ببطء شديد في هذه المدارس الثلاثة وهو ما يعني، بحسب الباحث “أننا أمام حالة متطورة باستمرار ولكننا لا نتنبه لها بحكم أنها ليست “ظاهرة مشاغبة إعلاميا” بل هي عملية اجتماعية سياسية متراكمة يمكن لعلماء الاجتماع، المتابعين لتطور مجتمعنا متابعة دقيقة تاريخية “سياسية” مجتمعية أن يقفوا عليها، ومن عندهم دراية بسنن حركة الحياة”.

ولم ينكر لطفي حالة التردي الأخلاقي السياسي الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني في الداخل بالسنوات الأخيرة، وقال إنه “يتمثل بضياع البوصلة عند عدد من السياسيين اتجاه ما يدور من حولنا وحالة الاستهلاك غير المسبوق في مجتمعنا، والذي مرده بالضرورة إلى سياسات الضبط التي تمارسها المؤسسة الإسرائيلية اتجاهنا منذ النكبة وإلى هذه اللحظات”.

ولفت لطفي، إلى أن “المطلوب في المرحلة القادمة، خاصة بعد أن كشفت هبة القدس والأقصى اللثام عن مكونات تأسيسية لهوية الفلسطينيين الجمعية جمعت بين البعد السياسي الجغرافي وفي ظل التطورات التي حفلت بها منطقتنا وداخلنا الفلسطيني، فالمطلوب إعادة النظر في التربية السياسية لكوادر الأحزاب والحركات، بحيث تتعاطى والمتغيرات الحاصلة في مجتمعنا، والعمل على تكوين سياسي متجدد وخلاَّق، يستطيع حملته أن يواجهوا التحديات المستقبلية، وهي بالمناسبة كثيرة جدا، ونحتاج تبعا إلى ذلك العمل على تحقيق وعي سياسي وأخلاقي بين فئات مجتمعنا، كل المجتمع، لتحقيق حالة من التوازن، في قادم الأيام، بين المظنون والمتوقع من جهة وبين الحادث النازل علينا كمجتمع من جهة أخرى، وبين النخب السياسية وسبل إدارتها لأزماتنا القادمة أو المفروضة علينا”.

رفع التضامن والوحدة
الباحث والمحاضر في جامعة كولومبيا (الولايات المتحدة)، غسان فوزي قال إن تداعيات الهبة وتفاعلاتها لم تنته لا من جهة الشعب والأحزاب ولجنة المتابعة العليا ولا من جهة الحكومة الإسرائيلية، فالمؤسسة الصهيونية استعملت الحصار الإداري والاقتصادي لمليون فلسطيني، هم رسميا مواطنوها واستمرت في الاعتقالات والمحاكمات والعقوبات القاسية، فالدولة منظمة ولديها أجهزة قمع وميزانيات قمع وسياسات متراكمة تاريخيا في ممارسة القمع، لذلك عمدت إلى إبقاء البنوك وخطوط الهاتف والشوارع ومؤسسات أخرى معطلة بهدف تحريض الناس ضد العمل الشعبي وضد التمرد على انتهاكات شارون للقدس والأقصى وعلى تصعيد الاحتلال والقتل في مناطق دولة فلسطين.

غسان فوزي

وأضاف: “رغم قتل 13 فلسطينيا وجرح العشرات واعتقال العشرات والاعتداء على القيادات، واصلت هيئات لجنة المتابعة العليا وقيادات الأحزاب الضغط على الحكومة الإسرائيلية لأجل محاكمة القتلة، ومحاكمة سياسة القمع، بعد تردد كبير، استجابت الحكومة الإسرائيلية وعينت شخصية إسرائيلية أو مجموعة شخصيات للتحقيق، ولكن القياد

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات