الأحد 05/مايو/2024

البلدة القديمة في الخليل تستقبل العيد بلا أسواق ولا متسوقين

البلدة القديمة في الخليل تستقبل العيد بلا أسواق ولا متسوقين

عادت أسواق البلدة القديمة في الخليل تشكو إلى الله حالة الكساد والركود التجاري التي تمر بها خلال استقبالها عيد الأضحى المبارك؛ حيث كان مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” في جولة بأسواقها وأحيائها والتقى عددًا من أصحاب المحلات التجارية فيها.

ذاكرة المكان

دخلنا البلدة القديمة هذه المرة من الجهة الشرقية الشمالية، وانطلقنا من باب الزاوية إلى مسجد علي البكاء عبر حارة الشيخ، وصولاً إلى مقر مديرية الأوقاف ولجنة الإعمار المتاخمتين للمسجد الإبراهيمي،.وبالرغم من قصر المسافة بينهما إلا أن الاحتلال لا يسمح لسكان البلدة القديمة بالمرور من الجهة الشمالية والوصول إلى المسجد إلا عبر مدخل وحيد؛ حيث يضطرون إلى سلوك طريق بعيدة عبر الأسواق القديمة المغلقة وصولاً للمسجد.

أبو رياض (75 عامًا) يمتلك مطعمًا صغيرًا لبيع الفلافل، قال إن هذا المحل مفتوح منذ أكثر من 40 عامًا، وبالرغم من كبر سنه إلا أنه لا زال متمسكًا بالعمل فيه مساهمة منه في إعادة الحياه للشارع.

رائحة زكية تنبعث من (صاج) الفلافل؛ حيث كان يعد الساندويتشات لبعض المارة وبسعر زهيد، لعل وعسى أن ينتهي من بيع ما تبقى لديه من العجينة المُعدّة.

في سوق اللبن ضوء أصفر خافت يعانق عراقة الشارع، يتدلى من أعلى (ركبة) القنطرة كما يطلقون عليها. تشعر وأنت تسير بالشارع بهيبة المكان المضمخ بالحضارة الإسلامية العريقة.

عشرات المحلات لا زالت مغلقة تمامًا بأوامر عسكرية صهيونية لا تجد فيها وميضًا للنور.. كستها خيوط العناكب بسبب غياب أصحابها عنها، فيما كان بائع الخضار يختفي خلف طاولة صغيرة وبعض من الثوم والبصل والبطاطا تعتلي سدة المحل، يقتنص الفرص حتى يبيع ما لديه من بضاعة على من تبقى من سكان الحي.

متشبثون بماضيهم

محلات شاور لبيع زيت السمسم، انتصب صاحبها وأخذ يحدثنا عن عمر المعصرة وتاريخها، مشيرًا بيده إلى قصاصة صحيفة قديمة جدًّا ملصقة على مدخل المحل.

حدثنا بفخر عن تاريخ المعصرة التي أسست منذ عام 1919، وكانت تدار طواحينها على الجمال؛ حيث يهرس السمسم تحت جاروشة كبيرة من الحجر ويتم تصفية الزيت، وتباع أوقية زيت السمسم بـ 8 شواقل (2 دولار).

وقال شاور إن زيت السمسم متعدد الاستخدامات ومنه تستخرج (الكسبة) وهي مادة تستخرج بعد عصر السمسم كبقايا اللب، وتؤكل بعد خلطها بالسكر. وهي معروفة في أسواق البلدة القديمة.

ويستخدم زيت السمسم في المناسف؛ حيث يرش على الرز المطبوخ وكذلك في المقالي، وهو علاج لبعض التهابات الصدر، ومشاكل الشعر.

ويضيف شاور أن المصنع لا زال يعمل بأدوات حديثة، لكن ليس في محيط البلدة القديمة؛ حيث لا يسمح الاحتلال بتحديثات على المحل، لكن لا زالت الطواحين موجودة خلف باب مغلق في نفس السوق كتراث فلسطيني لا يُمحى من الذاكرة.

لا يغيبون عن المشهد

كنا نسرح في لوحة تراثية فنية رائعة، لولا وجود جنود الاحتلال الذين عبروا سوق اللبن مرتين خلال حديثنا مع صاحب المعصرة.. لم يتوقفوا عن المشي، لكنهم كانوا يسيرون في شارع خال من المارة، لذلك مروا بالشارع دون عناء المساءلة.

وبالرغم من وجود عشرات النقاط العسكرية المنتشرة في شوارع وأسواق وأسطح المنازل في البلدة القديمة إلا أن الدوريات الراجلة لا تغيب عن الأحياء ولا تمر حادثة في الخليل إلا وانعكست على أصحاب المحلات، الذين يغلقون محلاتهم درءًا لمفسدة الاعتداءات التي ينظمها المستوطنون.

حالة العسكرة التي يفرضها جيش الاحتلال على البلدة القديمة فرضت حالة من الإغلاق على أهم معالم البلدة القديمة والتي اختفت من أمام الفلسطينيين الذين يدخلون إليها على شكل زوار أو متسوقين.

ومن هذه المعالم منزل ومتحف أبو سمير الشرباتي؛ حيث حاولنا الوصول إليه لكن منعتنا عتمة المكان وتراكم الأتربة والأوساخ على مدخل المنزل؛ حيث أكد لنا أصحاب المحلات أن أصحاب المنزل غادروه منذ سنوات بسبب الاعتداءات المتكررة على ساكنيه لإرغامهم على بيعه لتوسيع البؤرة الاستيطانية “أبرهام أبينو”.

أما مسجد ابن عثمان فلا يكاد يدخل إليه للصلاة إلا جيرانه بسبب حالة الفراغ التي خلفتها ممارسات الاحتلال بحق البيوت والمقدسات هناك.

سألنا عدة مرات عن مسجد الأقطاب إن كان موجودًا في ذاكرة أهل الحي وأصحاب المحلات؛ حيث أكدوا لنا أن إغلاق السوق القديم منذ ما يقارب الـ 20 عامًا كان سببًا كافيًا لطمس معالم المسجد، بسبب امتداد البناء الاستيطاني لـ”أبرهام أبينو”، من جهة وبسبب إغلاق مدخل السوق بالسواتر.

سوق القزازين

تجاوزنا سوق خزق الفار؛ حيث يربض مسجد حارة القزازين، وتعود تسمية الحي إلى صناعة الزجاج التي تشتهر بها مدينة الخليل منذ عهد الفينيقيين، ولا زالت مدينة الخليل هي الرائدة في هذا المجال في فلسطين؛ حيث تشكل صناعة الزجاج رافدًا أساسيًّا في الاقتصاد الفلسطيني.

لمدة ثلاث ساعات ونحن نتجول في أسواق الخليل.. كانت نسبة المتسوقين لا تتجاوز 2% من حجم المتسوقين في أماكن أخرى، فيما يسمى (h1 ) التي تعرف بالسيادة الفلسطينية بالخليل، وعندما رفع آذان الظهر كان الشارع خاليًا تمامًا حتى من المصلين، باستثناء بعض أصحاب المحلات المتواجدين بالشارع والمعدودين على الأصابع.

ورغم عراقة الحي وتاريخه القديم في إثراء المدينة حضاريًّا واقتصاديًّا إلا أن مسحة من الحزن تعتلي الوجوه إذا أطلت على المحلات المغلقة والحواري الساكنة الخالية من سكانها.

إلى الخلف من الحي، يوجد سوق شاهين والذي لم نستطع العبور إليه لإغلاقه التام من قبل الجيش؛ حيث يقطن فيه عدد محدود جدًّا من المواطنين الذين يعبرون إلى منازلهم عبر أسطح البيوت القديمة بسبب المعاناة المستمرة من الجيش لترهيبهم وترحيلهم من منازلهم، وإجبارهم على ترك الحي، وتحويله إلى ممتلكات المستوطنين أو ما يسمى “ممتلكات الدولة”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات