الأحد 05/مايو/2024

الرواية الكاملة لأحداث الفلتان الأمني بنابلس

الرواية الكاملة لأحداث الفلتان الأمني بنابلس

رغم عودة الحياة إلى طبيعتها في مدينة نابلس، بعد الأحداث الدامية التي شهدتها المدينة، مساء الخميس وفجر الجمعة، إلا أن القلق يبدو جليا في وجوه الأهالي وفي تعليقاتهم وكتاباتهم التي لا تخلو من خوف من القادم المجهول.

وباستثناء مجموعة من عناصر الأجهزة الأمنية التي ترابط عند مدخل حارة العقبة بالبلدة القديمة، وسيارة محترقة وقطع من الأثاث والأدوات المنزلية الملقاة في وسط الطريق، يبدو للوهلة الأولى أن الحملة الأمنية قد انتهت.

الأحداث بدأت وفقا لرواية محافظ نابلس أكرم الرجوب، عندما وقعت قوة من الأجهزة الأمنية اقتحمت البلدة القديمة بعد عصر الخميس (18-8) لاعتقال مسلحين، وقعت بكمين لهؤلاء، مما أدى لإصابة أربعة من عناصر القوة، توفي اثنان منهما وهما: شبلي إبراهيم بني شمسة (27 عاما)، ومحمود محمد ذيب الطرايرة (26 عاما).

إثر ذلك بدأت الأجهزة الأمنية عملية عسكرية واسعة في البلدة القديمة طالت عددا كبيرا من المنازل والمحلات والمخازن، وتسببت بحرق مبنى أثري يزيد عمره عن 800 عام يستخدم كديوان لعائلة الخياط، بالإضافة إلى حرق مخبز وسيارة.

روايات متضاربة
وقبل بزوغ الفجر، أعلنت الأجهزة الأمنية عن قتل اثنين من الضالعين بقتل عنصري الأمن قبل ساعات، وهما فارس حلاوة وخالد الأغبر.

محافظ نابلس قال إن الشابين الأغبر وحلاوة هما من المشتبه بهم بإطلاق النار، وقد بادرا بإطلاق النار على أفراد الأجهزة أثناء نشاطهم الأمني، مما استدعى الرد بالمثل، وقد أصيبا بجراح وفارقا الحياة لدى وصولهما للمستشفى.

لكن هذه الرواية لم تقنع عائلتي الأغبر وحلاوة، اللتين أكد لهما شهود عيان أنه جرى اعتقال ابنيهما أحياء، واقتيادهما من حارة الفقوس إلى حارة الشيخ مسلم، وهناك تم إعدامهما بدم بارد.

عائلة الأغبر من جانبها، قالت إنها فوجئت بمقتل ابنها، وأكدت أن هناك تناقضا بين رواية كل من الأجهزة الأمنية وشهود العيان حول طريقة مقتله.

وأشارت إلى أن ابنها هو أسير محرر أمضى سنتين في سجون الاحتلال، وهو ليس مطلوبا للأجهزة الأمنية على قضايا تمس القانون الأمني، وإنما على قضية حق عام منذ 5 سنوات.

وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة وفورية لإظهار الحقيقة، وتشريح جثمان ابنها لبيان طريقة الوفاة.

وبينما شيعت عائلة الأغبر ابنها، ترفض عائلة حلاوة دفن ابنها قبل تشريح الجثمان والتحقيق في ملابسات مقتل الشابين وعنصري الأمن.

جذور المشكلة
ولئن وقعت هذه الأحداث يوم الخميس، فإنها لم تكن وليدة تلك اللحظة، بل تعود جذورها إلى شهور عديدة.

ففي الأيام الأخيرة من العام الماضي 2015 شهدت البلدة القديمة اشتباكات مسلحة بين عائلتي حلاوة وحمامة، وأسفرت تلك الاشتباكات عن مقتل شاب من مخيم العين هو أشرف محمد حسين البيعة، وهو مقرب من عائلة حمامة.

وعلى إثر ذلك، اتهمت الأجهزة الأمنية أحد أبناء عائلة حلاوة، وهو هاني حلاوة، بالوقوف وراء مقتل البيعة، وطالبته بتسليم نفسه، لكنه رفض، نافيا التهمة عن نفسه.

وفي شهر آذار/ مارس الماضي، شنت الأجهزة الأمنية حملة كبيرة داخل البلدة القديمة لاعتقال حلاوة، لكنها لم تفلح، وانتهت تلك الحملة بإصابة أكثر من 13 مواطنا بجراح.

وأوضح حمدي حلاوة، أحد ممثلي عائلة حلاوة، لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” أن العائلة توصلت إلى تفاهم مع قائد الأمن الوطني نضال أبو دخان، سُلِّم بموجبه هاني حلاوة وثلاثة آخرون من أبناء العائلة لأجهزة الأمن، ومنذ ذلك الوقت لم يعد هناك أي مطلوب من العائلة.

وكانت الأجهزة الأمنية قد أعلنت في الخامس والعشرين من شهر تموز/ يوليو الماضي اعتقال المتهمين بقتل البيعة، بعملية وصفتها بالمعقدة في بلدة سالم شرقي المدينة.

ويحمل حلاوة السلطة المسؤولية عن تطور الأوضاع إلى ما وصلت إليه، لأنها لم تضع منذ البداية حدا للمشكلة التي بدأت صغيرة، وانتهت بإزهاق أرواح عدد من المواطنين وأفراد الأمن.

قتل لرد الاعتبار
ويشير حلاوة إلى أن الشاب فارس لم يكن مطلوبا للأجهزة الأمنية، وهو يعمل في فرن والده بحارة الشيخ مسلم.

ويقول: “فارس كان يمارس حياته بشكل طبيعي، ولم يكن له أي نشاط ضد القانون”.

ويرفض حمدي رواية الأجهزة الأمنية، ويؤكد أن من الطبيعي أن تبرر الأجهزة قتلها الشابين، لأنها كانت تريد رد الاعتبار لنفسها.

وأشار إلى أن تحذيرات وصلتهم بعد مقتل عنصري الأمن، بأن الأجهزة الأمنية ستطلق النار وتقتل من تجده في طريقها من أبناء العائلة، انتقاما لمقتل عنصري الأمن، لافتا إلى أن الأجهزة الأمنية داهمت عددا من منازل العائلة وفتشتها بدقة، ولم تعثر على شيء مما أعلنت عنه.

ويقول: “أعلنا منذ البداية استنكارنا لمقتل عنصري الأمن، ونحن مع سيادة القانون على الجميع، لا أن يطبق القانون بشكل انتقائي”.

سوء تقدير
ولقي دخول الأجهزة للبلدة القديمة في ساعات النهار انتقادا بين الكثير من المواطنين وأصحاب الرأي، لأن نتيجة هذا التصرف الخاطئ معروفة سلفا.

المواطن خالد سليم، الذي يملك محلا في شارع خالد بن الوليد القريب من حارة العقبة، شاهد الموت بأم عينيه نتيجة إطلاق النار العشوائي.

وقال سليم لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “كان أطفالي يتواجدون داخل المحل عندما تفاجأنا بصوت إطلاق نار كثيف في الخارج، وعندما خرجت لأستكشف الأمر، وجدت عناصر الأمن يركضون، بينما أصيب أحدهم برأسه.

ويضيف: “بدأت أصرخ في عناصر الأمن مطالبا إياهم بمغادرة البلدة القديمة حتى لا تقع ضحايا في صفوفهم وصفوف المواطنين”.

واعتبر المحامي نائل الحَوَح أن الأجهزة الأمنية لم تكن موفقة باتخاذ قرارها الخاطئ باقتحام البلدة القديمة في وقت الازدحام والذروة، وأنها وقعت بكمين لم تكن موفقة بالتعامل معه.

وقال الحَوَح لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “دور الدولة هو محاسبة الخارجين عن القانون، من خلال إحالتهم إلى جهة القضاء المختصة بإنزال العقوبة الرادعة بحق الخارجين عن القانون، إلا أن ذلك لا يبرر للمؤسسة الأمنية اتخاذ الإجراءات القمعية بحق المواطنين في البلدة القديمة”.

وحمّل السلطة مسؤولية إعدام مواطِنَيْنِ في البلدة القديمة، وإحراق أحد أعرق دواوين نابلس، وحرق السيارات والبيوت على أساس انتقاميّ.

وطالب بتشكيل لجنة تحقيق من المراجع القانونية والقوى الوطنية والشخصيات الاعتبارية، للبحث في أسباب هذه الجرائم وتداعياتها.

حلقة في سلسلة
وتعتبر الأحداث الأخيرة أحدث حلقة في سلسلة حوادث الفلتان الأمني الذي تعيشه مدينة نابلس، حيث قتل مطلع شهر تموز/ يوليو الماضي اثنان من ضباط الأجهزة الأمنية برصاص مسلحين، أثناء شجار مسلح بمنطقة الضاحية في المدينة.

وأرجع الكاتب سامر عنبتاوي سبب ما يجري إلى التعامل الخاطئ مع مظاهر الفلتان، عبر السكوت عن كل من يعبث بأمن المواطن وحياته، وترك المجال للفوضى لتنمو وتترعرع.

وقال عنبتاوي لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “نحن ندفع ثمن غياب وترهل مؤسساتنا، وندفع ثمن تفرقنا وعدم وحدتنا، وندفع ثمن تغيب وتراجع دور الشخصيات والقيادات المجتمعية، وندفع ثمن عدم نضوج القرار السياسي بالمواجهة الشاملة والمستدامة مع الفوضى والفلتان.

ورأى أن هذا الوضع يجب أن يواجه بخطة أمنية شاملة ومستدامة، عنوانها فرض النظام والقانون على الجميع دون استثناء، وبتكامل ودعم من كافة فئات المجتمع، ليشكل حاضنة مجتمعية لأي تحرك.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات