موت الانتفاضة الذي لم يكن
على مدى أسبوع قبل تنفيذ عملية «تل أبيب» البطولية ظلت وسائل الإعلام الصهيونية تتحدث عن «موت» انتفاضة القدس، وراح الجنرالات والخبراء الأمنيون والمستشرقون الصهاينة يتبارون فيما بينهم في رصد الأسباب التي أفضت إلى «موت» الانتفاضة.
وراح الكثير من المعلقين الصهاينة يوزعون شهادات «التقدير والثناء» على قادة الجيش وجهاز المخابرات الداخلية «الشاباك» الذين أسهموا في تحقيق هذه النتيجة.
وقد تباهى جهاز الاستخبارات العسكرية «أمان» بأنه طور «آليات رصد» استخبارية تمكن من التعرف على من يخططون لتنفيذ العمليات الفردية واعتقالهم قبل أن يشرعوا في ذلك.
وقد منحت الصحف الإسرائيلية الكثير من المساحات لضباط كبار في «أمان» للحديث عن «إنجازهم» الذي تبين أنه لم يكن أكثر من وهم.
من هنا، فقد أفضت العملية إلى نسف حسابات الصهاينة رأساً على عقب، حيث إن كلاً من المستوى السياسي والمؤسسات الأمنية باتت مطالبة بصياغة رواية أخرى لتبرير ما حدث للرأي العام، حيث إن عملية «تل أبيب» ليست فقط مجرد عملية نفذت ضد هدف للاحتلال، بل إن طابع العملية أصاب القادة الصهاينة بالحرج الشديد.
فقد نفذت هذه العملية في قلب مدينة “تل أبيب”، وبجوار مبنى وزارة الحرب الذي يعد أكثر المؤسسات حساسية في الكيان الصهيوني.
في الوقت ذاته، فإن البطلين اللذين نفذا العملية قدما من أقصى جنوب الضفة الغربية، وتحديداً من بلدة «يطا»، وهذا يعني أنهما تجاوزا عشرات الحواجز العسكرية، فضلاً عن دخولهما مركزا تجاريا يحظى بحراسة خاصة، دون أن تكتشف الأسلحة التي بحوزتهما.
لكن مما لا شك فيه، فإن أكبر معضلة كشفت عنها عملية “تل أبيب” تتمثل في مستوى الدافعية العالية لتنفيذ عمليات في أوساط الشباب الفلسطيني، وأن التراجع الذي حدث في مستوى العمليات كان مرده إلى الإجراءات المشتركة التي تتخذها «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية.
فقد أدركت المؤسسة الأمنية الصهيونية أنه كلما تسنت الظروف لتنفيذ عمليات، فإن المزيد من الفلسطينيين سيستغلون هذه الفرصة لتنفيذها بدون تردد.
ومما لا شك فيه أن عملية «تل أبيب» تمثل بشكل خاص تحدياً لوزير الحرب الصهيوني الجديد أفيغدور ليبرمان، الذي قدم نفسه على أنه المؤهل للقضاء على المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في زمن قياسي.
وعلى الرغم من أن ليبرمان حرص على إطلاق تصريحات «معتدلة» نسبياً بمجرد أن تولى مقاليد الأمور في الوزارة، إلا أن تنفيذ العملية أصابه بحرج شديد، حيث إن الجميع بات يطالبه بأن يثبت جدارته كوزير للحرب.
لكن ليبرمان، مثله مثل جميع قادة الأجهزة الأمنية يدرك أن الخيارات التي تقف أمامه محدودة بشكل كبير، حيث إن منفذي العملية لا ينتمون إلى تنظيم، مما يعني أنه لا توجد بُنية تنظيمية بإمكان الجيش والمخابرات الإسرائيلية تفكيكها.
في الوقت ذاته، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعي تماماً أن نجاح عملية «تل أبيب» سيفضي إلى تشجيع المزيد من الشباب الفلسطيني على محاولة تنفيذ عمليات مماثلة. ومما يعزز هذا الاحتمال حلول شهر رمضان، الذي يزيد من مستوى الدافعية الدينية لتنفيذ العمليات المقاومة.
لكن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وليبرمان معنيان بأن يثبتا للجمهور الإسرائيلي أنهما صارمان، وأن هذه العملية لن تمر بدون رد مناسب.
ويتضح من خلال النقاشات التي أجريت في المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن أن ردود الفعل تشمل: فرض حصار مطبق على بلدة «يطا»، الغاء تصاريح دخول الفلسطينيين في هذه البلدة للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ومنع إعادة جثث الشهداء، وتدمير منازل منفذي العمليات.
لكن النخب اليمينية، والقواعد الجماهيرية للأحزاب المشاركة في الائتلاف لا ترى أن هذه الإجراءات تكفي وتطالب بعقوبات جماعية أكثر شمولية وقسوة.
وفي المقابل، فإن صناع القرار السياسي في “تل أبيب” يعون أن الإقدام على فرض عقوبات جماعية كما تطالب قوى اليمين في “تل أبيب” سيفضي فقط إلى تعاظم الدافعية لتنفيذ عمليات.
وعلى الرغم من تجذر هذه القناة، إلا أنه من المعروف أن اعتبارات السياسة الداخلية ذات تأثير كبير على القرارات الأمنية التي يتخذها القادة الصهاينة، ولا سيما أن نتنياهو معني بالحفاظ على موقعه في رئاسة الوزراء، في حين أن ليبرمان خرج عن طوره من أجل الظفر بمقعد وزير الحرب، لأنه يعتقد أن هذا المنصب سيمنحه الفرصة للوصول إلى رئاسة الوزراء.
من هنا، فإنه في حال حدثت المزيد من العمليات، فإن هامش المناورة المتاح أمام ليبرمان ونتنياهو سيتقلص، وسيقدمان على خطوات أكثر تظاهرية من أجل استرضاء قواعد اليمين، وهذا ما قد يوفر المزيد من الوقود لاشتعال الأرض.
ومما يزيد الأمور تعقيداً أن هناك احتمالا كبيرا أن تقدم التنظيمات الإرهابية اليهودية على تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة ضد الفلسطينيين ومقدساتهم.
فلم يتورع قادة في حزب «الليكود» الحاكم عن التحريض المباشر على المس بالمسجد الأقصى، كما فعل النائب عن حزب الليكود في البرلمان الحاخام يهودا غليك، الذي تعهد بعدم السماح ببقاء المسجد الأقصى ومسجد القبة المشرفة.
من هنا، فإن أي جريمة يمكن أن تقدم عليها التنظيمات الإرهابية اليهودية، ستمثل وصفة لتحقق كل سيناريوهات الرعب التي حذرت منها المؤسسة الأمنية الصهيونية بعد اندلاع انتفاضة القدس.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
معروف: الاحتلال يضرب كل المطالبات الدولية عرض الحائط ويصعّد العدوان
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف، يوم الجمعة، إنّ الجيش يصعّد من عدوانه في مختلف محافظات قطاع غزة ضاربًا...
صحة غزة: حصيلة العدوان ترتفع إلى 34943 شهيدًا
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم الجمعة، إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 6 مجازر جديدة ضد العائلات في قطاع...
بأغلبية 143 دولة.. الأمم المتحدة تتبنى قرارا يدعم طلب العضوية الكاملة لفلسطين
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الاستثنائية العاشرة، اليوم الجمعة، لصالح مشروع قرار يدعم طلب فلسطين...
حماس: الهجوم على رفح لن يكون نزهة وغزة ستكون دوماً مقبرة للغزاة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس اليوم الجمعة: إنّ الحركة – وفاء لشعبنا – تعاملت بكل مسؤولية وإيجابية مع جهود...
بعد محاولته الانتحار.. القسام يعلن إنقاذ أحد أسرى العدو
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، اليوم الجمعة، عن محاولة أحد أسرى الاحتلال المحتجزين...
تحقيق صحفي يكشف انتهاكات صارخة ضد أسرى غزة
واشنطن – المركز الفلسطيني للإعلام كشف تحقيق أجرته شبكة "سي إن إن" الأميركية عن جوانب من الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد أسرى قطاع غزة...
الأورومتوسطي: الجيش الإسرائيلي قتل 12 مدنيًّا من عائلة واحدة في غزة خلال نزوحهم
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن تحقيقات أجراها على مدار الأشهر الماضية أظهرت مقتل 12 مدنيًّا وإصابة ثلاثة...