مخبز الفاتح.. حين تتحول مراكز التأهيل بغزة إلى ساحة إنتاج

كخلية نحل يجوب عشرة عمال مخبز الفاتح الذي افتتحه مركز الإصلاح والتأهيل بدير البلح بعد أن تخلصوا من روتين الحياة اليومي خلف الأبواب الموصدة.

وكانت وزارة الداخلية افتتحت قبل أيام في سجن دير البلح مخبزًا يوفر قرابة 5000 رغيف تغطي احتياجات السجن ومؤسسات ومقار وزار الداخلية كمرحلة أولى قبل الانتقال للسوق المحلي.

وترك 10 نزلاء، منذ عدة أيام، حجرات السجن والتحقوا، بناءً على حسن سيرهم وسلوكهم وخبرة بعضهم، للعمل في أول مخبز لنزلاء سجن بغزة في مشروعٍ هو الأول من نوعه.
 
ويمول المشروع لجنة الأعمال الخيرية التابعة لجمعية الإصلاح في مملكة البحرين بتبرع من حجاج بيت الله الحرام، حملة الفاتح لسنة 1435 هجرية، وتنفذه جمعية “إدماج”.

مخبز السجن
 
تحت سقيفة الصفيح حديثة الصنع في الجهة الشرقية من سجن دير البلح، بدأ مخبز الفاتح بالعمل وإنتاج الخبز بعد أن نجحت مؤسسة “إدماج” في توفير الآلات والخبرة.

ويؤكد سامح حمدان مدير مؤسسة “إدماج”، الجمعية المختصة برعاية السجناء، أن أهمية المخبز تكمن في كونه يطبق مفهوم المواثيق الدولية لتشغيل النزلاء ويعلمهم مهنة داخل مقر الاحتجاز.

ويضيف خلال تجواله في باحة المخبز، لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “طاقة المخبز الآن إنتاج 5000 رغيف في الساعة، ستوفر الخبز لمقار وزارة الداخلية والأمن الوطني، وسيكون التسويق في الوزارة، ثم سنخرج للمجتمع المحلي”.

ويبلغ العدد الإجمالي المخصص للعمل في المخبز، 24 نزيلاً يحصلون بعد كل مناوبة عمل على مردود مالي يعود جزء منه لهم، وجزء آخر لأسرهم خارج السجن.
 
ويتجول السيد أشرف عيد، المشرف على العاملين في المخبز، بين آلات المخبز متفقدًا انتظام العمل قبيل انتهاء الفترة الصباحية واستبدال العاملين بمجموعة أخرى.

ويقول عيد لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “يكون لدي في كل نوبة عمل، 10 عمال موزعين على آلات الطحين والعجين والقطاعة وسلال التخمير والرق، وصولاً إلى تعبئة الخبز وهو خارج من الفرن في أكياس”.

أما شادي ياسين، مدير مركز الإصلاح والتأهيل في دير البلح، فيقول إن مخبز الفاتح هو أحد المشاريع الاقتصادية التي وفرها مركزه لنزلاء السجن للاستفادة من وقت وطاقة النزلاء، وتوفير بعض المال لأسرهم.
 
ويشير إلى أن سجن دير البلح افتتح قبل عدة شهور مصنعًا للخياطة، ومن قبله مركزًا للحرف والأعمال اليدوية وحديثًا مخبزا، والذي لن يكون آخر المشاريع، كما يقول.

وتتناوب مجموعتا عمل في المخبز طوال 18 ساعة، ينتجون حاليًّا 4-5 آلاف رغيف من الخبز الصغير توزع على مراكز وزارة الداخلية والأمن الوطني.

عمال المخبز
 
يلتقط النزيل عبد الله، قطع العجين الوارد من آلة التقطيع بيدين خبيرتين، ويعدله لينتظم في سطر طويل تمهيدًا لإدخاله فرن الخبز المجاور له.
 
يقول عبد الله، الذي يمضي حكمًا في جناية، مدته سنة ونصف تبقى له منها شهر ونصف، إنه يعمل على آلة رق العجين طوال 8 ساعات، مضيفًا لمراسلنا: “لدي زوجة و3 أطفال الآن، أستطيع إعالتهم، فأجواء العمل هنا طيبة، وحياتي كنزيل كلها اختفت، فصرت أنتج وأوفر مالاً بدل البقاء طول اليوم في الحجرة”.
 
ويحتل النزيل محمد اللوح مكانةً خاصة بين النزلاء، فهو مكلف بالانتباه لانتظام العمل في كافة الآلات بدءًا من العجانة والقطاعة وصولاً إلى مرحلة تعبئة الخبز في أكياس.

ويقول اللوح إن مهمات العمل الموكلة له كثيرة، فهو مرتبط بمتابعة انتظام العمل في كافة أقسام المخبز، نظرًا لما يتمتع به من دقة ملاحظة.

ويضيف: “الشغل كثير لكنه أفضل من الاحتجاز في الحجرات، وأنا هكذا أوفر مالاً وأطمئن على أولادي في الخارج، وأشعر براحة نفسية أيضًا”.

أما زميله النزيل زياد القرا الذي تكمن مهمته في تعبئة الخبز في أكياس بلاستيكية، فيؤكد أن العمل أفضل من البقاء مع النزلاء في حجرة واحدة طيلة النهار والليل.
 
ويتابع لمراسلنا: “الشفت كله هنا متفاهمون، وأتمنى أعمل ساعات إضافية حتى أمضي وقتا أطول وأوفر مالاً أكثر، فقد تبقى على انتهاء حكمي شهران من أصل 5 شهور”.
 
ويرى المسئولون عن مراكز الإصلاح والتأهيل أن المشاريع الإنتاجية الخاصة بالنزلاء تهذب من سلوكهم، وتستفيد من وقتهم الضائع في حجرات الاحتجاز لتوفير جزء من المال يعيلون به أسرهم التي تركوها دون معيل في الخارج.