عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

شكري الخواجا.. القائد المعزول

شكري الخواجا.. القائد المعزول

بين ربوع وتلال بلدة نعلين شمال رام الله، وُلد الأسير شكري محمود الخواجا في (29-8-1969) وترعرع فيها ودرس في مدارسها؛ حيث كان يتميز بالفطنة والذكاء، وكان ومنذ طفولته مُجدًّا ويحب شعبه ووطنه، حتى إنه كان يؤلف المجموعات الطلابية في مدرسته الأساسية ليتظاهروا في المناسبات الوطنية داخل ساحات مدرسته، وعندما انطلقت الانتفاضة المباركة عام 1987م كان الخواجا أحد فرسانها وسواعدها الضاربة.

يوم اختطاف حماس للجندي الصهيوني ( ناسيم توليدانو) عام 1992م داهمت قوات الاحتلال الصهيوني في ليلة من ليالي شهر كانون أول (يناير) الباردة منزل الخواجا وقامت باعتقاله، وكان هذا الاعتقال هو الأول؛ حيث تعرض للتعذيب والتحقيق الشرس واستمر هذا الاعتقال ثلاث سنوات، وأفرج عنه يوم (11-1-1996)، وبعد الإفراج عنه استطاع الزواج على عجل خشية من اعتقاله من جديد، إلا أن سلطات الاحتلال لم تمهله طويلاً وأعادت اعتقاله يوم (11-6-1996م)، لتبدأ مرحلة جديدة شاقة وصعبة في حياة الخواجا. 

صنوف من العذاب
في هذا الاعتقال تعرض الخواجا إلى صنوف من العذاب؛ حيث خضع للتحقيق العسكري في “مركزي” المسكوبية والجلمة استمر نحو أربعة أشهر، ذاق خلالها ألوانًا من العذاب (الشبح والركل والمنع من الطعام وسكب الماء الحار عليه ثم الماء البارد، وتهديده بالقتل والإبعاد وعزله عن المعتقلين لفترات طويلة، وبعد انتهاء فترة التحقيق المذكورة قدمه الاحتلال إلى المحكمة العسكرية لتحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 9 سنوات بتهمة القيام بأعمال ونشاطات عسكرية تابعة لحماس ضد الاحتلال، وبعد انتهاء مدة محكوميته تم تحويله للاعتقال الإداري لمدة 6 أشهر، فيما أفرج عنه يوم (13-10-2006).

كان الخواجا يفقد بصره جراء التعذيب والضرب على الرأس، وقد فقد جزءًا منه في عينه اليمنى التي استعاد بعض النظر إليها بعد إجراء عملية جراحية فيها، وهو يعاني من آلام في العظام والظهر والرقبة، وخلال رحلة الاعتقال وفترات الإفراج المتقطعة، رُزق الأسير الخواجا بالبنات والبنين؛ حيث أصبح أبًا لأربعة أبناء: ساجدة (18 عامًا)، وسجى (16 عامًا)، ومحمد (5 أعوام)، وعمرو (عامان ونصف). 

وفي السابع من حزيران (يونيو) عام 2014م أعيد اعتقاله من جديد، وحول إلى تحقيق المسكوبية، وخرج من التحقيق لينقل إلى معتقل عوفر العسكري، وبعد فترة انتظار أعيد سحبه للتحقيق في الجلمة، وخرج من التحقيق ليحول إلى العزل الانفرادي يوم (17-12-2014) ولا زال.

آلام الغياب
تقول أم محمد (زوجة الأسير الخواجا): “عشنا خلال فترات اعتقاله رحلة من العذابات الطويلة.. تجرعنا خلالها الألم والحزن، فغياب أبو محمد المتواصل ترك الكثير من الفراغ، وخاصة في المناسبات وأيام رمضان والأعياد، وبداية الفصل الدراسي”، لافتة إلى أن مولودته الأولى (ساجدة) لم يحظ برؤيتها عند ولادتها، فأقبلت على الدنيا وهو داخل السجن.

وتضيف أم محمد، في حديث خاص لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “لقد ابتعد أبو محمد عن حياتنا كثيرًا، فخلال فترات الاعتقال كنا ممنوعين من زيارته أمنيًّا، وأحيانًا كان يصدر لنا تصريح أمني كل ستة أشهر مرة، وعند وصولنا إلى باب السجن يقوم السجان بتمزيق التصريح ويقول لنا: “شكري ممنوع من الزيارة”!، فنعود خائبين أنا وبناته وأبنائه ويمكث البنات والأطفال فترة طويلة من الحزن”.

وتابعت أم محمد: “اليوم نفقد أبو محمد فعلاً!، فهو في العزل، فلا تليفونات ولا مكالمات ولا زيارات ولا أخبار من رفاقه الأسرى، فهو مُغيب في عالم ونحن في عالم آخر؛ حيث الانقطاع التام، فنحن في قلق على حياته وصحته المتدهورة، ولا يصلنا من أخباره إلا الفتات عبر بعض المحامين الذين تمكنوا من زيارته، فاليوم مر على مكوثه في العزل نحو 500 يوم، ولقد زاد قلقنا عليه عندما وصل خبر إضرابه المفتوح عن الطعام احتجاجًا على عزله، لكننا على يقين أن أبو محمد أسطورة في الصبر والثبات، فهو رجل مؤمن صاحب قضية يدافع عنها ونحترم ذلك وندعو الله ليل نهار بالإفراج عنه”.

قائد متميز
الأسير شكري الخواجا قائد استثنائي في حركة حماس وأحد أبرز قادة الحركة الأسيرة، يعمل بصمت وهدوء.. سيرته بين الأسرى مفعمة بالحب والراحة، أينما حل كان له حضور بل حضور مميز بالنشاط والعطاء والحكمة والتوازن.

النائب الدكتور نزار رمضان، عاش مع الأسير شكري الخواجا في معتقلي عوفر والنقب عدة أشهر؛ حيث يؤكد في حديث خاص لمراسلنا قائلاً: “التقيت الأسير الخواجا أول مرة في قسم ج4 في سجن النقب عام 2005م، وكان مثالاً للقائد الجريء، مثابرًا في عمله النضالي داخل السجن، كان مشهورًا بمحاضراته المتخصصة التي يحذر فيها الشباب الأسرى من الوقوف في شرك الاحتلال، فكان مرجعًا في ذلك”.

ويضيف النائب رمضان: “التقيت الخواجا مرة ثانية في معتقل عوفر عام 2014م وعشنا أيامًا مميزة كشفت خفايا هذا القائد المميز بصمته وهدوئه وتفانيه.. كان يكتب ويقرأ ويعلم ويوجه.. لم يكن الخواجا إنسانًا عاديًّا، بل كان قائدًا استثنائيًّا، مقبولاً للجميع حتى للفصائل الأخرى”.

معركة جديدة
ويتابع النائب رمضان: “قرأت في صورة هذا القائد البطولة والرجولة عندما التقيته في معبار الرملة بينما كان خارجًا لتوه من التحقيق .. تحقيق الجلمة، وقفت أمام رجل ولا كل الرجال، وكأنه كان في نزهة.. رجل لا يشكو الألم والعذاب رغم أنه كان في الاعتقال الانفرادي خارجا من التحقيق المتواصل، وقفت أمامه صغيرًا! وقد رسم على محياه معالم خريطة من الصبر والثبات والرجولة.

تلكم هي مسيرة هذا القائد الذي صمم أن يفك قيد عزله بأمعائه الخاوية، فاليوم بدأ الخواجا إضرابًا عن الطعام، ومن يعرف الخواجا عن قرب؛ يوقن أنه سيخرج من معركته منتصرًا.. فهو جنرال في الثبات والصبر والبطولة. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات