خربة طانا.. إرادة الحياة تتغلب على قسوة الظروف

بالرغم من قسوة الحياة في خربة طانا، الواقعة ضمن أراضي بلدة بيت فوريك شرق مدينة نابلس والمتاخمة لمناطق الغور، إلا أن بسمات كبار السن ونسوة الخربة، تقابلك باعتزاز بعد الصمود على الأرض، رغم ما حل بهم من دمار وملاحقة في الأسابيع الأخيرة.

ما إن تحط بك الرحال في تخوم الخربة، حتى تظهر عشرات الخيام والبيوت من الزينكو، منتشرة على مساحات واسعة تقدر بآلاف الدونمات يقطنها عشرات المزارعين ورعاة المواشي، الذين استقر بهم الحال منذ عقود في تلك المنطقة، غير آبهين بالسكن في المدن الراقية والمساكن الفخمة.

أعمال هدم

أمتار قليلة تسير في الخربة حتى تشاهد ركام من الصفيح والباطون، ليكون الحديث من عضو المجلس القروي محمد عواد لـ“المركز الفلسطيني للإعلام” إنها بقايا مدرسة الخربة الوحيدة، والتي تضم أبناء القاطنين في الخربة من كلا الجنسين وتضم مدرسين فقط، وتم هدمها منتصف الشهر الفائت.

يقول عواد: “لا ندري ما الخطر الذي شكلته تلك المدرسة على جيش الاحتلال الذي هدمها بالجرافات في ساعات الفجر الأولى وقبل وصول التلاميذ”.

يقابل المدرسة المهدمة مسجد من الحجر القديم، ما زال جاثما في وسط الخربة غير آبه بتهديدات الاحتلال، وتعلو من مأذنته المتواضعة أصوات الأذان في أغلب الأوقات، ويؤم المسجد المتواجدين بالقرب منه.

في سفح جبل وبجانب عين المياه الكبيرة، يعيش المسن رضوان خطاطبة (أبو سليمان) 80 عاما، والمعروف عنه بميلاده في الخربة وعدم مغادرتها، إلا لقضاء بعض الحاجات الضرورية لساعات قليلة. ويفخر بأنه أنجب بناته السبعة وأبنائه الخمسة في تلك الخربة، كما يفخر أن لديه 50 حفيدا وحفيدة لا يشعر بالراحة إلا عندما يشاهدهم حوله بالخربة.

يقول نجله عبد الله خطاطبة لمراسلنا “والدي لم يعمل قط في حياته عاملا أو أجيرا عند أحد، فكل حياته يعمل في الأرض ورعاية الماشية، ويعتاش على منتجات الماشية والمزروعات الحقلية، ويحافظ على حياته من خيرات الأرض”.

صمود متواصل

المواطنة فاطمة حنني، رفضت تصويرها، لكنها استقبلتنا في خيمة متواضعة من معرش بلاستيكي، وكانت مشغولة بإعداد الجبنة البيضاء، تمهيدا لإرسالها لبلدتها بيت فوريك بغرض تسويقها، باعتبارها مصدر أساسي للأسرة. تقول وأحد أبنائها الصغار نائم في زاوية من الخيمة، نعيش على هذه الحالة بالصيف والشتاء، وتم تقديم عدسات للكهرباء الشمسية لتوفير الطاقة والضوء خلال ساعات الليل.

تقول حنني لـ“المركز الفلسطيني للإعلام”: “تبرعت لنا عدة مؤسسات محلية ودولية بخيام وعدسات للكهرباء الشمسية، التي تعد ممنوعة بنظر الاحتلال، كما تم الاستفادة من مشروع لزراعة البقوليات والأعشاب المفيدة للمواشي”.

جارتها أم سلمان في العقد السابع من العمر، أشارت إلى بيت مجاور للكهف الذي تقطنه إلى ركام مجاور “كان لنا هنا بيت مكون من أربع غرف، هدمه اليهود قبل 6 سنوات، ونحن منذ ذلك الوقت نعيش  كما ترانا”.

ويبدي أهالي الخربة ارتياحهم من الفعاليات التي تنظم لتثبيتهم على أرضهم، حيث يقول عبد الله الصيفي وهو ناشط شبابي في إحدى صفحات شبكات التواصل الاجتماعي الناشطة، إن الأسبوع الأخير شهد تنظيم يوم طبي، وتوزيع أشتال، والبدء بمشروع استصلاح للأراضي وشق طرق، وتكريم نساء الخربة من قبل نقابات عمال فلسطين.

ومع غروب الشمس تغادر كافة الطواقم الإعلامية والمجتمعية الخربة، ليحل الظلام وتبدأ فصول ليالي لا يعرفها إلا سكانها الجاثمين، رغم قسوة المحتل وظروف الحياة الخشنة، لكنهم ينتظرون يوميا بزوغ شمس نهار جديد، يحمل في طياته جهدا مضنيا للبقاء.