الخميس 30/مايو/2024

الجرافيتي.. مقاومة بالفن

الجرافيتي.. مقاومة بالفن

دشّنت انتفاضات الشعب الفلسطيني وهبّاته المتعاقبة في وجه الاحتلال الصهيوني منذ عقود خلت، حركة ثقافية جديدة تعكس مزاج الشارع “الثوري”.

وتأخذ المقاومة الثقافية في فلسطين أهمية متزايدة وأشكالاً أكثر إبداعية ورمزية، بسبب الظلم والقمع الذي يمارسه الاحتلال دون توقف، في رسالة تحدٍ لواقع فرضته قوته المفرطة ضد شعب يواصل نضاله بشتى الطرق من أجل التحرّر.

المارّ في شوارع وأزقة القدس ورام الله والخليل وبيت لحم ونابلس وغيرها، تلفت انتباهه شعارات ورسومات جرافيتي تتّخذ أشكالاً مختلفة على جدران تلك الطرق، لتعبّر بطريقة فنية عن رسائل تتناول الوضع السياسي والأمني وأحياناً الاجتماعي والبيئي الذي يعايشه أهالي تلك البقعة من العالم.

تحت جنح الظلام

يقول أحدهما للآخر “هيّا بسرعة، فلنقم بإلصاقها سريعاً على الحائط ورشّها مرّة واحدة، لنتمكّن من العودة باكراً قبل أن يرانا أحد”.

هكذا، وبعد منتصف ليل كل يوم، تبدأ رحلة شابين فلسطينيين في مدينة القدس، يقولان إن “أنبوبة رش الألوان” هي وسيلتهما في مقاومة المحتل، يستخدمانها في كتابة عبارات وخط شعارات ورسومات جرافيتية يميّزها طابعها الثوري، يكرّمان من خلالها أبطالهم الشهداء ويسخران من المحتل.

“لا شيء آخر باستطاعتنا فعله، نفرّغ ما بداخلنا على هيئة كتابات ورسومات يلاحظها المارة وتعشّش في نفوسهم وأذهانهم”، يقولان لـ “قدس برس”.

الجرافيتي فنٌ هادف، يسعى الفنان من خلاله إلى إيصال رسالة قد تكون متعلّقة بقضايا اجتماعية أو سياسية، أو أزمة معيّنة داخل البلاد، وتعدّ فلسطين أوّل دولة عربية ظهر فيها هذا النوع من الفنون مع اندلاع “انتفاضة الحجارة”؛ فكان أحد أساليب المُقاومة التي جرّمها الاحتلال وفرض على كل من يمارسه عقوبة السجن.

واستطاع هذا الفن أن يبثّ روح المقاومة والتحدّي والصمود في نفوس الفلسطينيين، والوقوف في وجه الاحتلال من خلال عبارات ورسومات قد تكون بسيطة، إلّا أن لها وقع على النفس فتُشعل فيها الهمم وترفع المعنويّات عالياً، بحسب ما يقوله من يصفون أنفسهم بـ “فناني الشارع”.

وكان عام 2000 وهو العام الذي قرّرت فيها سلطات الاحتلال أن تعزل الضفة الغربية عن القدس والأراضي المحتلة عام 1948، هو العام الذي تجلّى فيه فن الجرافيتي بشكل كبير، حيث وجد الفنانون الفلسطينيون والعالميون في جدار الفصل العنصري مساحة واسعة للتعبير عن رفضهم للجدار ذاته وللاحتلال.

سنوات على درب الجرافيتي

يقول الفنان الفلسطيني حمزة أبو عياش، إنّه بدأ بممارسة الرسم الجرافيتي منذ عام 2002، وأنجز العديد من الجداريّات في جميع مدن الضفة الغربية المحتلة.

ويضيف في حديثه لـ “قدس برس”، “هذه الجداريّات كانت تلمس الناس بشكل كبير وتؤثّر فيهم، وكانت تمنحني شعوراً إيجابياً لدى رؤية المتأملين لرسوماتي وسماع تعليقاتهم الداعية إلى المضي قدماً في هذه المسيرة”.

ويشير إلى ضرورة توافق الفن مع “خط الشعب”، مضيفاً “بوصلة الفلسطينيين واحدة ولن تحيد أبداً، وهي موجهة صوب التحرير والجميع متفق ضد العدو”، لذلك يعتبر أبو عيّاش أن فنّه يتناسب وخط الشارع الفلسطيني.

ويلفت إلى أن الفن الجرافيتي يعمل على دعم المسيرة النضالية ضد المحتل، والجماهير تقدّرها بشكل كبير، لما لها من تأثير على دفع الروح المعنوية للأمام.

“ما بتفرق”

يقول أبو عياش إن الاحتلال كان يحكم على الشاب الذي يحمل علبة ألوان “الرذاذ” خلال الانتفاضة الأولى بالسجن لمدة 6 شهور، و”هذا إن دلّ على شيء فهو يدل على استفزازهم من هذا العمل رغم بساطته، ففي الحقيقة إن رأيت جملة معيّنة بشكل يومي أمام بيتك أو في المكان الذي تعوّدت الشراء منه، فإنها ستترك في نفسك أمراً ستظلّ تفكّر به ولن تنساه البتّة”، وفق رأيه.

ويؤكد أن الحواجز التي عمل الاحتلال الصهيوني طوال العقود الماضية على زرعها بينه وبين الشبّان الفلسطينيين، بقصد إرهابهم “لم تعد تعنيهم ولا تخيفهم”.

ويضيف “اليوم ترى الشاب يقف وجهاً لوجه أمام المحتل ولا يوجد شيء يخسره، يسأل نفسه عمّا إذا كان سيتم اعتقاله ويرّد بسؤال آخر (ما هو الفرق؟)؛ فأبي وأخي وابن عمي وصديقي جميعهم في المعتقل .. فلم الخوف؟!”.

من الناحية القانونية، يوضح المحامي حسام عابد لـ “قدس برس”، أن القانون الصهيوني ينص على أن عقوبة من توجّه إليه تهمة خط شعارات على جدران ممتلكات عامة، تتمثّل بالسجن لثلاثة أشهر، مستدركاً “لكن إذا كان الحديث يدور حول كتابات وطنيّة فسيتم إرفاقها بتُهم أخرى ملفقة”.

ويضيف “الاحتلال لا يكتفي بتهمة خط الشعارات للشبّان الفلسطينيين وحسب، حيث يقوم بتلفيق تهمة للشاب كالانتماء إلى تنظيم معين أو الاتصال بجسم معادي، أو غير ذلك من التهم، فطيلة سنوات عملي، لم يتم محاكمة شاب على أساس خط شعارات على الجدران فقط”.

ورغم كل ذلك، لم تتمكّن وحشية الاحتلال الصهيوني من تكبيل المقاومة الثقافية التي أخذ الحراك الشبابي الفلسطيني على عاتقه مهمة تطويرها، حيث ضاق هؤلاء وعموم شعبهم بالاحتلال ذرعاً، وأصبحت المقاومة الثقافية الفلسطينية المولودة من رحم ثورات الشعب وانتفاضاته، إحدى وسائلهم للتعبير عن مناهضة سياسات الاحتلال العنصرية والاستبدادية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

سلوفينيا تعترف بدولــة فلســـطين

سلوفينيا تعترف بدولــة فلســـطين

سلوفينيا – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن رئيس وزراء سلوفينيا روبرت جولوب، الخميس، اعتراف بلاده بدولة فلسطين، وهي الدولة الرابعة التي تتخذ خطوة كهذا...