الجمعة 31/مايو/2024

الشهيد أحمد الزهّار.. المحامي المقاوم

الشهيد أحمد الزهّار.. المحامي المقاوم

ما أن وصل فوهة النفق حتى خلع ثوب المحاماة وحل ربطة عنقه وارتدى ملابس العمل مصافحاً العاملين في نوبة الصباح، ثم بدأ في مهمة ألفها منذ أسابيع طويلة تمتد عادةً من بعد الظهر حتى التاسعة مساءً.. إنه الشهيد أحمد حيدر الزهار.
 
تندر أحد العاملين في الحفر مخاطبا الشهيد الزهار: “هل لو استشهدنا سينظموا لنا جنازة مثل جنازة الشهداء السبعة من كتيبة القسام في التفاح والدرج؟! أجمل شيء يا أحمد أن نستشهد ونكون عند الحور العين” .
 
رد الشهيد الزهار عاجزاً عن الوقوف مستوياً في النفق بالقول: “أحلى شيء مش الحور العين .. أحلى شيء أن ترى وجه ربك الكريم”.
 
انقطع الحديث بينهما عندما وانهارت الرمال فوق الشهيد ” الزهار ” فكان آخر ما ردده على مسمع مقاوم آخر نجا وفصلته عن خروجه من النفق ثوان معدودة عبارة “الزهار” في أذنيه “أحلى شيء أن ترى وجه ربك الكريم” .
وكان الشهيد “أحمد حيدر الزهار” 23 سنة استشهد برفقة القائد الميداني في كتائب القسام “فؤاد أبو عطيوي”  38 سنة يوم الثلاثاء الماضي في انهيار نفق للمقاومة بمخيم النصيرات وسط القطاع .
 
المحامي المقاوم

قبل أسبوع من استشهاده وصل فوهة النفق ببدلته الرسمية وربطة عنق جديدة وكعادته بدل ملابسه وانتظم في الحفر وعندما همّ بالمغادرة عاد وارتدى بدلته متأبطاً ثوب المحاماة .
 
بعفوية حمله أصدقاؤه الذين فرغوا للتو من نوبة الحفر على أكتافهم وزفوه بالأغاني الشعبية محرضينه على الزواج في أسرع وقت ممكن.
 
يقول “محمد ” شقيق الشهيد “أحمد” إنه أصغر أشقائه الأربعة وأن وجوده في البيت يعني وجود البسمة والجو المرح الذي يلازمه أينما تواجد.
 
أنهي “الزهار” مؤخراً دراسة الحقوق وانتظم قبل أربعة شهور في مكتب أحد المحامين للحصول على شهادة مزاولة المهنة وهو يمضي الفترة الصباحية يومياً في مكتب المحاماة والفترة المسائية في حفر الأنفاق.
 
ويضيف “محمد” لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام:“لم تفته صلاة الفجر في آخر 5 سنوات عدة مرات .. يوقظني ولما ينتابني الكسل يقول لي لو أنهم في مهنتك طلبوك مستعجلاً لن تتأخر فلم تتأخر أحياناً عن الفجر؟! “.

يلازم “أحمد” والدته إذا مرضت ويشرع عادة في قراءة الرقية الشرعية فوق رأسها لا يفصله عن ملازمتها سوى مهماته المقاومة التي تمتد عادة حتى الساعة العاشرة مساءً وفي يوم الجمعة يكون له نصيب من ليلة محمد في أحد مواقع المقاومة.
 
ورغم أن شقيقه “خضر” يكبره بأربع سنوات إلا أنه يعتبره صديقه الذي يفضل التنزه معه واستقباله دوماً في بيته الذي كانت آخر زيارة له يوم الجمعة الماضي حين جاء دون موعد مسبق برفقة أبيه وشقيقه الأكبر محمد .
 
يعدل من جلسته قبل أن يضيف لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: دائماً نخرج سوياً ونلتقط الصور معاً، كلنا نحبه وأمي تحبه كثيراً وقد كانت تترقب استشهاده وتشعر أن استشهاده قريب” .
 

الجندي المجهول

انتمى “الزهار” قبل عدة سنوات لكتائب القسام وعمل في وحدة “الدروع” ثم انتقل لفرقة “النخبة” ثم انتقل إلى وحدة ” الأنفاق” بعد أن استشار والده وشقيقه الأكبر محمد اللذين لم يمانعانه في طلبه.
 
تتقلص قسمات وجه “محمد” وهو يروي لحظة استقبال نبأ انهيار النفق حيث بدأ الأمر باتصالات على هاتفه النقّال تسأل عن مكان وجود “أحمد” وانتهى بزيارة وفد من قيادة حركة حماس لمنزله.
 
عن ذلك يتابع:” لما جاءنا وفد حماس قالوا إصابته خطيرة فذهبنا للمستشفى وهناك رأيت كل أصدقائه فلم يجيبوا عن أسئلتي وبعدها أخبرني آخرون أنه استشهد فذهبت وودعته في ثلاجة الموتى ورغم ذلك لم أبك وطلبت منهم عدم البكاء لأنه شهيد إن شاء الله” .
 
في نفس ساعة انهيار النفق كان “خضر” يشعر بالقلق دون مبرر واضح وعندما تسلل نبأ انهيار أحد أنفاق المقاومة في المنطقة لمسمعه؛ رجح أن يكون “أحمد” في النفق فأجرى اتصالات مع أسرته دون أن يجيبه أحد إجابة واضحة.
 
وكانت والدة الشهيد “الزهار” قد اتصلت بابنيها “محمد وخضر” عندما سمعت بنبأ انهيار نفق المقاومة وأخبرتهم أنها متأكدة أن ابنها قد استشهد وأنها متأكدة من استشهاده.
 
وتمكن رجال القسام بعد انهيار النفق من انتشال أحد المصابين وبعده بساعات وصلوا لجثمان الشهيد “أحمد الزهار” فيما تواصل العمل للعثور على جثمان الشهيد القائد “فؤاد أبو عطيوي” حتى ساعات الفجر الأولى.
 
وودعت كتيبة القسام في مخيم النصيرات يوم الأربعاء الماضي في موكب مهيب جثماني شهيدين من شهداء قرية المغراقة عملا بصمت وحافظا على سريّة العمل في أصعب الظروف التي مرت بقطاع غزة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات