السبت 10/مايو/2025

حماس وتجربة الحكم.. كيف فشلت مخططات الإفشال؟!

حماس وتجربة الحكم.. كيف فشلت مخططات الإفشال؟!

لعل المحطة الأبرز في تاريخ حركة حماس بعد انطلاقتها، هو تاريخ فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006م، لتخوض بذلك تجربة الحكم بعد سنوات من العمل الجهادي المقاوم.

قبل عشر سنوات، وتحديداً يوم الخامس والعشرين من يناير عاشت الأراضي الفلسطينية عرساً ديموقراطياً تُوّج بفوز حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بالأغلبية التي أهلتها لتشكيل الحكومة الفلسطينية.

لكن لم يُرد لخيار الشعب أن يأخذ طريقه إلى النفاذ، فمنذ فوزها واجهت حماس سلسلة طويلة من المخططات والسيناريوهات الهادفة إلى إفشال تجربتها في الحكم وثنيها عن رسم نموذجها الفريد الذي يجمع في رؤيته بين الحكم والمقاومة.

مخططات داخلية وخارجية وضغوطات ثبت فشلها مع الأيام، رغم أن آثارها لا تزال حتى يومنا متمثلة في الحصار المفروض على قطاع غزة ومسلسل المحاربة التي تتعرض لها الحركة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

البداية حيث البداية

بدأ مخطط إفشال تجربة حماس فور فوزها في الانتخابات بنتائج لم تتوقعها حركة فتح، لتتعالى الأصوات داخل فتح داعية إلى رفض نتائج الانتخابات، أو أي شراكة سياسية مع حماس، لتضطر حماس إلى تشكيل الحكومة العاشرة منفردة رغم سعيها إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.

تشكلت الحكومة الفلسطينية العاشرة برئاسة إسماعيل هنية، لتجابه بمحاولات لنزع الصلاحيات وإفراغ دور الحكومة من مضمونه، وإشاعة الفوضى والفلتان وصل إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء نهاية عام 2006م.

وتبعه استحداث رئيس السلطة محمود عباس منصب مدير الأمن الداخلي، ونزع صلاحيات وزير الداخلية سعيد صيام في الأجهزة الأمنية، قبيل الدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة وإقالة الحكومة، الأمر الذي عدّته الحركة مخططاً لإشعال الاقتتال الداخلي.

خطة “أبرامز” والاقتتال الداخلي

كان كل ذلك واجهة لما كان يُجهز من وراء الستار لإسقاط حماس بالاقتتال الداخلي، عبر خطة “إليوث أبرامز”-نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي- وتضمنت تسليح عناصر فتح ليواجهوا حماس في الشوارع، بمساعدة الأجهزة الأمنية.

وأسمت وزيرة الخارجية الأمريكية في حينه كونداليزا رايس، تلك الأحداث بالفوضى الخلاقة، وطالبت الدول بتحويل الدعم المالي للسلطة بعيداً عن أيدي “حماس”.

وتزامناً مع الخطة طالبت فتح موظفيها بالاستنكاف عن العمل، ومنع البنوك من التعامل مع حماس، مع بدء عناصرها بفلتان أمني مسلح في الطرقات، لتشيع حالة الفوضى والفلتان في القطاع.

وبموازاة ذلك، جوبهت الحكومة برفض دولي؛ إذ طالبت اللجنة الرباعية حماس بنبذ المقاومة وإلقاء السلاح والاعتراف بالكيان “الإسرائيلي”، فجاء الرد مباشراً حين قال رئيس الحكومة إسماعيل هنية في مهرجان جماهيري: “لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بإسرائيل”.

وسارت حماس في إطار رؤيتها التي تجمع بين البناء والمقاومة، فأسر جنود القسام خلال عملية الوهم المتبدد الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ليعلن الاحتلال فرض حصار سياسي واقتصادي على حركة حماس بإغلاق المعابر وتجفيف المنابع، ومنع وزرائها من ممارسة عملهم في الضفة، واعتقال رئيس المجلس التشريعي وعدد من النواب والوزراء.

اتفاق مكة وخطة دايتون

ورغم أن حماس تُركت لوحدها في وجه المؤامرات، لكنها جاهدت لتحقيق مصالحة وحكومة وحدة وطنية، حتى تم التوصل إلى اتفاق مكة الذي أعلن عن ولادة حكومة وحدة، وقدم هنية استقالة حكومته لتشكل حكومة جديدة في 17-3-2007.

الرفض الأمريكي لاتفاق مكة، سرعان ما تطور إلى تحرك عملي لإحباطه بتشكيل خطة الجنرال الأمريكي “كيث دايتون” للإشراف على أجهزة السلطة وتعزيز التنسيق الأمني مع الاحتلال.

خوّل دايتون محمد دحلان بذلك بنشر عناصر الوقائي وحرس الرئاسة في طرقات غزة، الذين شرعوا في قتل أبناء حماس على اللحية، وتصفية أئمة المساجد بدم بارد.

أحداث 14 حزيران

وصل الأمر إلى مرحلة الصدام المباشر الذي دفع حماس إلى إنهاء حالة الفلتان والفوضى التي تسببت بها الأجهزة الأمنية في الرابع عشر من حزيران عام 2007م، ليفر معظم قيادات تلك الأجهزة إلى خارج قطاع غزة.

بعد الأحداث مباشرة طل عباس من مقر المقاطعة برام الله، وأعلن إقالة حكومة هنية، وتكليف سلام فياض بتشكيل حكومة طوارئ وأمر واقع في الضفة بدعم من الاحتلال وأمريكا في 15 يونيو 2007، وتعطيل المجلس التشريعي.

العدوان الثلاثي

شرعت السلطة بأذرعها في شن عدوان سياسي واقتصادي داخلي، وفي حين واصل المجتمع الدولي محاربته للحركة خارجياً، سعى الاحتلال إلى تقويض حكم الحركة بعدوان عام 2008م، وثانٍ عام 2012م، وثالث عام 2014م، ولكن أنّى للعدوان أن يفتّ في عضد حماس.

رغم الخسائر الفادحة في الإنسان والبنيان، إلا أن المسيرة استمرت وأعادت حماس بناء القدرات الحكومية والمقاومة، في وقت قصير، أظهر حالة التعافي العامة التي انعكست على أهل قطاع غزة صموداً والتفافاً نحو مشروع حركة حماس المقاوم.

اتفاقات المصالحة

وبعد فشل عدوان الاحتلال، وعدم إذعان حماس لمطالب المجتمع الدولي، وفشل السلطة في تنفيذ مخططات إفشال حماس، توالت اتفاقات المصالحة لمعالجة الانقسام عبر عديد اللقاءات والاتفاقات التي كان أبرزها الورقة المصرية عام 2011م، ومن ثم إعلان الدوحة عام 2012م، وصولاً إلى إعلان الشاطئ الذي بموجبه أعلن هنية عن تسليم حركة حماس للحكم إلى حكومة التوافق بعد مخاض عسير.

ورغم ذلك أخذت حركة فتح من الاتفاق ملف الحكومة فقط وتجاهلت باقي البنود، وتنكرت الحكومة لموظفي غزة، وتذرعت بتشكيل لجان لمناقشة قضاياهم، وأجرت تعديلات وزراية بعيداً على التوافق، في خطوة تؤكد استمرارية فتح بالتفرد بالقرارات حتى اليوم.

المجابهة

وبعد عشر سنين على فوز حركة حماس في الانتخابات تواصل السلطة الفلسطينية الضغط على حماس، فيما الاحتلال ماضٍ في حصاره للقطاع، في ظل تواصل مساعي المجتمع الدولي لإطباق الخناق على الحركة في مناطق تواجدها كافة.

وقد يكون من الصعب إحصاء المخططات الرامية لتقويض تجربة حركة حماس في الحكم والمقاومة، لكنه ليس من الصعب بالمطلق إدراك حالة الصمود والتحدي التي أفشلت بها حركة حماس المخططات كافة، متسلحة بحاضنتها الشعبية المؤمنة بقرب التحرير وزوال الاحتلال.

وقد يكل المتربصون بنهج المقاومة وحركة حماس من وضع المخططات الهادفة إلى إفشال الحركة، إلا أنهم يدركون أن حماس لن تكل من الصمود والمواجهة سعياً إلى إفشال مخططات الإفشال والمضي في المقاومة حتى انتزاع حق الشعب الفلسطيني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات