الخميس 08/مايو/2025

القضية الفلسطينية في منظور دول شرق آسيا

القضية الفلسطينية في منظور دول شرق آسيا

تعتبر دول جنوب شرق آسيا ذو الغالبية المسلمة والتعددية في الأعراق والأديان والأعراف من أشد الدول مناصرة للقضية الفلسطينية على مر السنوات، فظاهرة خروج مظاهرات حاشدة بعد أي اعتداء اسرائيلي على الشعب الفلسطيني وحرمة الأقصى متواجدة بقوة، وما عزز هذا الشعور أيضا هو احتضان جالية فلسطينية تعامل بظروف استثنائية نوعا ما.

دول جنوب شرق آسيا لها تجارب عديدة ومريرة مع الاستعمار الغربي وبعد الاستعمار عاشت كل دولة تجربة استقلال فريدة خاضت فيها غمار الحرية واكتوت بنار الفتنة حتى استطاعت تشكيل نموذجها الديمقراطي وبناء دول حديثة تحفظ كرامة المواطن وتقدم له كل سبل العيش المرفهة.

مرّ على تلك الدول أسماء لايزال التاريخ يذكرهم سطروا كل معاني الإخلاص لبلدانهم منهم “محمد مهاتير محمد” رئيس وزراء ماليزيا الذي استقال طواعية في عام 2003 و”لي كوان يو” رئيس وزراء سنغافورة الذي ترك منصب رئاسة الحكومة ومنصب أمين عام الحزب السياسي وآخرين غيرهم ممن اعتبروا تطور دول جنوب شرق آسيا هي من النزعة الجماعية المتأصلة في المجتمع الآسيوي.

ينقل “المركز الفلسطيني للإعلام” عن موقع “نون بوست” هذه المقابلة الشاملة مع  مسلم عمران” فلسطيني الجنسية، الذي يقيم في ماليزيا منذ 15 عاما ويدير المنظمة الفلسطينية في ماليزيا وإندونيسيا، وعايش الكثير من تجارب تلك الدول، ويروي ما عايشه عن تجاربها وكيف تتعامل مع القضية الفلسطينية وتتفاعل معها شعوب المنطقة؟ كيف يُعامل اللاجئ الفلسطيني هناك؟ وماهي التجارب التي ممكن للعرب الاستفادة منها في ظل ما تعيشه تلك الدول من تنوع عرقي وإثني وديني ممزوج بطعم الحرية والديمقراطية.

مسلم عمران

وفيما يلي نص اللقاء كاملا:

 الأستاذ مسلم عمران وأنت مقيم منذ قرابة ال 15عاما في ماليزيا وتتنقل بين دول جنوب شرق آسيا، كيف ترى تعاطف وانسجام شعوب هذه الدول مع القضية الفلسطينة تاريخياً؟

تعتبر دول جنوب شرق اسيا من أشد الدول مناصرة للقضية الفلسطينية. ولعل أهم أسباب مناصرة هذه الدول للقضية الفلسطينية قناعة شعوبها وقياداتها بعدالة القضية وضرورة إنهاء المعاناة الانسانية للشعب الفلسطيني، وإدراكهم للعلاقة التاريخية بين نضالهم ضد الاستعمار في الماضي ونضال الشعب الفلسطيني الحالي. كما يضاف إلى هذه الأسباب سبب آخر لدى مسلمي هذه المنطقة، الذين تزيد نسبتهم على ٤٠٪ من سكان المنطقة، وهو ايمانهم بقداسة المسجد الأقصى المبارك وبيت المقدس وأهمية الروابط الدينية بينهم وبين الشعب الفلسطيني.

وقد لا أكون مبالغا إن قلت أن تعاطف وتأييد بعض دول وشعوب المنطقة للقضية الفلسطينية يكاد يفوق قرينه في عدد من الدول العربية. فلا يكاد يقع عدوان اسرائيلي جديد إلا وتخرج الآلاف تجوب أنحاء ماليزيا واندونيسيا وغيرها من دول المنطقة تنديدا بالعدوان. ومن المشاهد المؤثرة مثلا أثناء العدوان الاسرائيلي على غزة عام ٢٠١٤ تسمية أهالي إحدى القرى الماليزية لجسر القرية ب “جسر غزة”، وقد كان ولا يزال العلم الفلسطيني مرفوعا على ذلك الجسر منذ عدوان عام ٢٠٠٨/٢٠٠٩.

ومما يذكر هنا أيضا أن وزير الرياضة الماليزي خيري جمال الدين كان في زيارة رسمية إلى المملكة المتحدة أثناء العدوان الاسرائيلي على غزة في يوليو ٢٠١٤، فغير جدول زيارته الرسمي وخرج للمشاركة في مسيرة التنديد بالعدوان الصهيوني التي اقيمت في شوارع لندن. ولم يكن موقف وزير التجارة الماليزي اسماعيل صبري ىنذاك أقل قوة، حيث أعلن عن إغلاق حسابه في بنك HSBC ونشر صورته وهو يقص بطاقة البنك للتنديد بقيام البنك بإغلاق حسابات مصرفية لبعض مناصري القضية الفلسطينية.

 ولعل أكبر الوفود المشاركة في قوافل كسر الحصار على غزة كانت من دول المنطقة، وقد ساهمت شعوب المنطقة -رغم بساطة إمكاناتها أحيانا- بعدد من مشاريع إعادة الإعمار في غزة كالمستشفى الاندونيسي والمساجد الماليزية وغيرها..

هذا التعاطف وهذه المواقف يعودان تاريخيا إلى حقبة الاستعمار، حيث وقف الفلسطينيون مبكرا إلى جانب الشعوب المستعمرة في نضالها ضد الاستعمار الأجنبي.

ساهمت شعوب المنطقة -رغم بساطة إمكاناتها أحيانا- بعدد من مشاريع إعادة الإعمار في غزة كالمستشفى الاندونيسي والمساجد الماليزية وغيرها

فكان الزعيم الفلسطيني الحاج أمين الحسيني مثلا يخطب في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي عبر  أثير إذاعة القاهرة داعيا لنصرة الشعب الاندونيسي في ثورته ضد الاستعمار الهولندي، وعند اشتداد الثورة الاندونيسية أطلق الحاج أمين حملة كبرى لجمع التبرعات للثورة الاندونيسية. وعلى الجهة الأخرى صدر الاندونيسيون عند الاستقلال دستورهم ببند يدعم حقوق شعوب العالم في تقرير المصير ويرفض الاستعمار بكل أشكاله ويدعو الحكومة الإندونيسية لدعم الشعوب المستعمرة في ثوراتها ضد المحتل.

ولا يقتصر هذا التاريخ النضالي على اندونيسيا فحسب، ففيتنام مثلا واجهت استعمارا فرنسيا طويلا وانتصرت عليه، ثم استعمارا أمريكا قاسيا ودحرته، وكانت أبواب الدولة حديثة الاستقلال مشرعة لقيادة الثورة الفلسطينية وداعمة لها -رغم ندرة الإمكانات انذاك- كما أرخ لذلك الشهيد أبو إياد صلاح خلف في “فلسطيني بلا هوية”.

أما دول المنطقة الأخرى فقد عانت من ويلات استعمار امتد في بعضها -كما الحال في ماليزيا والفلبين وغيرها- مئات السنين. هذا التاريخ النضالي المشترك جعل من هذه الدول ظهيرا مؤكدا للقضية الفلسطينية على مدى السنين.

وقد فشلت الجهود الصهيونية -رغم كثافتها- في تحقيق اختراق حقيقي في علاقة الكيان الصهيوني مع معظم دول هذه المنطقة، لسبب رئيسي هو ايمان قادة هذه الدول بعدالة القضية الفلسطينية وادراكهم لحقيقة أن مصالحهم الاستراتيجية هي مع  نصف مليار عربي ومليار ونصف مسلم وليس مع احتلال غريب سيزولل عاجلا أم آجلا للزوال.

كيف انعكست أصداء الانتفاضة الفلسطينية الثالثة على الشعب والحكومة الماليزية كونكم تعيشون في ماليزيا؟

كان من اللافت منذ اندلاع انتفاضة القدس تفاعل الشعب الماليزي بكل مكوناته مع الحدث. فعلى الرغم من تباعد المسافات وكثرة القضايا والمشاغل المحلية، لم تكد تندلع انتفاضة القدس مطلع شهر أكتوبر ٢٠١٥ حتى هبت الجماهير الماليزية نصرة للقدس والأقصى، فاحتشدت الألوف يوم ٢ أكتوبر ٢٠١٥ أمام السفارة الأمريكية في كوالالمبور فيما سمي بماليزيا ب”يوم الغضب” للمشاركة في الاحتجاج على الاعتداءات الصهيونية على الأقصى وللتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني المنتفض.

لم تكد تندلع انتفاضة القدس مطلع شهر أكتوبر ٢٠١٥ حتى هبت الجماهير الماليزية نصرة للقدس والأقصى

وكان لافتا في هذه المظاهرة مشاركة كل شرائح الشعب الماليزي في الحدث، فشارك ممثلون عن أكثر من ٤٥ منظمة وحزبا في المظاهرة، وخطب في الحشد قياديون من حزب “أمنو” أكبر أحزاب التحالف الحاكم جنبا إلى جنب مع قيادات من حزبي “العدالة” و”أمانة” أكبر أحزاب المعارضة، بالإضافة لمشاركة قيادات الأقليات الصينية والهندية في هذه التظاهرة.

هذا التفاعل مع انتفاضة القدس لم يكن حدثا معزولا بل هو الطابع العام للشعب الماليزي بكل شرائحه وطبقاته. فبالإضافة للتفاعل الشعبي المستمر سجلت القيادات الماليزية مواقف داعمة مميزة، فاستضاف رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق وفدا من قيادة حركة حماس يرأسه رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل مطلع شهر كانون الأول الماضي للتعبير عن تضامنه مع الانتفاضة، وكان قبل ذلك قد ندد بشدة بالاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى أثناء خطابه في الأمم المتحدة، في حين غابت القضية الفلسطينية عن خطابات الكثير من زعماء الدول العربية والإسلامية الآخرين.

وكان نائب رئيس الوزراء الماليزي الدكتور “أحمد زاهد حميدي” واضحا أيضا في دعمه لدفاع الشعب الفلسطيني عن القدس والمقدسات حين دشن نهاية عام ٢٠١٤ حملة أنقذوا القدس في أكبر مساجد العاصمة الإدارية بوتراجايا بمشاركة ممثلين عن ٢٧ منظمة إسلامية وحقوقية.  

التفاعل مع انتفاضة القدس لم يكن حدثا معزولا بل هو الطابع العام للشعب الماليزي بكل شرائحه وطبقاته

وعلى مدى الشهور الأربعة الماضية تنوعت حملات الدعم والمناصرة بين مظاهرات ومحاضرات ومؤتمرات وجمع تبرعات وغيرها. ومن المميز في ماليزيا شدة نشاط منظمات المجتمع المدني وكثرتها. فبينما تشارك العشرات من منظمات المجتمع المدني الماليزي بالتفاعل مع القضية الفلسطينية بشكل متكرر، تركز قرابة ١٠ منظمات على العمل خصيصا للقضية الفلسطينية كمنظمات أمان فلسطين وأقصى شريف وفيفا فلسطين ومؤسسة القدس وغيرها                                                                          
ولا أكون مبالغا إن قلت أنه لا يمر يوم في ماليزيا دون وجود فعالية (محاضرة، مؤتمر، مظاهرة، حفل… الخ) تقام لنصرة القضية الفلسطينية.    

بحكم عملكم في إدارة منظمة الثقافة الفلسطينية في ماليزيا، هل اقتصرت ردود فعل الحكومتين الماليزية والاندونيسية في هذين البلدين المهمين في العالم الإسلامي على التنديد والشجب أم تجاوزتها بأفعال ساعدت القضية الفلسطينية بالفعل؟

من الضروري التأكيد في البداية على بعض القضايا المهمة في هذا السياق:

أولا، القضية الفلسطينية بحاجة لكل الجهود العربية والإسلامية والدولية، وليس بإمكان الشعب الفلسطيني وحده -رغم بطولة أبناءه وعظم تضحياتهم- أن يدحر الإحتلال الصهيوني، فالإحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية هو رأس الحربة لمشروع غربي استعماري إحلالي تدعمه وتمد في عمره بعض القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. ولن يكون من السهل هزيمة مشروع بهذا الحجم دون تكاتف الجهود الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية ضده.

ثانيا، لا شك أن المسؤولية التاريخية في قضية مواجهة الاستعمار الصهيوني تقع أولا على عاتق الشعب العربي الذي لا تزال اسرائيل تحتل أراضيه في فلسطين وسوريا ولبنان، وثانيا على الشعوب المسلمة التي تمثل فلسطين جزءا مركزيا من وجودها الحضاري، إلا أن الحقيقة الحاضرة بشكل واضح أيضا هي خطورة الوجود الصهيوني على جميع أحرار العالم، عربا كانوا أم مسلمين أم غير ذلك.

وما قيام “إسرائيل” بالتجسس على المصالح الحيوية لبعض الدول كمفاعلات باكستان النووية أو دعمها لديكتاتوريات مستبدة كتلك التي حكمت أمريكا اللاتينية وتدريبها وتسليحها لبعض الجماعات الارهابية أو المتمردة في عدة أنحاء من اسيا وافريقيا إلا أمثلة صارخة على هذا الخطر المستمر. وكما أنه لا يمكن إنهاء خطر

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يفرج عن 11 أسيراً من غزة

الاحتلال يفرج عن 11 أسيراً من غزة

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، عن 11 أسيرا فلسطينيا من غزة، حيث تم نقلهم إلى مستشفى شهداء الأقصى في...