الجمعة 09/مايو/2025

مستقبل انتفاضة القدس وانعكاساتها على الاحتلال الصهيوني

مستقبل انتفاضة القدس وانعكاساتها على الاحتلال الصهيوني

نشر مركز “الزيتونة” للدراسات تقديرًا استراتيجيًا حول انتفاضة القدس وانعكاساتها على الاحتلال الإسرائيلي.

وقال التقدير الذي نشر الاثنين إن انتفاضة القدس الحالية تتسم بسمات خاصة تميزها عما سبقها من حراكات فلسطينية؛ إذ إنها تتحرك حتى اللحظة تبادلياً في الجغرافيا الفلسطينية. 

وأوصى التقدير بتعميق الوحدة الوطنية باتجاه دعم الانتفاضة وتقويتها، داعيًا السلطة الفلسطينية إلى وقف التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، وعدم القيام بأي إجراءات من شأنها إضعاف الانتفاضة وتعطيلها ومنع انتشارها.

كما طالب التقدير بدعم صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضته في وجه الاحتلال عربياً وإسلامياً ودولياً. 

وفيما يلي نص التقدير:

ملخص

ما زالت الانتفاضة الحالية على الرغم من تفاوت تصاعدها غير واضحة الشخصية، ويكتنف مستقبلها سحب كثيفة من الغموض. وهي تواجه العديد من التحديات على رأسها الانقسام الفلسطيني، وفي الوقت ذاته تحفزها عوامل دافعة في مقدمتها انسداد مسار التسوية.

تركت انتفاضة القدس تأثيرات بالغة على الدولة العبرية على كافة الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، ويتخوف المستوى السياسي الإسرائيلي من فلتان الوضع وفقدان السيطرة عليها واندفاعها لدرجة انهيار السلطة في حال بلوغها الذروة.

لكن المؤشرات الأخيرة تنبئ أن السلطة تحوّل موقفها، وبدأت أجهزتها الأمنية بإجراءات ميدانية جادة لوقف الانتفاضة، الأمر الذي يزيد من القلق حول مستقبل الانتفاضة الجارية.

وبشأن خيارات الحكومة الإسرائيلية لمواجهتها؛ فهي تتراوح بين الاستمرار في المسار الحالي وهو يجمع بين الضغط والاحتواء، وبين التوجه لتشغيل مسار التفاوض مع السلطة، علماً أن حكومة نتنياهو لن تندفع للمسار الثاني -مسار التفاوض- إلا حينما تتصاعد الانتفاضة إلى مديات أعلى، وفي حال توفر قاعدة توافقية له داخل الائتلاف الحكومي، وربما يضطر نتنياهو لتوسيع أو تعديل ائتلافه في الحالة القصوى لتنفيذ هذا الخيار.

ومن المستبعد أن يلجأ نتنياهو للهروب إلى الأمام من خلال التصعيد على جبهة قطاع غزة، إلا إذا تصاعدت الانتفاضة، وأفرزت ضغوطاً لا يمكن تجاوزها، ولم يتمكن في الوقت نفسه من إقناع ائتلافه بتشغيل مسار التفاوض.

مستقبل انتفاضة القدس وانعكاساتها على الجانب الإسرائيلي

أولاً: انتفاضة القدس والتحديات التي تواجهها:

تتسم انتفاضة القدس الحالية بسمات خاصة تميزها عما سبقها من حركات فلسطينية؛ إذ إنها تتحرك حتى اللحظة تبادلياً في الجغرافيا الفلسطينية. 

وقد بدأت بزخم جماهيري مرتفع نسبياً لكنه محصور مناطقياً، ثم ما لبث أن تقدم الفعل النوعي على الحراك الجماهيري، ومفرقاً على المناطق الفلسطينية. وهي ذات نسق متفاوت الوتيرة من حيث التصاعد والهبوط في فعالياتها. وأكثر ما يميزها تسيّد فردية التحركات خصوصاً في العمل النوعي على مناخها العام.

وما زالت الانتفاضة الحالية على الرغم من ذلك غير واضحة الشخصية، ويكتنف مستقبلها سحب كثيفة من الغموض، وتواجه حالياً تحديات عدة على رأسها:

–    أكثر ما يضعفها الانقسام الفلسطيني وعدم التوافق الوطني حتى على اسمها، وماهيتها ومستقبلها.

–    تردد رموز الفصائل الفلسطينية من الانخراط في فعالياتها خشية ضغوط الاحتلال، والحسابات الذاتية والسياسية التي تسهم بقدر كبير في تشكيل مواقفهم. وتلكؤ فتح من الانخراط فيها بفاعلية. 

–    انحصارها على صعيد الحراك الشعبي في جغرافية محددة، ثم الانحسار النسبي لهذا الحراك بسبب تبدل موقف السلطة وتوجه أجهزتها الأمنية الجديد للحد من المواجهات الشعبية مع الاحتلال.

–    زيادة التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية وقوات الاحتلال قياساً على الفترة التي رافقت انطلاقتها. ما يعني أن هنالك قراراً داخلياً من السلطة بالتأثير عليها سلباً.

–    انشغال المحيط العربي والإسلامي بقضاياه وشؤونه الداخلية، وطغيان الأجندة الإقليمية، وتراجع الملف الفلسطيني في جدول الأولويات بالمنطقة.

–    التواطؤ الغربي والإقليمي على وأدها في مهدها، وجهود كيري في هذا المجال وما أجراه من تفاهمات بشأن الأقصى المبارك ليست بخافية على أحد.

ثانياً: العوامل التي تدفع بتصعيد انتفاضة القدس:

في المقابل، تتزاحم عدة عوامل تدفع بتصعيدها، من بينها:

–    لا شكّ أن انسداد مسار التسوية على رأس هذه العوامل، لأن فشل التسوية أضعف مشروع أوسلو، وجوَّفه، وجعله خاوياً من أيّ مضمون سياسي، إذ تبدو السلطة كمنظومة مهمتها الأساسية حفظ أمن الاحتلال وتعطيل جهود المقاومة.

–    تعديات المستوطنين على الفلسطينيين، وازدياد ما يسميه اليمين الاستيطاني بـ”تدفيع الثمن”، وتخاذل الأمن الإسرائيلي وتواطئه مع المستوطنين في أثناء هجومهم على القرى الفلسطينية. وقد جرى تخفيف لهذه التعديات في الوقت الراهن بضغوط من حكومة نتنياهو لاحتواء المواجهات الحالية.

–    على الرغم من تخفيف اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى إلا أنها ما زالت قائمة وبأعداد محدودة من المستوطنين بهدف تنفيس الانتفاضة، ولا شكّ أن هذه الاقتحامات هي أحد أهم أسباب تفجير الانتفاضة الحالية وربما استمرارها.

–    الضائقة الاقتصادية أسهمت في إلهاب الاحتقان الشعبي، ولعل هذا من أهم إخفاقات مشروع أوسلو الذي كان يبشر بالبحبوحة الاقتصادية للفلسطينيين.

–    ضعف القيادة الفلسطينية الرسمية وتمسكها غير المبرر بخيار التسوية بالرغم من فشله الذريع، بسبب تعنت الحكومات اليمينية الإسرائيلية، وعجز هذه القيادة عن اجتراح خيارات أخرى.

مواقف الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية:

على الصعيد الدولي: الأجندة الدولية منشغلة بالأزمة السورية والصراع الإقليمي الجاري بالمنطقة، وبمحاربة الإرهاب. وفي الوقت الحالي لا يعدُّ الملف الفلسطيني من الشؤون الضاغطة على الأطراف الدولية. ولعل أبرز تفاعل دولي في هذا المجال هو زيارة كيري للمنطقة وتفاهماته مع الأردن المتعلقة بالمسجد الأقصى.

على الصعيد الإقليمي: تعيش المنطقة سيولة غير مسبوقة ربما منذ الحرب العالمية الأولى، وتتصارع في حلبتها القوى الإقليمية في ظلّ تحيزات طائفية وإثنية أحياناً، ويغيب الشأن الفلسطيني عن جدول أولويات المنطقة بشكل لافت. إلا أن بعض القوى الإقليمية تنسق مع الدولة العبرية ومع السلطة لخنق الانتفاضة الحالية ولوأدها، لأنه في حال تصاعدها ستؤثر سلباً على مفاعيل ومخرجات الثورة المضادة التي أخذت زمام المبادرة في المنطقة.

على الصعيد المحلي: فتح منقسمة تجاه الانتفاضة، فمعظم قيادتها المتماهية مع أوسلو لا ترغب بتصعيد الانتفاضة، وترغب فقط في استثمارها للضغط على نتنياهو لصالح تشغيل مسار التسوية، والبعض الآخر منها يرغب في الانخراط في الانتفاضة وتفعيلها، ولكنه لا يبدو أنه مؤثر في المعادلة الداخلية لفتح، أما شبابها فهم يشاركون نسبياً وبتردد في الحراك الشعبي الذي بدأ ينحسر بسبب ضغوط الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

حماس ترغب بتفعيل الانتفاضة، وجهودها ماثلة ميدانياً وتسعى لتصعيدها، ولكنها كما يبدو لا تريد الظهور كمن يتحمل أعباء الانتفاضة؛ لأنها ترغب أن تأخذ الانتفاضة وجهاً وطنياً شعبياً عاماً، ولأنها ربما لا تقدر على ذلك وحدها، وحتى لا يُستفرد بها من جهة الاحتلال.

الفصائل الأخرى، كالجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية راغبة وتعمل، ضمن إمكاناتها المتاحة، على تصعيد الانتفاضة، وإن بدرجة أقل من حماس. 

أما السلطة الفلسطينية فلم تكن متحمسة في بداية الأمر لمواجهة الانتفاضة ميدانياً، لأن رئيس السلطة كان يطمح لاستخدامها كأداة ضغط على نتنياهو لتحسين موقفه أمامه، وقد رشح أنه ساوم على إيقافها مقابل شروط هي: مراقبون دوليون في الأقصى، وعودة وضع الأقصى لما قبل سنة 2000، ووقف الاستيطان، والإفراج عن أسرى الدفعة الرابعة. ولكن المؤشرات الحالية في الميدان تنبئ، بل إن التقارير الأمنية العبرية تتحدث عن تحول في موقف السلطة، ويظهر ذلك ميدانياً، حيث بدأت الأجهزة الأمنية بمنع الحراكات الشعبية من التماس مع قوات الاحتلال، وزاد التنسيق الأمني بدرجة تمتدحه الأوساط الأمنية الإسرائيلية. ولعل سبب هذا التحول يكمن في خشية السلطة من تصاعد الانتفاضة إلى مدى تفقد فيها السيطرة على مسارها، وهو ما يترافق مع الضغوط الدولية والإقليمية على رئيس السلطة لوقفها.

عوامل لازمة لتصعيد الانتفاضة

تحتاج الانتفاضة الحالية إلى عدة محفزات لازمة لتصعيدها إلى مديات مثمرة سياسياً بشكل أكبر، ولعل من أبرزها: كسر حالة الانقسام الفلسطيني بصيغة توافقية، بمعزل عن تعقيدات ملف المصالحة، بهدف توحيد العمل الوطني؛ بمعنى فصل التناقضات البينية عن مقارعة الاحتلال باعتبار الأخيرة لازمة وطنية لا يمكن التخلي عنها على أي حال، وإلا ستواصل الحالة الفلسطينية (إذا جمدت على الوضع الحالي) في إيجاد فرصة استراتيجية للاحتلال لالتهام الأرض بالاستيطان، وتهويد القدس، وتقسيم المسجد الأقصى المبارك.

ولتوجيه مسارها وإدارتها وتثمير مفاعليها سياسياً، يستوجب الأمر تشكيل هيئة وطنية مشتركة من القوى الفلسطينية المختلفة، وعلى وجه السرعة قبل تراجع وتيرتها. وبالرغم من انشغال البيئة الإقليمية بالصراعات الداخلية، تحتاج الانتفاضة الحالية إلى دعم دول المنطقة أو بعضها، على الصعيدين السياسي واللوجيستي، ولو بالحد الأدنى.

ويستوجب تصعيدها ميدانياً إلى وتائر أعلى إلى اتساعها جغرافياً بحيث تمتد إلى مناطق أخرى غير القدس التي ضعف حراكها، ومدينة الخليل التي زاد العبء عليها، لينخرط في أتونها قطاعات شعبية أوسع.

رسائل الانتفاضة

تبعث انتفاضة القدس رسائل مهمة عديدة من بينها، أن “جيل أوسلو” انتفض ولا وجود للفلسطيني الجديد بحسب “مقاس دايتون”، ومفاعيلها تكرس في الوعي الجمعي الفلسطيني أن الحالة الفلسطينية ما زالت في حال التحرر الوطني ولم تصل لمرحلة الدولة واسترخائها بعد، كما كان يراد أن يروج له عبر مشروع أوسلو. وبالتالي ضرورة اجتراح خيارات فلسطينية أخرى غير مسار أوسلو الفاشل. 

تعبِّر نتائجها السياسية الأولية، وعلى رأسها توقف برنامج تقسيم الأقصى، عن جدوى وفاعلية خيار المقاومة، وبالوسائل المتاحة مهما اختلت موازيين القوى مع الاحتلال، وحتى لو أحاطت القضية الفلسطينية كافة أشكال الخذلان بشتى أنواعه محلياً وإقليمياً.

وكشفت أن الاحتلال لا يريد تسوية؛ إنما يريد شراء الوقت لتحقيق استراتيجية باستكمال السيطرة على الأرض الفلسطينية من خلال الاستيطان وتهويد القدس والأقصى.

والرسالة الأهم التي تبعثها الانتفاضة الحالية هي أن الشعب الفلسطيني دائماً يسبق قياداته، والشباب المنخرط في انتفاضة القدس يعبِّر عن إرادة فلسطينية جامحة لمواجهة الاحتلال حتى في حالة انغلاق الخيارات لدى الفصائل، أو بشكل أدق لدى قيادة السلطة.

سادساً: تأثيرات الانتفاضة على الجانب الإسرائيلي ومواقف مكوناته منها:

1. في المجال السياسي: 

كان الاعتقاد السائد في المحافل الإسرائيلية أن الانتفاضة الحالية ستخبو سريعاً نظراً للبيئتين الفلسطينية والإقليمية السائدتين، إلا أنها فاجأت الجميع باستمرارها. وقد أدى تصاعدها النسبي منذ انطلاقتها، وطغيان السمة الفردية لمفاعيلها، إلى إرباك الوسط السياسي الإسرائيلي، مع تباينات حادة بين مكونات ائتلاف الحكومة اليمينية، وكذلك أحزاب المعارضة.

فأحزاب اليمين المتطرف داخل الحكومة وعلى رأسها “البيت اليهودي” ترى ضرورة الاستمرار في الاستيطان وبرنامج تقسيم الأقصى بالرغم من أجواء الانتفاضة الضاغطة، وبعضهم يدعو لاجتياح الضفة على نس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...