الخميس 06/يونيو/2024

الزوايا الصوفية بالقدس.. حكاية تاريخ لمدينة المعراج

الزوايا الصوفية بالقدس.. حكاية تاريخ لمدينة المعراج

حظيت مدينة القدس المحتلة باستقبال معظم الطرق الصوفية القادمة من العالم العربي والإسلامي، والذين أقاموا زوايا صوفية أعطت للمدينة المقدسة طابعا وسمة خاصة.

يقول المرشد السياحي والباحث في مدينة القدس روبين أبو شمسية لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: إن مدينة القدس هي مدينة المتصوفين والمتزهدين الذين أقاموا فيها عدة زوايا، سواء داخل سور القدس أو خارجه، وذلك يعود لقداستها الدينية وبعدها الروحي البعيد عن السياسة.

وأوضح أن الصوفية هي حركة باتجاه الزهد والتقشف والبعد عن المشاغل الدنيوية ومنها السياسية، وبالتالي أصبحت القدس في نظر معظم المتصوفين والزاهدين والمتعبدين والمتقشفين هي المكان المستقطب والأكثر مثالية لوجود حركات وجماعات وتجمعات داخل المدينة.

وبين أبو شمسية أن الصوفية نشأت في أواخر العصر الأموي كفكرة عن الحب الإلهي والتجمع التقشفي بسبب زيادة الترف والملذات والرفاهية التي بدأت تظهر جلياً على أوجه الحياة في العالم الأموي والإسلامي وخاصة الجانب السياسي “المنطقة الحاكمة في العالم الإسلامي” وبالتالي أصبح هنالك رديف وشيء ضد تيار الرفاهية وما يسمى بتيار الصوفية وقد أطلق عليها الصوفية لعدة أسباب؛ منها أن أصحابها اهتموا أن يكونوا زاهدين ومتقشفين وأن يلبسوا الصوف دليلاً على خشونته ومن هذا الموضوع جاءت كلمة صوفية أي لابسي الصوف.

النشأة

وأشار الباحث المقدسي إلى أن حركة الصوفية نشأت في أكثر من  جزء بالعالم، ففي أواخر العصر الأيوبي وبداية العصر المملوكي في الجزء الشرقي من العالم الاسلامي، في بلاد الهند وأفغانستان وإيران والعراق، وأكثر هذه الطرق شيوعاً هي الطريقة القادرية التي أسسها المتصوف المشهور عبد القادر الجيلاني، بدأت من منطقة خراسان العراق ثم امتدت لبلاد الشام وشمال أفريقيا، كذلك الطريقة الرفاعية والنقشبندية والخلوتية والوفائية الخ.

أما الجزء الآخر فقد جاء للقدس وفلسطين من بلاد شمال أفريقيا مثل الزاوية اليونسية والقلقشندية وطريقة الدراويش.

والجزء الثالث الذي حضر للقدس متأخراً من شمال البلاد الإسلامية “من تركيا”، وأشهر طرقها هي الطريقة المولوية التي أسسها شاعر التصوف الكبير في القرن الثاني عشر الميلادي جلال الدين الرومي.

وجاءت أيضاً من مصر عدة طرق صوفية سميت جميعها بطرق الدراويش مثل الدسوقية، الكيلانية الخ.

مدينة المتصوفين

وفيما يتعلق بمدينة المتصوفين يقول أبو شمسية: “الطرق الصوفية اتخذت عدة مواقع في مدينة القدس ومقرات إما لاعتقادات شخصية في أهمية المكان، أو لأجل التجميع فقط  سميت هذه الأماكن بعدة أسماء مثل الأربطة والخوانق والزوايا”.

وتابع: “أكثر ما تتميز فيه مدينة القدس هي الزوايا، والزاوية  في المفهوم الصوفي هي جزء مقتطع من بيت لصاحب الدعوة أو صاحب الطريقة وهبه لتطبيق الأنشطة الصوفية مثل الأوراد والذكر والحلقات، وبعد موته نذر المكان جميعه للطريقة، فأصبحت تسمى زاوية نظراً لأنها جزء من بيت”.

الزوايا الصوفية

ويوجد  خارج أسوار مدينة القدس القديمة أربع زوايا صوفية وهي القلندرية، والجراحية والأهمية والبدرية  حسب روبين أبو شمسية.

ومن هذه الزوايا الصوفية خارج أسوار القدس وتتبع الطريقة الصوفية “الرفاعية”  زاوية الشيخ جراح  يقول روبين أبو شمسية: “الزاوية الجراحية تقع خارج أسوار القدس في حي الشيخ جراح، وتعود لأحد أمراء صلاح الدين الأيوبي وهو حسام الدين ابن شرف الدين عيسى الجراحي، الذي مات في القدس ودفن في زاوية الشيخ جراح، وبنيت قبة  معقودة على قبره وأصبحت مستقطباً لأصحاب الطريقة الرفاعية”.

مدخل  زاوية الشيخ جراح هو مدخل مقوس ضيق يؤدي إلى بهو ذو قبة مصلبة ثم درجتان تفضيان إلى قبر حسام الدين، بنيت في عام (1202 م 6890 هـ)، أي في منتصف الفترة الأيوبية، ثم أضيفت ساحة فضائية وأبنية ومأذنة في العصر العثماني المتأخر، وفي عام 1955 أضيف مسجد حديث.

الزاوية الهندية

أما داخل السور يقول روبين أبو شمسية في بداية باب الساهرة على اليمين صعوداً تقع الزاوية الهندية والتي سميت بهذا الاسم لأن معظم روادها والقائمين فيها هم الهنود الذين يأتون إما زائرين لمدينة القدس أو القادمين لتقديس حجتهم، وعلى الأرجح يعود بناؤها للقرن الثالث عشر أو الرابع عشر، لكن في بداية الفترة العثمانية جاء إلى هذه المدينة متصوف هندي يدعى فريد بابا كنج قام بترميم هذه الزاوية ثم نذرها لزوارها من الهنود.

ويضيف أبو شمسية:”في منتصف الفترة العثمانية أسندت الزاوية الهندية لعائلة الأنصاري المقدسية، وهم قائمون عليها ليومنا هذا، والزاوية الهندية تبدأ بمدخل ضخم مبني بطريقة نصف برميلية في رواقه على جانبيه عمودان رشيقان وغير مزخرفان زخرفة واضحة، على جانبيه شبابيك مقوسة يعلوها كوتان ويعلوها زخرفة سلجوقية، يؤدي بابه إلى ساحة تجتمع حولها الغرف، وفي الواجهة مسجد صغير وعلى اليمين قبر الباني أو المعمر، بابا فريد كنج وبابا بتن، وتبلغ مساحتها 7 دونمات، ويبدو واضحاً اختلاف لون الحجر عن غيره وهو نظام الأبلق الذي يعود للعصر المملوكي” .

ويشير إلى أنه:”في عام 1964  تم تأجير جزء من الزاوية الهندية لوكالة غوث اللاجئين حيث تستخدمها لتوزيع المؤن والمساعدات العينية لفقراء مدينة القدس واللاجئين فيها، وجزء آخر حول لعيادة صحية وتعمل حتى اليوم”.

 ويردف قائلا: “عائلة الانصاري وجدت  في مدينة القدس عام 1924م عندما ذهب مفتي القدس الحاج أمين الحسيني للهند في إحدى زياراته، وهناك ابتعث الشيخ ناظر حسن الأنصاري وهو هندي  بقي 30 سنة متوليا الوقف، وبعد وفاته تولى الوقف منير الأنصاري منذ ستين عاماً وحتى اليوم”.

الزاوية الوفائية

أما الزاوية الوفائية أو زاوية المئذنة الحمراء تقع في الطريق الواصل ما بين باب الساهرة وطريق المجاهدين وسميت أيضا بطريق الزاوية.

البناية تعود عملياً الى بدايات الفترة العثمانية في مدينة القدس تمتد على مساحة 4 دونم ونصف، فيها مسجد وقبران تخص شيوخ الطريقة الوفائية، لم ينقش اسمهما، وهي طريقة سهلة جداً تعتمد على الأوردة والذكر والحركات والأدعية في المكان، ومتوليين وقف المئذنة هم عائلة جودة.

وما يميز المئذنة أن حجارتها تحتوي على اللونين الأحمر والأبيض (الحجر المزي)، ويتوسط جداره الجنوبي محراب جميل .

الزاوية البخارية

الزاوية النقشبندية أو الزاوية البخارية أو الأوزبكية أطلق عليها ذلك لأن القائم عليها وحجاجها جاء من أوزبكستان، وهي الطريقة الأكثر اعتدالا بين الصوفيين حيث تبدأ بالأوردة والذكر والأدعية وتكون صلاتها على ضوء خافت وساكن.

وقام الشيخ عثمان بك البخاري المعروف بالصوفي بتوسيع الزاوية وفي وقت لاحق تولى الشيخ رشيد البخاري الزاوية، ومن بعده ولده الشيخ يعقوب البخاري المتوفى عام 1956، ثم انتقلت المشيخة إلى ابنه الشيخ موسى بن يعقوب البخاري والد عبد العزيز.

وأصحاب الزاوية النقشبندية لديهم ميزة اللباس الخاص حيث  يلبسون في الجزء العلوي الزي المزركش أما في الطبقة الوسطى والسفلية الشاباك، وما يميزها أيضاً أنها تقدم مشروب الشاي وله طقوس خاصة حيث يضع الشاي بإبريق خاص يسمى السموار، أما الفناجين التي تقدم فيها الشاي فتسمى البايلا.

وزاوية النقشبندية كانت تستقبل الزوار والحجاج من أندونيسيا حتى عام 1967م حيث توقفت الزاوية عن استقبالهم عند احتلال مدينة القدس فقرابة ال60 حاج يأتون للإقامة فيها سنوياً.

الزاوية الأفغانية

أما الزاوية الأفغانية بنيت في عام 1633 هجرية، بناها الشيخ عبد القادر الجيلاني عندما حضر من الهند إلى القدس وقام بتأسيسها وطريقتها القادرية العلوية، وتعرف هذه الزاوية اليوم باسم الزاوية الأفغانية، نظراً لإقامة مجموعة من الأفغان فيها،  ولأن من تولى إدارتها هو الشيخ عبد الكريم الأفغاني.

بناء الزاوية؛ عند بابها الخارجي توجد مغسلة على الجانبين بنيت لزوار الزاوية الذين يأتون ويطرقون الباب، والشيخ لا يجيبهم فيجلسون يستريحون وأحياناً ينامون حتى يأتي شيخ الزاوية ويجيب على طرقهم للباب، وما أن تدخل الباب حتى تمر بممر صغير يؤدي إلى بحرة  سابقاً، وغرف عديدة على الجانبين وهذه الزاوية لا تحتوي قبر أحد من شيوخها، وتتم في الزاوية لقاءات ذكر وأدعية، تكون فيها حركات جسدية ودائرية مغلقة وتتكرر كلمة الله  في الحلقة وحتى اليوم تعقد يوم الثلاثاء فيها لقاءات أسبوعية، أما يوم الجمعة بعد أداء صلاة العصر فتعقد في مسجد البراق بالمسجد الأقصى.

الزاوية الأفغانية هي الزاوية الأكثر نشاطاً ولا زالت فاعلة، وتعمل على إحياء المناسبات الدينية منها يوم المولد النبوي وإحياء رأس السنة الهجرية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات