الجمعة 09/مايو/2025

قراءة نقدية في دراسة: بنية خطاب حركة حماس: قراءة سوسيولوجية

قراءة نقدية في دراسة: بنية خطاب حركة حماس: قراءة سوسيولوجية

قدّم مركز الزيتونة للدرسات والاستشارات، قراءة نقديةطرحتها إباء أبو طه * لدراسة أعدها زياد حمدان، تحتعنوان ”بنية خطاب حركة حماس: قراءة سوسيولوجية“، نال بموجبها على درجةالماجستير في جامعة بيرزيت، محللاً فيها بنية خطاب حركة حماس في فلسطينكونه حقلاً سوسيولوجياً، وعارضاً لتشكيلات الخطاب فيه: الدينية،والأيديولوجية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، مراعياً التطورالتاريخي فيه.

وفيما يلي القراءة:

”الخطاب الهجين“ وصفٌ يطلق على خطاب حركات الإسلام السياسي بشكل عام، والتي باتت تحاول تقديم خطاب ذات بنية دينية وسياسية في الوقت ذاته. فهي تارةً تستند إلى النص الديني المقدس وتعود أحياناً لاجتهادات تسمح لها بفكّ انغلاق النص للعبور نحو عالم السياسة؛ من خلال توليفة خطابية تمرر بها الحركات أيديولوجيتها وتعكس صورتها كظلّ للإله على الأرض.

تتجلى هذه الفكرة بشكل واضح في دراسة للكاتب زياد حميدان، والتي تعدُّ إحدى الدراسات التي تناولت بنية خطاب حركة حماس في فلسطين كامتداد لحركة الإخوان المسلمين، حاول الكاتب فيها أن يقوم بتحليل خطاب حماس بكونه حقلاً سوسيولوجياً —اجتماعياً— بغية تجاوز التعامل مع الخطاب على أنه مجرد بنية لغوية فقط، بل يحمل بين طياته تشكيلات بمثابة الجسد أو هيكل الخطاب من الدين، والسياسة، والأيديولوجيا، والثقافة، بحيث ترتبط هذه العناصر فيما بينها لتخرج بصورة تشكيلات خطابية، تبدو متماسكة ومتناقضة أحياناً، وأخرى منقطعة ومتصلة من وجهة نظر الكاتب، منذ انطلاقة حركة حماس في فلسطين سنة 1988 وحتى سنة 2009.

تهدف الدراسة إلى معرفة الطريقة التي تعمل بها التشكيلات في بنية خطاب حركة حماس، كالعلاقة بين التشكيلة الخطابية الدينية والسياسية، أو الأيديولوجية والدينية، من خلال معرفة الثابت والمتحول في الخطاب، على اعتبار أن النص الديني المقدس ثابت، وما تفرضه تكتيكات السياسة تجعل خطاب الحركة متحولاً ومتناقضاً في الوقت ذاته؛ بالإضافة إلى الكشف عن إشكاليات وأزمة خطاب حماس.

لذا تدور أطروحة الدراسة حول كيف تعمل هذه التشكيلات، وما العلاقة التي تربطها ببعضها، وما هي التشكيلة التي تطغى فعلياً على خطاب حماس، هل هي الدينية أم الأيديولوجية أم السياسية؟ وكيف تخضع في بعض الأحيان تشكيلة لأخرى، كأن يتم استدعاء النص الديني لتبرير سياسي ما، أو استدعاء الأيديولوجي لصالح سلطة أو قوة تحاول الحركة أن تفرضها. وهل بنية الخطاب ثابتة في كل الظروف نتيجة لقيامها على نصّ مقدس —سلفي— كما هو واضح من ميثاق الحركة الذي صدر سنة 1988، أم بنية متغيرة ومتحولة بفعل الظروف كما حصل في تراجع حماس عن تحريم المشاركة في انتخابات التشريعي والبلديات سنة 2006، فيما حظرت سابقاً المشاركة لأسباب دينية سنة 1996؟ فكيف يمكن لهذا النوع من الثبات والتغير أن يجعل الخطاب يبدو أكثر تماسكاً في ظاهره في الوقت الذي يعج بالتناقضات؟

يتناول الكاتب في إطاره النظري تعريفاً للعديد من المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالخطاب، مثل: البنية، والخطاب —المرجعية اللسانية، التحليل السيميائي—، بالإضافة إلى المفاهيم المتعلقة بالإسلام السياسي ابتداءً بتوضيحه لمفهوم الدين —النشأة—، والدين والأيديولوجيا، والمؤسسة الدينية، والإسلام السياسي.

ويتبع الكاتب في تحليله لخطاب حماس منهج ميشيل فوكو Michel Foucault في تحليل الخطاب والتحليل النقدي التاريخي، بالإضافة إلى منهج نصر أبو زيد في تحليل آليات الخطاب الديني ومنطلقاته الفكرية من باب صعوبة الفصل بين آليات الخطاب ومنطلقاته لكون كل منهما يحوي الآخر، فتستعين الدراسة بمنهجية أبو زيد بتوضيح علاقة التشكيلة الدينية بالتشكيلة السياسية في خطاب حماس.

لذا لجأت الدراسة إلى تحليل عشرين نصاً يتضمن ميثاق حماس، وبياناتها السياسية في كل مفصلة تاريخية، ومقولات ومقابلات موثقة لقادتها، وشعارات حماس، إضافة إلى بعض الأيقونات التي تقدمها حماس كشهدائها وقادتها وكفاحها كجزء من الخطاب.

هذا، وتنقسم الدراسة إلى قسمين يتكونان من خمسة فصول، الفصل الأول يقوم على المقاربة النظرية والمنهجية لمفهومي البنية والخطاب وصولاً إلى المنهج الفوكوي في تحليل الخطاب، والذي يستند عليه الباحث في مبادئ تحليله لخطاب حماس. أما الفصل الثاني فترتكز الدراسة فيه على المفاهيم المتعلقة بالدين والإسلام السياسي، وصولاً لحركة حماس والسياقات التي مرت بها.

القسم الثاني، يقوم الفصل الثالث منه بتحليل مدونة حماس والتي يتم من خلالها الإجابة على أسئلة البحث، وفي الفصل الرابع يقوم بفرز التشكيلات الخطابية وتوضيح العلاقات بينها من خلال تحليل ميثاق حماس وتحليل خطابها من التسعينيات حتى 2009. بينما الفصل الخامس يصل الكاتب فيه إلى استنتاجات حول سؤال البحث والتشكيلات الخطابية في خطاب حماس.

حركة المقاومة الإسلامية حماس.. السياقات:

تقدم الدراسة استعراضاً لتاريخ انطلاقة حركة حماس والتي تمتد جذورها من حركة الإخوان المسلمين في مصر، والتي انطلقت من الثلاثينيات على يد حسن البنا ليتبعها سيد قطب. ويشير الكاتب بأن حركة الإخوان تجنبت آنذاك الخوض في غمار أحداث نكبة 48 ونكسة الـ 67، لتأتي انطلاقة حماس سنة 1987 بمثابة ولادة حركة تنظيمية، كأداة جهاد فعلي على الأرض في ظلّ اندلاع انتفاضة الأقصى سنة 1987، وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، لتعلن انطلاقتها على يد الشيخ أحمد ياسين في قطاع غزة، لتكون حماس الجناح العسكري، وحركة الإخوان هي الجناح السياسي والأيديولوجي لحركة حماس.

وتكشف الدراسة كيف استطاعت الحركة أن تقدم نفسها بديلاً لمشروع القيادة التاريخية المتمثلة بمنظمة التحرير والتي، من وجهة نظرها، قامت بتقديم تنازلات للعدو، ليقوم خطابها على التأكيد بأن فلسطين أراضيها التاريخية هي أرض وقف إسلامي يجب تحريرها من النهر إلى البحر، وأن ذلك لا يكون إلا بالجهاد ورفض الحلول السلمية.

وفي اقتباس لمؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين قائلاً: “إن الانتخابات هي الطريقة الوحيدة لمعرفة الممثل الحقيقي للشعب”، تبين الدراسة كيف تحولت استراتيجية حماس إلى تكتيك؛ ففي الوقت الذي رفضت فيه المشاركة بانتخابات سنة 1996، تعود للقبول بالمشاركة السياسية وخوض غمار الديموقراطية سنة 2006، باستدعاء منطق الاجتهاد بالشكل الذي يسمح لها بتحقيق استراتيجيتها السياسية.

خطاب حماس:

في الوقت الذي يظهر فيه خطاب حماس كخطابات متعددة، تارةً منها السياسي وأخرى الأيديولوجي والديني والاجتماعي، يبدو خطابها في مواضع أخرى محاولة للتحلل من النص الديني لصالح السياسي، وذلك بالاعتماد على قاعدة ” الفكر السياسي هو مساحة الحركة في ظلّ الثابت”. فما يحدث في داخل الخطاب هو أن يتكيف المقدس مع متطلبات الواقع بعيداً عن فكرة تطويع الواقع للمقدس، لهذا يشعر المرء أمام نوع من التناقض يدفعه لطرح أسئلة حول من يخضع لمن، هل السياسي للديني أم الديني للسياسي؟، ليبدو أن استناد الحركة إلى الأيديولوجية الدينية كقوة مطلقة تمكنها من التحكم بالسياسة وخوض غمارها، كما بدا واضحاً في بداية انطلاقة الحركة 1988، من خلال استغلال النصوص الدينية والالتفاف عليها لإيجاد قوة اجتماعية تدفعها للظهور، في الوقت الذي تعيد الحركة إنتاج النص الديني بالشكل الذي يخدم السياسة؛ فهي تفرض نفسها على المجتمع باعتبارها ممثلة للإله، وتقتحم المجال السياسي انطلاقاً من كونها المنقذ الوحيد للمجتمع، نظراً لارتباطاتها التاريخية – الدينية من عهد النبوة حتى اللحظة. ويظهر ذلك بالشعار الذي تردده غالباً الحركة في خطابها “الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والجهاد سبيلنا”.

وكما يقول نصر أبو زيد بأن حركات الإسلام السياسي —من ضمنها حماس— تسعى إلى إقامة نوع من الخلط الماكر بين الديني والسياسي، من باب الجمع بين قوة الدين والدولة. لذا، يستدرج الكاتب حديثه عن هذه الحركات في الدراسة، لتوضيح كيف تستخدم الدين كأيديولوجيا لتعبئة الجماهير وتوجيههم لغايات الوصول للسلطة، والكشف عن الطريقة التي تستغل بها الحركات الإسلامية النص الديني لتبرير منطقها السياسي.

التشكيلات الخطابية في كل من:

أ‌. ميثاق حركة حماس:

تعد الدراسة أن الميثاق يتضمن تشكيلات خطابية متعددة، الدينية والأيديولوجية والسياسية، بشكل أساسي في ميثاق حركة حماس، والذي تمت كتابته سنة 1988 حيث يتضمن 35 مادة.

التشكيلة الدينية تبدو الأكثر بروزاً في الميثاق؛ متمثلة بالعبارات القرآنية، والأحاديث النبوية، والعبارات الفقهية الدينية: كالبسملة، والاستغفار، وعبارة “فلسطين أرض وقف إسلامي”.

وتأتي بعدها التشكيلة الأيديولوجية؛ تتمثل في الميثاق باسم الحركة المختصر، شعار حماس، بالإضافة إلى المجموعة العبارية الشعرية والإخوانية كأقوال حسن البنا، حيث تطغى لغة الإخوان المسلمين وأسلوبها اللغوي الذي ينطق به الميثاق، بالإضافة إلى مفاهيم أخرى كالجهاد في سبيل الله، وإعلاء راية الحق، والخلافة الإسلامية.

التشكيلة السياسية؛ تظهر من خلال استدعاء بعض المفاهيم مثل: المقاومة، و”إسرائيل”، والصراع، والحركات الإسلامية الأخرى، ومنظمة التحرير، والمقاومة الوطنية.

بينما التشكيلتين الاجتماعية والثقافية تبدوان بصورة أقل؛ من خلال استخدام مفاهيم كدور المرأة، ومشاركة الجماهير، والتكافل في السياق الاجتماعي، وفن إسلامي، وفن جاهلي، والجسد، وخصائص الفن الإسلامي في السياق الثقافي.

ويردف الكاتب في دراسته كيف أن “التشكيلة الأيديولوجية تتوسط بين التشكيلة السياسية والدينية بالشكل الذي يصهر السياسي ليكون ديني، وقولبة الديني ليغدو سياسياً عبر مراحل الأيديولوجيا” . عدا عن التشكيلة الدينية المستخدمة في الميثاق من خلال الآيات والأحاديث، والتي تضفي القداسة على التشكيلة السياسية وتؤسس لشرعيتها، حيث تصبح التشكيلة الدينية المادة الخام التي تتشكل منها نواة التشكيلة الأيديولوجية والتي تظهر مادياً عبر السياسة .

ب‌. بيانات ومواقف حماس:

تجلت التشكيلات السياسية بشكل واضح في البيان، قياساً بالميثاق الذي احتلت فيه التشكيلة الدينية المركز، والتي جاءت في صيغة: تنازلات، ودولة عدو، وأوسلو.

التشكيلات الأيديولوجية تمثلت بـ: راية المقاومة، والشهداء، والأسرى، والجرحى، والعمليات الاستشهادية.

أما التشكيلات الدينية فتمثلت بـ: الأحاديث والآيات القرآنية. وتوضح الدراسة كيف أن التشكيلات لعبت دوراً في التعبئة والتحريض للدفع نحو العمل الجهادي والمقاومة، لا سيّما في الانتفاضة الأولى سنة 1987، والثانية سنة 2000، بصورة تخدم استراتيجية الحركة؛ ليس فقط تجاه عدوها “إسرائيل” بل أيضاً تجاه خصم جديد لها ممثلاً بمنظمة التحرير. حيث لعبت الحركة من خلال بياناتها دوراً في الإقصاء وإلغاء الخطابات الأخرى، وفرض خطابها الخاص كإحدى استراتيجيات الحصر والمنع التي تحدث عنها فوكو كوسائل للسيطرة على الخطاب، بنبذ ما سواه وفرض خطاب تريده حماس، بالاعتماد على مبدأ القسمة والرفض وإرادة الحقيقة، بكونها قادرة على الفصل بين الحق والباطل، وأنها تمتلك الأفضلية والحقيقة، وتنكر ذلك على الآخرين .

حماس بعد الميثاق من 2006–2009:

بقيت التشكيلة الأيديولوجية والدينية واضحة في خطاب حماس في هذه الفت

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...