الجمعة 10/مايو/2024

الحركة الإسلامية.. حامية الهوية ومنبر الدفاع عن الأقصى

الحركة الإسلامية.. حامية الهوية ومنبر الدفاع عن الأقصى

لم تكن الحركة الإسلامية في الداخل نبتة منفصلة أو منعزلة عن جذور الأرض المباركة التي نبتت فيها؛ فهي شجرة نبتت وترعرعت مع أوائل السبعينيات من القرن الماضي في عام 1971 تحديدًا على يد الشيخ عبد اللـه نمر درويش من كفر قاسم في منطقة المثلث الجنوبي، وبمشاركة عدد من خريجي كلية الشريعة في الخليل والمعهد الديني في نابلس.

عوامل النشأة

وفي هذا الإطار يتحدث الكاتب شاكر فريد حسين، أن أسباب وعوامل نشوئها وظهورها هي “نكسة” العام 1967 وفقدان الشعب الفلسطيني ثقته بالقيادات والزعامات العربية، ما جعل الناس تبحث عن بديل للتيار القومي العلماني اليساري، الذي كان سائداً ومسيطراً في تلك الحقبة التاريخية، وأيضاً فتح الحدود والاتصالات المباشرة والعلاقات بين الفلسطينيين الذين صمدوا في قراهم ومدنهم ويحملون الهوية والجنسية “الإسرائيلية”، وبين أشقائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث كانت تنشط هناك حركات دينية سياسية كالإخوان المسلمين والجهاد الإسلامي، الأمر الذي ساهم في انتقال أفكار الحركات الإسلامية السياسية إلى جماهيرنا العربية داخل “الخط الأخضر”،  يضاف إلى ذلك تراجع وتقهقر الفكر القومي اليساري في الأقطار العربية وعجز قوى اليسار الثوري والديمقراطي عن تقديم الأجوبة والحلول للمشاكل العالقة.

معترك السياسة

راحت الحركة الإسلامية تبث دعوتها للعودة إلى الإسلام، ثم دخلت المعترك السياسي والثقافي والتربوي، فواجهت السلطة “الإسرائيلية”، وقد تبنت فكراً مشابهاً بل مطابقاً  لفكر الإخوان المسلمين، وأنشأت المعاهد والمؤسسات والنوادي والعيادات الطبية ورياض الأطفال، وأصبحت هذه المعاهد التي تديرها مراكز دعوية إلى الدين ولغرس تعاليم ومبادئ الحركة الإسلامية في نفوس الشباب منذ تفتح وعيهم، وبذلك نشأ جيل من الشباب الملتزم تجاه الحركة الإسلامية ومؤمنا بشعارها “الإسلام هو الحل”.

حيرة تجاه الحركة !

تعدّ الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 لغزاً محيراً لدى الكثيرين؛ فعلى الرغم من الدور البارز لهذه الحركة وقادتها – وعلى رأسهم الشيخ رائد صلاح- في الدفاع عن المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة، إلاّ أن البعض لا يستسيغ فكرة وجود حركة إسلامية تعمل وفق القوانين “الإسرائيلية”، ويحمل أعضاؤها جوازات سفر “إسرائيلية”، بل ويشغل بعضهم عضوية البرلمان (الكنيست)، ويضاعف من وطأة هذا الغموض والالتباس افتقاد المكتبة العربية لدراسات جادة ومعمقة عن هذه الحركة ومشروعها.

إلقاء الدور على هذه المفارقات وفك الإشكالات التي تثيرها كان موضوع كتاب مركز المسبار للدراسات والأبحاث، ومقره دبي، في شهر (سبتمبر 2009)؛ حيث سلط الضوء على أجنحتها ومسارها ومواقفها وقضاياها، وعلاقاتها بالدولة الإسرائيلية، وبقواها الحزبية والسياسية، وكذلك علاقاتها بالداخل الفلسطيني وتياراته المختلفة.

قراءة في خطابها

جاءت دراسة مهند مصطفى “الحركة الإسلامية والمشاركة السياسية في إسرائيل” كاشفة للخطاب والممارسة السياسية للحركة الإسلامية، بجناحيها الشمالي والجنوبي، وكونها واحدة من أبرز التنظيمات السياسية العربية داخل “إسرائيل”، ومن التيارات الإيديولوجية المؤثرة على مجمل التحولات السياسية والثقافية في المجتمع الفلسطيني في الداخل في العقد الأخير، كما تتبعت الدراسة التطورات والمراحل المتعددة، التي مرت بها الحركة الإسلامية في الداخل، وفرضتها التحولات السياسية العامة والتطورات الداخلية.

أما الموقف من المفاوضات ومسار التسوية وما يسمى بـ”عملية السلام” مع “إسرائيل”، فكان موضوع دراسة مأمون عامر “الحركة  الإسلامية ومسار التسوية”، والتي يؤكد كاتبها منذ البداية أن المفاوضات السياسية بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، والتي أثمرت السلطة الوطنية الفلسطينية، تُعدّ أحد أكثر هذه القضايا حساسية للحركة الإسلامية، وبسبب من الأوضاع الدقيقة والحساسة التي يعيشها المواطن العربي في “إسرائيل”، ولذا أتى موقف الحركة الإسلامية من التفاوض، كواحدٍ من أكثر المواضيع حساسية وغموضاً.

ويزيد من تعقيد الموقف وضبابيته الانقسام الواقع في صفوف الحركة، ما أسفر عن وجود خطابين سياسيين تجاه هذه القضية؛ أحدهما يتميز بالتشدد، والثاني يوصف بالواقعية، فوجدنا من يؤيدها، مؤكداً على جدواها ما دامت تسترد بعض الأرض المحتلة، كما نجد في صفوف الحركة الإسلامية تيارَ رفض لمسار التسوية مع “إسرائيل”، باعتبار الصراع صراع وجود وليس صراع حدود، ولكن الدراسة تنتهي إلى أن التيار الغالب داخل عرب 48 عامة، وداخل الحركة الإسلامية في “إسرائيل” خاصة، هو المرونة باتجاه التفاوض، ورفض الحل العدمي والصدامي.

تعايش وصدام

وعن موقف الحكومة “الإسرائيلية” من الحركة الإسلامية تأتي دراسة صالح النعامي “إسرائيل والحركة الإسلامية: التعايش والصدام”، لتكشف أن مواقف الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة من الحركة الإسلامية في فلسطين 48، حكمتها سلسلة من العوامل والمتغيرات؛ ففي البداية ومع انطلاقة الحركة عام 1996 غضّت المؤسسة الحاكمة في “إسرائيل” الطرف عن الحركة وأنشطتها، وسمحت لها ببناء مؤسساتها التعليمية والدينية والاجتماعية والإعلامية، وأتاحت لقادتها هامش مرونة كبيرًا في التحرك والتفاعل مع الجماهير الفلسطينية، والتواصل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويعزو الكاتب هذا السلوك “الإسرائيلي” المتساهل في البداية إلى عدة عوامل، منها: رغبة المؤسسة “الإسرائيلية: في إيجاد منافس إيديولوجي للحركات السياسية العلمانية ذات التوجهات القومية، التي نشطت في ذلك الوقت في أوساط فلسطينيي 48، وترصد الدراسة السيناريوهات المتبادلة من الحركة الإسلامية داخل عرب 1948، والحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة.

الدفاع عن المقدسات

بدورها تناولت دراسة الدكتور إبراهيم أبو جابر، والتي حملت عنوان “المقدّسات والأوقاف في منظور الحركة الإسلامية”، موقف الحركة من المقدسات الإسلامية، موضحاً أن الحركة الإسلامية تنطلق في تعاطيها مع هذه القضية من منظور أن فلسطين أرض مقدسة بالكامل، وبموجب مقدساتها تصبح هذه الأرض وقفية بالكامل، ولذلك فإن هذه الوقفية تنعكس من حيث القداسة على كامل التراب، ليس بكونه تراباً؛ بل لقدسية هذه الأرض.

وترصد الدراسة تاريخ العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والأوقاف الفلسطينية؛ حيث عملت الحكومة الإسرائيلية بعكس ما أعلنت عنه سنة 1950 على لسان وزير الأديان آنذاك د. هكوهن، الذي قال في السادس من مايو 1950: “قمت بالنيابة عن حكومة إسرائيل المؤقتة بإصدار التعليمات للدائرة المختصة في وزارتي لحماية أماكن السيادة والمقابر، التي هجرتها الطائفة الإسلامية عندما تركت البلاد”، ثم تعيينها لجاناً من أجل تنفيذ سياساتها تجاه المقدسات، وتعيين عدد من المفتين الذين أباحوا إزالة بعض المقابر.

ويلاحظ كاتب الدراسة تنوّع وتعدد طرق الحركة الإسلامية في “إسرائيل” للحفاظ على هذه المقدسات، بين التظاهر، وتنظيم المهرجانات، وتسيير المحافل أسبوعياً إلى المسجد الأقصى، والقيام بأعمال الترميم، وكشف الأنفاق الإسرائيلية تحت المسجد وإحباط مخططاتها، كما تضم الدراسة جداول بيانية بهذه المعلومات وتواريخها، كما يعرض بياناً بالمساجد والمقدسات التي تم تدميرها وما آلت إليه.

أما زاوية “شخصية الكتاب” فتم تخصيصها لتسليط الضوء على مسيرة الشيخ رائد صلاح، أحد أبرز الوجوه الإسلامية داخل الأرض المحتلة، وهو ما يكشفه لنا إياد عقل في دراسته “الشيخ رائد صلاح: محطات الفكر والسياسة” في دراسة لا تنشغل كثيراً بتقديم سيرة ذاتية أو مجرد تأريخ بيوغرافي للرجل، ولكنها قراءة نقدية واستشرافية للمحطات المهمّة المتعلقة بالشيخ ودوره.  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات