عنف الاحتلال.. إرهاب مقصود تغذيه أفكار صهيونية عنصرية

مع ازدياد وتيرة العنف والبطش الذي تمارسه قوات الاحتلال الصهيوني، لفرض التقسيم الزماني والوجود اليهودي في المسجد الأقصى وعموم القدس المحتلة، كسياسة أمر واقع، يستشعر الخبراء خطورة هذه السياسة المتجذرة في الفكر الصهيوني.
ويرى الخبير في الشأن الصهيوني، الدكتور ناجي البطة، أن استخدام العنف من قوات الاحتلال في القدس “يأتي في سياق الاتفاق بين جماعة الأفكار التي تسيطر على جماعة البيت اليهودي الذين يمثلون الصهيونية الدينية”.
ولفت إلى أن هؤلاء يتفقون مع بعض الحريديم مثل حركة شاس ويهوديت هتوراه التي تزعم أن المسجد الأقصى مقام على جبل موريا، وأنه مقام على معبد سيدنا سليمان، 950 قبل الميلاد، الذي بني مرتين وهدم مرتين.
وأضاف البطة في تصريحات خاصة لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” “هم يحاولون إعادة بناء الهيكل الثالث الذي هدم في عهد نبوخذ نصر، وهدم في عهد ايلياء هدريان إمبراطور الرومان”، مشدداً على أن “كل الممارسة ضد الأقصى ممارسة دينية بحتة”.
وازدادت في الآونة الأخيرة وتيرة العنف وسياسة فرض الأمر الواقع التي تمارسها قوات الاحتلال في القدس، والتي وصلت ذروتها منذ 23 أغسطس/آب الماضي، بعد منع شرطة الاحتلال جميع النساء الفلسطينيات من دخول المسجد الأقصى، ما بين الساعة 7.30 وحتى 11 صباحاً، أي في الوقت الذي يقتحم فيه المستوطنون ساحات المسجد، كتكريس لمبدأ “التقسيم الزماني للأقصى بين الفلسطينيين والمستوطنين”.
تلا ذلك القرار الذي أصدره وزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون، في 9 سبتمبر/ أيلول الجاري، والذي يعدّ المجموعةَ المُسماة “المُرابطين والمُرابطات” في المسجدِ الأقصى “مجموعة خارجة عن القانون”؛ وقرار منع مصاطب العلم.
هذه القرارات تمهد لمنع أعداد كبيرة من الفلسطينيين والفلسطينيات من التواجد في ساحات المسجد الأقصى، وإبعادهم عنه، وهو ما أخذ خطوات عملية صباح الأحد (13-9) باقتحام المسجد وباحاته والاعتداء على المتواجدين فيه.
ويشير الخبير في الشأن الصهيوني، من نابلس، الدكتور عمر جعارة، إلى أن العنف في الفكر والممارسة الصهيوني، له جذور وتاريخ؛ حتى إنه ثابت بقرارات الأمم المتحدة كأرفع مؤسسة دولية ذات علاقة.
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت عشرات القرارات التي تدين الاحتلال بممارسة العنف ضد الفلسطينيين، ولكن هذه القرارات لم تترجم لآليات للجم هذا العنف في ظل اختلال موازين القوى العالمية، واستخدام واشنطن الفيتو في مجلس الأمن لإحباط حتى أية قرارات إدانة قوية.
ويحذر جعارة في تصريحات لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن قوات الاحتلال تتمادى في استخدام العنف وممارسة الإرهاب فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، وسط إصرار واضح على بناء ما يسمى الهيكل الثالث، مستغلة حالة الضعف والترهل التي تمر بها الحالة الفلسطينية والعربية.
وأشار إلى جملة أنماط العنف الأخيرة من الاحتلال عبر القمع الميداني وقرارات منع المراطبين والمرابطات، ومنع مصاطب العلم، كمحاولات لفرض أمر واقع وإغلاق المسجد الأقصى في أوقات معينة، وبعد الصلوات الخمس؛ ما يعني أن الأقصى ليس في خطر فقط، بل هو دخل دائرة التقسيم.
ومن المفارقات الأليمة التي يتوقف عندها جعارة، كيف تنحو السياسة الصهيونية نحو المزيد من العنف والإرهاب، في المقابل تخرج الضفة من المعادلة في النهج السياسي للسلطة الرافض للمقاومة والمتمسك بمسيرة التسوية رغم فشلها في تحقيق أي شيء على مدار 20 عاماً.
ولا يبدو العنف أمراً مستحدثاً في الممارسة الصهيونية؛ بل حالة مستمرة ومتأصلة بجذور عميقة في الفكر الصهيوني والتلمودي، فقد ارتبط جميع مؤسسو الكيان وقادته بالعصابات الصهيونية، وبمجازر أليمة وأنماط عنف استثنائية ضد العرب عموماً والشعب الفلسطيني بشكل خاص.
ويؤكد الباحث طلال خالدي في دراسة بحثية متخصصة عن جذور المرتكزات الفكرية للإرهاب الصهيوني، أن الحديث عن الإرهاب الصهيوني “ليس حديث مناسبة، ولا تعليقا على جريمة معينة.. بل هو حديث ثقافي بالدرجة الأولى يتعلق بمنظومة من القيم والمفاهيم والمعتقدات يجري تجسيدها عبر ممارسات وأفعال، وتأتي تلك الأفعال في سياق تلك المنظومة الثقافية”.
وتوفر النصوص التوراتية المحرفة مظلة تشريعية للعنف الذي تمارسه قوت الاحتلال منذ عقود، ومن هذه النصوص “حين سمع الشعب (بنو “إسرائيل”) صوت البوق هتف هتافا عظيما، فسقط السور في مكانه وصعد (الشعب) إلى المدينة، وذبحوا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، ومن طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير، بحدّ السيف”.
وتتكرر هذه الدعوة لقتل جميع خصوم بني “إسرائيل” في سفر حزقيال حيث يقول حزقيال في وصيةٍ لبني “إسرائيل”: “لا تشفق أعينكم، ولا تعفوا عن الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء.. اقتلوا حتى الهلاك”.
وجاء في سفر التكوين: “اضرب أهل تلك المدينة بحد السيف بجميع ما فيها حتى بهائمها”، وهذا الاتجاه لاستخدام العنف الشديد في وجه “الغوييم” لا يقتصر على التوراة، فالتلمود الذي كتب في وقت متأخر نسبيا يبرر هذه الدعوة للقتل من خلال رؤية عنصرية شديدة التعالي، حيث يصور أن “الغوييم” أي غير اليهود، هم مجرد حيوانات وفق النص التالي: “الخارج عن دين اليهود حيوان على العموم، فسمِّه كلبا أو حمارًا، أو خنزيرًا، والنطفة التي هو منها نطفة حيوان”.
ويشير خالدي إلى أن المنظومة الفكرية للإرهاب الصهيوني لا تتوقف عند النصوص الدينية القديمة؛ بل هي تمتد عبر الفلسفة الحديثة، حيث يظهر ذلك في بروتوكولات حكماء صهيون، وفي تصريحات قادة صهاينة بارزين.
ويقول بن غوريون رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبقأ وقائد منظمة هاغاناه الإرهابية: “ممارسة العنف هي ضرورة لتوازن الإنسان والمجتمع، وبدون هذه الممارسة يصبح المجتمع معرضا للدمار الداخلي”.
وأعطى بن غوريون “فلسفة الرعب والقوة أساسا منطقيا؛ فكما الماء وجد من أجل الشراب، والهواء من أجل التنفس، فإن البندقية وجدت من أجل إطلاق النار، والجندي وجد من أجل القيام بالقتل”.
ومنذ بلورة التوجه الصهيوني لتأسيس الكيان، كان خيار العنف حاضراً لفرض الكيان كأمر واقع، فشكلت العصابات الصهيونية، التي مارست الإرهاب والمجازر تلو المجازر حتى ولادة الكيان، ومن ثم استمرت وتيرة العنف لترسيخ وجود هذا الكيان عبر حلقات من الإرهاب والمجازر والعنف.
ويستشعر المتابعون خطورة ما يجري في القدس، استقراءً بما جرى من تقسيم مكاني في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بالضفة الغربية.
وتسيطر قوات الاحتلال الصهيوني على الجزء الأكبر من المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل بـالضفة الغربية، والذي بات مخصصا لدخول اليهود دون سواهم منذ عام 1994 إثر المذبحة التي ارتكبها المتطرف اليهودي باروخ غولدشتاين، وراح ضحيتها 29 فلسطينيا.
إذ إنه ورغم المجزرة عاقب فيها الاحتلال الفلسطينيين، وأغلق حينها الحرم لمدة تسعة أشهر، فقد تم الاستيلاء على حوالي 60% من مساحة الحرم لصالح اليهود، وفرض التقسيم المكاني على الحرم.
ومع تحذيره من خطورة وجدّية الممارسات الصهيونية؛ يرى الخبير البطة، أنه لا وجه للشبه بين ما جرى في المسجد الإبراهيمي، وما يجري التخطيط له في المسجد الأقصى، مشدداً على أن “الحرم الإبراهيمي -على رمزيته ومكانته- مسجد عادي، أما الأقصى فهو ثالث مسجد تشد إليه الرحال، وبالتالي المعركة إليه ستكون معركة فاصلة”.
وقال: “لن يمر التقسيم الزماني والمكاني؛ لأن دماء كثرة ستسيل”، لافتاً إلى أن بعض الصهاينة يدركون خطورة الدخول لحقل الألغام هذا، لافتاً إلى تصريحات مفتش عام شرطة الاحتلال السابق يوحنان دنينو.
وكان دنينو انتقد اقتحام متطرفين صهاينة للمسجد الأقصى، عادًّا أن المسجد أخطر على (إسرائيل) من القنبلة النووية.
ويدق الباحث جعارة ناقوس الخطر من العنف الصهيوني الممارس، مطالباً المقاومة على وجه التحديد في ظل ما أصلتنا إليه سياسة المفاوضات الفاشلة، أن تستشعر الخطر المحيط.
وقال: “لا قيمة للفلسطينيين بدون الأقصى”، مشدداً على أن الجميع مطالب بأن يدرك ذلك قبل فوات الأوان.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...