الإثنين 12/مايو/2025

وداع الحجاج.. طقوس ومراسم تأسر الألباب

وداع الحجاج.. طقوس ومراسم تأسر الألباب

ما إن يبدأ الحجيج إلى بيت الله الحرام بحزم أمتعتهم والتجهز للسفر حتى تتحول منازلهم إلى قبلة يقصدها الزائرون مودعين إياهم وطالبين الدعاء لهم في الرحاب المقدسة.

ولسفر حجاج بيت الله الحرام في فلسطين عمومًا ولسكان مدينة نابلس على وجه الخصوص طقوس خاصة وأجواء مميزة، الأمر الذي يجعل منها مناسبة جديرة بالاحتفال والاهتمام بأدق تفاصيلها كونها باتت من الموروث الثقافي والاجتماعي للمدينة.

الحجُّ فرحة

الحاج خليل المصري، أحد سكان البلدة القديمة في نابلس، يقول لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” إن تزيين بيوت الحجاج بات عادة ملازمة للمدينة ووسيلة لإعلام جميع الأحبة والأقارب بعزم السفر إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج.

وتابع: “في العادة الزينة ترافق الأفراح، ونحن كأهالي المدينة لا نجد فرحة أعظم من فرحة الحج إلى الديار الحجازية”.

وهذا ما أكدته الحاجة أم معاذ أبو غضيب، والتي تجد لذة في استرجاع لحظات الوداع الذي أقامته قبيل سفرها للحج، حتى باتت هذه اللحظات تداعب مخيلتها كلما اشتد بها الشوق إلى بلاد الحرمين وما يسبقها من طقوس وداع تظل مرافقة للحاج في رحلته الطويلة.

وتتابع خلال حديثها لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “باتت الموالد النبوية عادة نابلسية مرتبطة بمراسم وداع الحجاج ولا سيما النساء منهن؛ حيث يتم إقامة تلك الموالد في منزل من تنوي الحج، وتجتمع النساء من كل حدب وصوب لتشارك في النشيد والأهازيج والدعاء والابتهال، فيما تحرص الحاجة على أن تبدو في أبهى زينة مرتدية اللباس البيضاء”.

ولعل أكثر ما يميز الموالد النبوية هو الاستعانة بفرق النساء المتخصصة في الأناشيد الشعبية والدينية والنبوية، حيث تتميز تلك النساء بالبراعة في النشيد، والصوت الأخاذ يجبر كل من حضر من النساء على المشاركة والتفاعل لحد البكاء.

وفي المقابل تفتح منازل الحجيج من الرجال والدواوين، وفي بعض الأحيان القاعات، أبوابها أمام قوافل المودعين من الرجال، وتقتصر مراسم الوداع للرجال بالمصافحة وطلب الدعاء والمسامحة والعفو عما قد سلف.

ومع ساعات السفر الأولى للحجاج ينشغل الأبناء في التجهيز لاستقبال ذويهم، حيث يتم شراء المسابح وسجادات الصلاة والدشاديش والعباءات النسائية وصنوف العطور والتمور من باب التخفيف عن كاهل الحجاج وعدم إرهاقهم بتلك المتطلبات التي كانت في الماضي تشكل عبئا كبيرًا على الحجاج.

التمور المكية والعطور المنتشاة بالمسك والياسمين وأعواد السواك وماء زمزم، ما زالت محافظة على قيمتها المعنوية في نفوس الناس، حيث يحرص الحاج على جلبها  معه من الحج، كونها  سنة نبوية ومنبتًا من أرض مباركة، بالإضافة إلى رمزيتها المكانية في النفوس.

وللأطفال النصيب الأكبر في هدايا الحجاج، خاصة الإناث، فتراهم ينتظرون عودة الحجيج بكل شوق لينالوا حصتهم من الأساور والسلاسل والعطور والميداليات المنقوشة عليها أسماؤهم.

آثار نفسية واجتماعية

ولمراسيم وداع الحجاج آثار نفسية بالغة على الحجاج، من وجهة نظر التربوي مخلص سمارة؛ حيث يرى أن الحاج في تلك اللحظات أحوج ما يكون إلى من يخفف عنه ألم البعد عن الأهل، وهذا يعني بأنه يحصل على جرعة من التحفيز النفسي والدعم المعنوي نتيجة تلك العادات الاجتماعية المرافقة لأداء فريضة الحج الشاقة والبعيدة التي يضطر فيها المسافر إلى ترك أهله وذويه.

وعلى الصعيد الاجتماعي يضيف سمارة، خلال حديثه لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“، أن “من شأن تلك العادات والتقاليد بأن تساهم في توثيق النسيج الاجتماعي ورفع حالة التكافل والتعاضد، الأمر الذي ينعكس إيجابًا، ليس فقط على نفسية الحاج، بل على ذويه وعلى من يحيطون به من معارف وجيران، فكثير من قصص الخلاف والفرقة والمشاكل الاجتماعية تزول آثارها في لحظات الوداع، في حين تعجز أي مناسبة أخرى عن لم شمل الفرقاء وفتح صفحة جديدة ملؤها التسامح والتصافح”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات