استقالات المنظمة.. قراءة في الخطوة وآلية التعاطي معها وطنياً (رؤية نخبوية)

أثارت خطوة تقديم عشرة من أعضاء منظمة التحرير بمن فيهم رئيس السلطة محمود عباس، استقالتهم من عضوية المنظمة، تساؤلات عدة حول الأسباب والدوافع التي أخرجت هذا القرار إلى حيز التنفيذ.
فهذه الخطوة، كما يراها مراقبون، لم تكن لتأتي ضمن التفكير الطبيعي لإعادة تجديد روح المؤسسات الوطنية في وقت تشهد فيه أقطاب عدة داخل المنظمة أو مؤسساتها المختلفة حالة من تشكيل التكتلات، والصراع القائم على الإقصاء، فيما لا تزال المنظمة على حالها دون أن يتم تنفيذ أي من خطوات الإصلاح التي طالبت الكثير من القوى بالعمل على تنفيذها.
قسم الدراسات في “المركز الفلسطيني للإعلام”، عمد إلى استقراء آراء عدد من النخب السياسية الفلسطينية، في محاولة لتقديم قراءة لدوافع الاستقالات، وانعكاساتها، وآلية التعاطي معها من الإجماع الوطني.
أولا: دوافع الخطوة
ترى شريحة النخبة أن الإقدام على هذه الخطوة يعكس بشكل أساس العديد من الظروف التي وصلت لها الهيئات التابعة لمنظمة التحرير، وهذا يمكن تجسيده بـ:
-الهروب من دفع استحقاقات المصالحة الوطنية المتمثل بدعوة الإطار القيادي الموحد الذي يضم القوى غير المنضوية تحت مظلة المنظمة، بحيث تصبح هذه الخطوة بمثابة إطالة عمر القطيعة بين المنظمة وبين تلك القوى خوفا من سيطرتها عليها بحكم الامتداد الجماهيري.
-محاولة لاستعادة البريق وإشعار الجميع أن الرئيس عباس ومن معه لا يزالون يملكون أوراق القوة التي تمكنهم من البقاء على مسرح السياسة المحلية والإقليمية والدولية، وأنهم يمكنهم خلط تلك الأوراق بما يحبط الخطوات المضادة لهم ويربك خصومهم.
-خطوة استفزازية لحركة حماس التي يمهد لها أن تخطئ الخطأ المنتظر، أو أن تتخذ القرار الانفعالي الذي قد يدفعها لرفع الغطاء عن حكومة الوفاق أو إعادة تشكيل الحكومة القديمة برئاسة هنية أو تشكيل منظمة تحرير بديلة أو غيرها من القرارات التي تصبح مبرراً لمزيد من ممارسة التشويه بحقها.
-حالة العجز التي تبدو عليها نخبة المنظمة، إذ إن جلّ ما تقوم به هذه النخبة هو إدارة الجمود.
-هذه الشريحة في هيئات المنظمة تصرّ على حرف البوصلة عن المشاكل الجوهرية إلى قضايا ثانوية.
-الإقدام على هذه الخطوة يأتي كمحاولة اجتراح شرعية سياسية لقيادة المنظمة بوسائل غير شرعية، وهنا يظهر حجم الاستخفاف بالشعب الفلسطيني على افتراض أنّه قد يستوعب هذه الخطوة كإجراء قانوني يمكن أن يغيّر من الواقع شيئاً، في حين أن ما يجري ليس إلا محاولة للانقضاض من جديد على المواقع الحساسة في المنظمة بصورة قد تبدو حضارية.
-تكريس التفرد بالقرار الفلسطيني، وترسيخ قيادة أحادية ذات أولويات شخصية ومرهونة إلى ظرف السلطة الفلسطينية والدور المنوط بها والمقتصر على تجميد الوضع القائم والقيام بمهام أمنية محددة.
-محاولة لحسم الخلافات الداخلية في المنظمة وفتح، والتي نشأت على خلفية الحديث عن البديل عن الرئيس، وعلى انسداد الأفق السياسي، وعلى الخلافات التي بدأت مع القيادات الداخلية لحركة فتح؛ محمد دحلان وغيرها من الشخصيات.
– محاولة لإدارة الخلاف الفتحاوي الداخلي بما يمهد لحسم البدائل القادمة، إما بتكريس القيادة الحالية بإخراج بقية مخالفيها، أو بالعمل على التهيئة لقيادة جديدة على أساس تضمن فيه القيادة الحالية مصالحها وخروجها الآمن.
-تأتي في سياق سعي رئيس السلطة للاستحواذ على كامل مفاصل صنع القرار في مؤسسات الحكم الفلسطيني، وتهيئته للساحة الداخلية لخليفته المنتظر، والذي ينبغي أن يحظى بتوافقات وتوازنات داخلية وإقليمية ودولية.
-خطوة تهدف إلى إقصاء البعض وتقريب البعض، وربما تجنيب حركة فتح صراعات داخلية على الخلافة.
-ترتيب وضع فتح الداخلي؛ لارتباط ذلك بمراكز قوى تبدأ بدحلان وتنتهي، بالشخصية التي ستلي أمر حركة فتح، الأمر الذي لم تستطع فيه مراكز القوى رسم مخرجاته النهائية.
-تجديد الوصف القانوني لرئيس السلطة على أنه رئيس المنظمة بالانتخاب في ظل انتهاء الفترة القانونية لكافة الأجسام المنتخبة.
-ترسيخ عضوية أعضاء المجلس الوطني خاصة في (الشخصيات الممثلة) للهيئات التي تشكل المجلس الوطني وهي (القطاع الأمني، الجمعيات، الأحزاب، القطاع المجتمعي) على أمل جعل حماس والجهاد أقلية في حال ترتيب أوضاعها.
-تجاوز حركتي حماس والجهاد الإسلامي في هذه المرحلة، الأمر الذي سيديم استخدام المنظمة في قرارات كبيرة، سواء سياسية أو داخلية؛ منها التعامل مع قطاع غزة.
ثانياً: الانعكاس على فصائل المنظمة
وحول مدى انعكاس هذه الخطوة على العلاقة الداخلية لفصائل منظمة التحرير؛ أكدت النحب المستطلعة آراؤهم على التالي:
-تدليلٌ على أن فصائل منظمة التحرير إذا ما تم استثناء حركة فتح هي قوى هامشية، ولا ينظر لها على أنها عنصر مؤثر في صناعة القرار.
-هذه الخطوة تضع فصائل المنظمة أمام مواجهة حقيقية مع الذات، ومفترق طرق؛ فإمّا الصمت بادّعاء احتواء المنظمة لتعددية سياسية، أو تدفع باتجاه كشف الحقيقة وعدم القبول بالقيام بهذا الدور دائمًا.
-في حال مررت فصائل المنظمة هذه الخطوة فإنها لن تقوم بأي واجب نضالي في تصحيح مسار منظمة التحرير، أو الرقابة على قيادتها، وستعزز من حالة السلبية التي اتسمت فيها فيما يتعلق بالانقسام الفلسطيني الداخلي.
-اليسار الفلسطيني لم يعد له بيئة حاضنة خارج الإطار الرسمي لمنظمة التحرير، وفقد الكثير من حلفائه في المجتمع، وبالتالي هذه الفصائل ستحافظ على نوع من العلاقة مع الرئاسة وأبو مازن، رغم بعض مواقفها التي لا ينبني عليها أي موقف راديكالي من قيادة المنظمة والسلطة.
ثالثاً: العلاقة مع الفصائل غير المنضوية تحت المنظمة
هذه الخطوة لن يقف أثرها على الفصائل المنضوية تحت منظمة التحرير فقط؛ بل إن لها انعكاسها على العلاقة مع الفصائل غير المنضوية تحت منظمة التحرير. والتالي ما خلصت له الشخصيات المستطلع رأيها:
-هذه الخطوة ستزيد من قدرة تلك الفصائل على المناورة والضغط على الرئيس عباس بسبب عدم قانونيتها وسوء إخراجها.
-ستزيد هذه الخطوة من مصداقية تلك الفصائل جماهيرياً، وأن الرئيس عباس ومن معه لا يريدون المصالحة، ويضعون العصي في دواليبها، ويرتكبون أخطاءً قانونية.
-هذه الخطوة ستمنح تلك الفصائل المبرر الوطني للمضي بمحادثات التهدئة غير المباشرة بدون الرئيس عباس، وهي المحادثات التي بدأت أثناء الحرب الأخيرة على غزة.
-ستزيد من حدّة الانقسام؛ إذ إنّها ستجعل الفصائل من خارج (م. ت. ف) أكثر تشددا في مواقفهم تجاه التفاهم، فهذه الخطوات بعيدة تماماً عما تم الاتفاق عليه من فكرة الإطار القيادي الموحد وإصلاح المنظمة.
-تأتي في ظل غياب رؤية سياسية واضحة يمكن نقاشها فصائلياً، وهو ما يجعل من إمكانية التفاهم بعد هذه الخطوة أمراً أكثر صعوبة.
-استخدمت فتح السلطة لضرب وإقصاء القوى الوطنية غير المنضوية في منظمة التحرير، وهذه الخطوة تأتي في هذا السياق.
-قد تفتح الآفاق أمام الفصائل غير المنضوية تحت منظمة التحرير للبحث في خيارات وطنية أخرى تتحرر من فكرة الوفاق مع قيادة لا تؤمن بالوفاق أساسا.
-هذه الخطوة تبعد احتمالية إنجاز المصالحة في عهد أبو مازن؛ لأن هذه الخطوة تذهب بعيدا عن الخطوات التصالحية، خاصة إذا ربطت هذه الخطوة بتصاعد واضح للعيان في حجم ونوعية وأسباب الاعتقالات السياسية بالضفة.
رابعاً: إمكانية انعقاد المجلس الوطني
-سينعقد المجلس الوطني، وسينتخب لجنة تنفيذية جديدة مفصلة على مقاس إدارة السلطة الحالية.
-سينعقد المجلس بمن حضر، وهم غالبا من أهل الداخل، وربما من عدد من المدعوين.
-ستنحصر قراراته في انتخاب تنفيذية جديدة تقصي الشخصيات غير المرغوب فيها، وتمهد للمرحلة القادمة.
-سيكون هناك استبعاد لشخصيات قيادية في التنفيذية وتقريب آخرين ربما من الأجيال الشابة داخل فتح تحديدًا.
-ربما يستثمر الرئيس عباس هذه الجلسة لاستدراج قرارات من المجلس الوطني تساهم في تعزيز سلطته ونهجه في مفاصل المنظمة لمحاصرة خصومه.
-لن يترتب على هذه الخطوة أي إجراء عملي بسبب انكشاف الهدف الحقيقي لها أمام الجميع، وبسبب تعالي الأصوات الرافضة لها من الأشخاص الذين يعوّل عليهم في إنفاذها، كاحتجاج سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني عليها.
خامساً: آلية التعامل وطنياً
ترى الشخصيات النخبوية، أن الخطوة التي أقدم عليها أعضاء اللجنة التنفيذية، تحتاج إلى خطوات مقابلة على الصعيد الوطني الفلسطيني، تتمثل في التالي:
-معارضتها وإظهار عورها القانوني والوطني، وكشف الأسباب غير الوطنية الدافعة لها.
-الدعوة لجمع الإطار القيادي الفلسطيني، ووضع خطة إصلاح للمنظمة.
-بناء المجلس الوطني على أساس أوزان حقيقية لتشكيل لجنة تنفيذية معتبرة.
-خلق كيانات مجتمعية قادرة على مواجهة الجمود الفصائلي، ورفض كل التوجهات الضيقة لأي فصيل فلسطيني.
-العمل على عزل جزء من قيادة السلطة التي لا تتردد في اتخاذ القرارات غير المتوافق عليها، واستمرارها في إدارة الظهر لأهم بند في اتفاق القاهرة عام 2005؛ وهو الدعوة الفورية لانعقاد الإطار القيادي الموحد.
-تشكيل ائتلاف وطني كبير تشارك فيه أحزاب وفصائل فلسطينية، ومن الممكن توسيع فكرة إنشاء الائتلاف لانتخاب تنفيذية جديدة تتكون من الأمناء العامّين للفصائل المؤتلفة، وهذه الخطوة تحتاج لتوفر إرادة وطنية لدى الفصائل في الإقدام على هذه الخطوة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...

حماس: إعدام السلطة لمسن فلسطيني انحدار خطير وتماه مع الاحتلال
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أدانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الجريمة التي ارتكبتها أجهزة أمن السلطة في مدينة جنين، والتي أسفرت عن استشهاد...

تعزيزًا للاستيطان.. قانون إسرائيلي يتيح شراء أراضٍ بالضفة
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام تناقش سلطات الاحتلال الإسرائيلي في "الكنيست"، اليوم الثلاثاء، مشروع قانون يهدف إلى السماح للمستوطنين بشراء...

أطباء بلا حدود: إسرائيل تحول غزة مقبرة للفلسطينيين ومن يحاول مساعدتهم
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من تحوّل قطاع غزة إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ولمن يحاول تقديم المساعدة لهم. وقالت المنظمة في...