الإثنين 12/مايو/2025

فتحي الخصيب.. مقاوم عنيد يأسر سجانيه (بروفايل)

فتحي الخصيب.. مقاوم عنيد يأسر سجانيه (بروفايل)

حب الشهادة كان دافعه، وانتماؤه لفلسطين كان عاملاً حاسماً في إصراره العجيب أن يكون استشهادياً قسامياً يفدي بأشلائه أبناء شعبه من الأيتام والمقهورين والمشردين بفعل ممارسات وجرائم الاحتلال الصهيوني.. قدر الله جعله يقع أسيرا داخل سجون الاحتلال، ورغم القيد الذي التف على معصميه ليقيده، إلا أنه بات آسرا لسجانيه بهمته العالية وتحديه لهم لينتزع حقوقه بشتى الوسائل، كما حدث في إضرابه الأخير عن الطعام. 

إنه باختصار شيخ الاستشهاديين فتحي رجا الخصيب “أبو مصعب”، والذي ورغم مرور عقود طويلة من عمره إلا أنه سارع ليكون جندياً في صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام كأحد الاستشهاديين الراغبين بتأدية واجب الثأر المقدس، فكان من الثلة المجاهدة التي رافقت القائد المهندس الأسير عباس السيد.  

ويكفيه فخراً أنه كان أحد أولئك الذين كانت لهم بصمة واضحة في عملية الثأر المقدس، والتي عُدّت الأعنف والأشد في تاريخ العمليات الاستشهادية، والتي نفذها الاستشهادي عبد الباسط عودة في قلب مغتصبة نتانيا، حيث كان “أبو مصعب” آخر من ودع الاستشهادي ليعود آملاً أن  يكون هو استشهادي العملية القادمة.

كفاح الحياة

ولد الأسير القسامي في قرية قفين شمال طولكرم بتاريخ 1/1/1960م، وهو متزوج وله 14 من الأبناء، 10 ذكور و 4 إناث.

وعلى الرغم من كثرة الأبناء إلا أنه استطاع بعد توفيق الله توفير حياة كريمة لزوجاته الثلاث وأولاده؛ حيث وفر قوت أهله ومتطلبات المعيشة من خلال عمله الذي تركز في المناطق المحتلة عام 1948م وهذا ما ساعده على إتقان اللكنة العبرية، ومعرفة كل الطرق والشوارع الرئيسة والفرعية مما سهل مهمة توصيله للاستشهادي عبد الباسط عودة بطل عملية الثأر المقدس.

لقد عمل القسامي فتحي في مهنة التمديدات الصحية داخل المناطق المحتلة عام 48م منذ عام 1978م، وفي عامي 1983م و1984م عمل في بيت “يهودا بارك” الذي كان يشغل في حينها قائد “المنطقة الوسطى”، وفي عام 2001م بدأ عمله كمتعهد في التمديدات الصحية داخل المباني، وكان أيضا يعمل كسائق سيارة أجرة ليؤمّن الحياة الكريمة لأبنائه.

أنهى المرحلة الثانوية من تعليمه في سجون الاحتلال، وهو الآن يسعى للحصول على شهادة البكالوريوس من داخل سجنه أيضا.

مسيرة جهادية حافلة

بدأ تاريخ “أبو مصعب” الجهادي مع انطلاقه نحو معترك الحياة كأحد الشباب الطامحين بالخلاص من براثن الاحتلال البغيض، فابتدأ العمل بدافع شخصي بملاحقة العملاء المتعاونين مع الاحتلال وتهديدهم عبر الشعارات التي كان يكتبها على جدران بلدته، حيث اعتقل في عام 1980م مدة ثلاثة أيام متتالية على خلفية ذلك.

وما أن دخلت الانتفاضة الأولى عامها الأول حتى بادر إلى الالتحاق بركب حركة حماس وليدة النشأة في حينها، فاعتقل للمرة الأولى بتاريخ 9/3/1989م بتهمة الانتماء لحركة حماس لمدة 16 شهراً، وبعد خروجه من السجن بعد 26 يوماً ذهب لاستلام هويته العسكرية، فتم اعتقاله مدة أربعة أيام أخرى.

ولم توقف هذه الاعتقالات مسيرته الجهادية؛ حيث بدأ بتصنيع الأنابيب والأكواع المتفجرة بحكم خبرته في مجال التمديدات الصحية، ومن ثم انضم إلى مجموعة الشهيد عبد الله عزام- المنطقة الشمالية، أحد أجنحة حركة حماس العسكرية، ليرى المحتل منه صنيعا لم يشهده من قبل.

 ففي عام 1994م وإذ بقوة صهيونية تحاصر البيت وتقوم بأسره، ثم تلقي به في مهاوي التعذيب الجسدي والنفسي بكافة أشكاله وأنواعه الوحشية مدة لا تقل عن 73 يوماً في أقبية تحقيق سجن نابلس المركزي، والتهمة نشاطه العسكري، لكنه أظهر صلابة في التحقيق ولم يعطِ الاحتلال أي معلومة، وهكذا صار به الأمر إلى إن مكث في نفس السجن ثمانية شهور حتى منّ الله عليه بالفرج.

ومع انطلاق انتفاضة الأقصى انضم أبو مصعب للعمل الجهادي مع الأسير القائد عباس السيد، وأصر أن يكون استشهادياً في عملية الاستشهادي عبد الباسط عودة لتكون عملية مزدوجة، إلا أن الأسير السيد أخبره أن دوره لم يحن بعد، فكانت مهمته توصيل الاستشهادي عبد الباسط إلى هدف مرتقب.

فما كان منه إلا أن توجه إلى داخل المناطق المحتلة عام 48م في 26/3/2002م واستطاع شراء سيارة من نوع “رينو اكسبرس” ذات الرقم 27-222-06 تحمل لافتة “للبيع” من امرأة عجوز صهيونية بالنقود التي تسلمها من القسامي مهند شريم.

 كما حصل على هوية تم تزويرها، وتحمل اسم “يحيى العبد” زوده بها القسامي مهند بعد أن وصلت من منطقة نابلس، وذلك بناء على طلب القائد القسامي عباس السيد، وبهذه الهوية استطاع القسامي فتحي اجتياز الحواجز والوصول إلى قلب “تل أبيب”، حيث تمت عملية شراء السيارة في مكتب البريد.

ثم جاءت لحظة الحسم حيث انطلق القساميان الاستشهادي عبد الباسط ورفيقه “أبو مصعب” يبحثان عن هدف يعجّ بالمغتصبين المحتلين في كل من هرتسيليا ومن ثم تل الربيع وصولاً إلى نتانيا التي كانت معلومة الأماكن والتجمعات بالنسبة للاستشهادي عبد الباسط عودة، حيث ترجل من السيارة ودخل مطعم بارك الذي كان يعج بمئات المحتفلين بما يسمى “عيد الفصح”.

وفي قلب قاعة الطعام دوى انفجار هزّ المطعم بالكامل، وأتى على سقفه الذي خرّ مسرعا وجوانبه التي تهاوت في مشهد لم يرَ مثله الاحتلال من قبل،  وقتل فيه 32 صهيونياً، وجرح ما لا يقل عن 180 معظمهم في حالة الخطر.

محنة السجن

بعد شهرين من تنفيذ العملية، وفي لحظة انتظار الموعد القادم لضرب ثكنات وتجمعات الصهاينة، وفي ليلة 8/5/2002م، وإذا بقوة كبيرة من الجيش الصهيوني تحيط بمنزله من جميع الجهات، مستخدمين هذه المرة دبابات ومجنزرات وجيبات همر مصفحة وطائرات أباتشي حلقت فوق المنزل.

وبرباطة جأش وهامة مرفوعة استفزت الصهاينة خرج من بيته، فانهالوا عليه بالضرب المبرح أمام ناظري أهله وأبنائه، وتم تفتيش البيت بطريقة وحشية، واقتيد بعدها إلى مركز تحقيق “الجلمة”، واستمر استجوابه مدة 65 يوماً، لينقل بعدها إلى سجن “هداريم” بتاريخ 21/7/2002م، حيث الأوضاع الاعتقالية الصعبة وشدة الإجراءات الأمنية والعزل طوال الوقت في غرف صغيرة.

وبتاريخ 14/4/2003 حكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة 29 مرة و20 سنة إضافية في محكمة سالم العسكرية في جلسة مفتوحة لوسائل الإعلام.
 
ورغم قسوة الحكم إلا أن الأسير القسامي أطلق كلمات هزت قاعة المحكمة وقضاة الاحتلال وسجانيه قائلا “إن ما حال بيني وبين تنفيذ عملية استشهادية مماثلة للتي نفذها الاستشهادي عبد الباسط عودة هو الأسر والاختطاف من المنزل”.!!

وأعرب في الوقت نفسه “عن عدم ندمه” وقال بصوت مرتفع لوسائل الإعلام “أنه طالب شخصياً بتنفيذ عملية مماثلة”، مما دفع أحد قضاة الصهاينة العسكريين بطلب إنزال حكم الإعدام بحق الأسير القسامي فتحي، وكذلك بمن حكموا معه بنفس الحكم على نفس التهمة الأسرى القساميين مهند ومعمر ونصر.

آسر سجانيه

وبطبعه الذي لا يقبل الظلم والإهانة؛ وقف أبو مصعب مؤخراً في وجه سجانيه متحدياً ممارساتهم القمعية بحق، فأعلن إضرابه المفتوح عن الطعام، مطالباً بوقف تلك الإجراءات وتحقيق مطالبه.

وبعد 23 يوماً من الإضراب خضع سجانوه لمطالبه وقبلوا بشروطه، وفي أنفاس إضرابه الأخير، وبعد قبول إدارة السجن بتنفيذ مطالبه مقابل فك إضرابه، إلا أنه فاجأهم بأنه لن يفك إضرابه قبل الحديث مع عائلته فوافقت إدارة السجن على هذا المطلب.

 حيث اتصل بعائلته مطمئناً لهم، ومعرباً عن فرحته بالنصر، قائلا لهم “لو كنت أعرف أنني سأنتصر بهذه السرعة، لرفعت سقف مطالبي”، على مسمع من سجانيه الذين اشتاطوا غضباً.

وأخبر عائلته أن إدارة السجون وافقت على السماح لأحفاده ووالدته بزيارته، ووقف التنقلات التعسفية بحقه، والسماح له بإدخال علاج لمرض “البهاق” الذي أصيب به قبل إضرابه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات