الثلاثاء 13/مايو/2025

ذكرى النكسة.. حين لا يراوح الدمار ذاكرة المهجّرين

ذكرى النكسة.. حين لا يراوح الدمار ذاكرة المهجّرين

كأنها وقعت بالأمس وصورتها حاضرة لا تغيب.. يروي من عاصرها وشاهدها حكاية الدمار والإجلاء ونظرة الحسرة ومشهد الانكسار في صفوف المهجرين المحتلة ديارهم بدبابات وجنود الاحتلال.. إنها ذكرى “النكسة” أو “حرب الأيام الستة” أو “النكبة الثانية” عام 1967؛ حيث تعددت أسماؤها كما تعددت انكساراتها.. هنا في فلسطين وهناك في الجولان وهنالك في صحراء سيناء.

“النكبة الكبرى والتي أجمع العرب على تسميتها بنكسة أذكرها وكأنها تجري اليوم”، يقول د. جمال عمرو أستاذ الهندسة المعمارية وتخطيط المدن في جامعة بير زيت لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” ويضيف: “النكسة ما هي إلا اكتمال لنكبة فلسطين عام 1948م، فبعد تسعة عشر عامًا اكتملت أركانها، كانت عائلتي قد شهدت وقائع النكبة الأولى بكل تفاصيلها وآلامها وأحزانها؛ حيث فقدوا فيها منزلهم وثلاثة آلاف دونم من أراضيهم، ولم تنتهِ النكبة الأولى حتى جاءت النكبة الثانية عام 1967 أشد سوءًا من نكبة عام 1948م”.

اكتمال النكبة

ويضيف عمرو: “الاحتلال أكمل احتلال فلسطين وصحراء سيناء والجولان عام 1967م، وهي نكبة مدوية شهدناها لأننا ولدنا وترعرعنا فوق هذه الأرض لنشهد على نكبة عام 1967م، وهي المرة الأولى التي شهدنا مشاهد لم نعرفها من قبل؛ فقد كانت الطائرات الحربية تحلق فوق سماء القدس بأحجام كبيرة وذات قدرة عسكرية هائلة، ودبابات مجنزرة تمركزت على مداخل وأحياء مدينة القدس”.

ويشرح بقوله: “لحظات مؤلمة، وساعات عصيبة جدًّا شهدتها مدينة القدس؛ حيث اختبأ فيها المواطنون بأماكن بسيطة، فلم يكن هناك ملاجئ للحرب، ولم يكن هنالك تحضير حقيقي لحربٍ بهذا الحجم، فقد كان الرصاص ينهار ويتطاير على سكان حي واد الجوز من المعسكر القائم على أرض بلدة الطور، وكنت شاهدًا أيضًا على دم أحد الشهداء قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة؛ حيث وضع كفه الممتلئة بالدماء على جدارٍ حتى يعرف جثته من يجده، وقد جمعت جثامين الشهداء من أزقة وحارات وبلدات القدس في تلة الذخيرة، ودُفنت في قبر الجندي المجهول المعروف حاليًّا بمقبرة باب الأسباط”.

هذه المشاهد المروعة لم تكتمل إلا بمشاهد أشد فظاعة عندما تقدمت الدبابات الصهيونية وحشود من الجنود بمركبات متنوعة  الأشكال والألوان، حسبما يروي عمرو؛ حيث أردف: “لم نكن نشهد لها مثيلاً من قبل، وحالة من الخوف والفزع والترقب سادت مدينة القدس، فقد غادر الكثير من مواطني المدينة إلى أماكن آمنة في الضفة الغربية، ولكنهم أيضًا وجدوا أن الجيوش الصهيونية تستقبلهم هناك بالخوف والرعب، ومن ثم غادروا إلى الأردن”.

خيبة أمل

ويتابع: “بعد صمود الجنود الأردنيين في جبل المكبر وشعور أهل مدينة القدس بأن هناك من يدافع عنهم ويؤازرهم، سرعان ما انتكست هذه اللحظات من الصمود، وبعد أن انهارت الدفاعات الأردنية والشعبية تقدمت جنود ودبابات الاحتلال من الجانب الجنوب شرقي لمدينة القدس وبدأوا بالصعود إلى المسجد الأقصى من باب الأسباط؛ حيث كان عن يمين ويسار باب الأسباط مجموعة من جثامين الشهداء الأردنيين، والذين استشهدوا جراء قصف مئذنة باب الأسباط، اتجه الجنود إلى الأقصى واقتحموا ساحاته.. كانت لحظة مدوية وعصيبة للغاية؛ حيث انتكست مدينة القدس برجالها، فما كان منهم إلا أن لبسوا الكوفية الفلسطينية وستراتهم على غير عادتها “بشكل عكسي”؛ تعبيرًا عن أقصى درجات الشعور بالانكسار والمذلة والحزن العميق”.

ويحكي عمرو أن جنود الاحتلال عند دخولهم لساحات المسجد الأقصى كانوا يهتفون “محمد مات، وخلف بنات”، وكانوا راقصين ويتصرفون في حالة من الهوس، غير مصدقين أنهم في ساحات المسجد الأقصى، وفور دخولهم استولوا على الزاوية الجنبلاطية، وتمت مصادرة مفاتيحها، وعدّوها نقطة عسكرية بأيديهم، كما تعمدوا الصعود على سطح قبة الصخرة ووضع العلم الصهيوني على قبتها للدلالة على شعورهم بالنصر وتحرير جبل الهيكل كما يدّعون، كما استولوا على مفتاح باب المغاربة منذ ذلك الحين وحتى اليوم.

كابوس طويل

وينهي عمرو حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” قائلاً: “الأجواء السائدة عام 1967م كانت تُعبر عن أنها مجرد نكسة وستنتهي غدًا أو بعد غد، ولكنها منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا لا تزال ماثلة في حياتنا اليومية، ونذكرها بكل حسرة وألم، ولا تزال آثارها النفسية تلاحقنا في ذاكرتنا”.

أما المقدسي أبو عابد النتشة فيستذكر “نكسة القدس” عام 1967م؛ حيث كان عمره ثمانية عشر عامًا، ويقول: “في ساعات الظهيرة وقعت القدس تحت أيدي الاحتلال.. كنت يومها في محل والدي في سوق خان الزيت؛ حيث ذاعت الأخبار بين الناس تفيد بأن جيش الاحتلال دخل مدينة القدس من طريق مندل بوم، أغلقت المحل وتوجهت لمنزلي في حي واد الجوز”.

القدس.. “مدينة أشباح”

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “وسرعان ما دخل جيش الاحتلال القدس حتى بدأنا نسمع الرصاص والدبابات والطائرات الحربية في الجو، وتحولت القدس لمدينة أشباح، فقد فُرض منع التجول في الحارات وبين البلدات ومحيط القدس المحتلة، وتم توفير حافلات نقل للركاب عند باب العامود لنقلهم إلى مخيم شعفاط والأردن وغيرها من الأماكن”.

أما المواطن أبو محمد، فقد قال: “في الساعة الثانية والنصف بعد احتلال القدس اتجهت للبلدة القديمة، وشاهدت جيش الاحتلال عند المتحف الفلسطيني بالقرب من باب الساهرة، بعتادهم وبزّاتهم العسكرية مستعدين للقتال والحرب”.

في حين قال المواطن المقدسي أبو حمزة: “جنود الاحتلال كانوا يطلقون النار على كل شاب عربي يمشي في المدينة، وكان المواطنون عُزّلًا من غير سلاح، وهربوا جراء الحرب والرصاص إلى الجهة الشرقية من مدينة القدس، ورحل الكثير إلى مخيم شعفاط”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات