انتخابات بيرزيت.. مفهوم البعد الوطني لبناء المؤسسات (تقدير استراتيجي)

دفعت نتائج الانتخابات الطلابية التي أفرزتها انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت، ثاني أهم الجامعات الفلسطينية بالضفة من منظور التأثير على القرار السياسي بعد جامعة النجاح في مدينة نابلس، الكثير من المراقبين والمتابعين للحديث بإسهاب وتفصيل، وربما تقديم رؤى وخيارات أوجدت هذه النتائج، وربطها بمتغيرات محدودة لا تخرج عن الجو السياسي الفلسطيني الداخلي، والتنافس المحموم بين أكبر فصيلين على الساحة الفلسطينية؛ فتح وحماس.
إلا أن هذه القراءات بأهميتها، أبقت دائرة الفهم لمدلولات هذه النتائج ضمن دائرة ضيقة، ولم تمنح هذه التجربة الانتخابية المساحة الكاملة في الحديث عن مفهوم التطور الطبيعي للمشاركة وأبعادها الاستراتيجية التي يمكن أن تمنح المؤشرات المستقبلية، أو حتى التي تتطلب من الطرف الفائز في هذه الجولة أن يكون على دراية ووعي في استثمار هذه النتائج بشكلها الصحيح، ويمنح نموذجا للبعد الوطني الذي بات من الأهمية التركيز عليه على حساب الأفق الوحدوي في مفهوم المشاركة السياسية وبناء المؤسسات.
وما يعزز هذه الرؤية في قراءة النتائج، أهمية الوعي الفلسطيني في أعقاب التجارب السابقة التي بنيت من منطلق التفرد في القرار، وكذلك في إدارة المؤسسة التي تشكل اللبنة الأساسية في بناء المشروع الوطني التحرري.
منطلقات فهم النتائج
في قراءتنا لنتائج الانتخابات الحالية، يتطلب التوقف عند منطلقات رئيسة مهمّة نفهم من خلالها نتائج هذه التجربة بشكل سليم، وتتمثل هذه المنطلقات في:
* التطور الطبيعي لنتائج الـ 5 جولات الأخيرة من الانتخابات: فإذا ما ألقينا نظرة سريعة على هذه النتائج لوجدنا أنه في العام الدراسي 2009 حصلت الشبيبة الطلابية على 24 مقعدا وكتلة الوفاء الإسلامية على 22 مقعدا، وفي انتخابات العام 2010/2011 امتنعت كتلة الوفاء الإسلامية من المشاركة في الانتخابات نتيجة الظروف السياسية والتضييق الذي تتعرض له، فيما شاركت حركة الشبيبة وحصلت على 31 مقعدا مقابل حصول باقي الكتل اليسارية الأخرى على ما تبقى من مقاعد المجلس البالغة 51 مقعداً.
أما نتائج العالم 2012 فقد أظهرت تراجع الشبيبة لتحصل على 26 مقعداً، مقابل حصول كتلة الوفاء الإسلامية على 19 مقعداً. وفي العام 2013 سجلت النتائج تراجعا للشبيبة لتحصد 23 مقعداً، فيما تقدّمت كتلة الوفاء لتحصد 20 مقعداً.
وفي نتائج الانتخابات الحالية 2014/2015 فقد حصدت كتلة الوفاء تقدما واضحا بحصولها على 26 مقعداً، وتراجع الشبيبة لـ 19 مقعداً.
* تجربة الضفة في المقاومة والصمود: فالضفة الغربية بحكم خصوصيتها الجغرافية والسياسية لا تزال ترزح تحت الاحتلال بكافة أشكاله ومقوماته، حتى في أعقاب اتفاق أوسلو وانسحاب قوات الاحتلال من بعض المدن والمحافظات، إلا أن الظروف أفرزت واقعا يختلف عن كل ما ورد في هذه الاتفاقيات. فكانت الضفة على موعد الانتفاضة الأولى، والثانية، والكثير من الهبات. ليس ذلك فحسب بل استخدم معها سياسية العصا والجزرة في سبيل إحداث تغيير في وعي الإنسان الفلسطيني.
هذه التجارب، التي راهنت الكثير من الأطراف على خلق الإنسان الفسطيني الجديد من خلال كسر إرادته أو انغماسه في الحياة اليومية، فشلت في تحقيق ذلك، وهذا ما ثبت في التجارب السابقة، والتجارب الحالية، وستثبت في تجارب مقبلة.
* الواقع الأمني: وهذا ينمزج فيه شقّان؛ الأول يتمثل في الواقع الأمني الذي يفرضه الاحتلال على الضفة، ويبقي حالة الخوف قائمة، والملاحقة والاعتقال والتضييق. والشق الثاني المتمثل في الواقع الأمني الذي تفرضة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، التي تضيق بشك كبير على أي فعاليات إلى جانب ممارستها من اعتقال سياسي واستدعاء.
هذا الواقع الأمني بشقّيه، على الرغم أنه أوجد حالة من التضييق وهامش الخوف لدى المواطن الفلسطيني بالضفة، إلا أنه أيضا أوجد حالة من الإصرار على رفض هذا الواقع، بل وإبقاء حالة من الوعي في الفكر المواجهة للفكر الذي يحاول إيجاده لدى الإنسان الفلسطيني بالتسليم بالحالة القائمة، والقبول بالتفرد في بناء المؤسسات وفق رؤية واحدة.
* تفردية قيادة المؤسسات: عانت المؤسسات الفلسطينية الوطنية من حالة تفرد في القرار الفلسطيني، وهذا تمثل بشكل واضح في طريقة إدارة حركة فتح للمؤسسات الوطنية على مختلف مستوياتها وتحويلها لمؤسسات الحزب الواحد، وهو ما يعني تغييب ما تبقى من شرائح المجتمع التي تمثل الغالبية، ورفض حركة فتح بشكل أو بآخر عملية المشاركة السياسية في اتخاذ القرار الفلسطيني حتى في ظل فتح أبواب المنافسة الديمقراطية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ ففي ظل إحكام القبضة الأمنية للأجهزة الأمنية على فعاليات الجامعات، خاضت الذراع الطلابية لفتح (حركة الشبيبة) الانتخابات مقابل بعض الكتل الطلابية الصغيرة، وكأنها تنافس ذاتها، وهو ما يعني أن الهدف ليس المشاركة الفعلية بقدر الحصول على كرسي القرار.!
إن هذه الحالة، خلقت في المفهوم الفلسطيني إمكانية البحث عن البدائل التي يمكن أن تلبي أقل الطموح إن لم يكن الكثير منه، وهذا ما أفرزته بعض التجارب الانتخابية من خلال صعود التيارات اليسارية على حساب تآكل قوة فتح في كثير من المؤسسات أو الهيئات التي جرت بها الانتخابات بالضفة.
عوامل التفوّق مقابل التراجع
في ظل ما تحدثنا به من منطلقات، يمكن أن نفهم النتائج التي أفرزتها تجربة جامعة بيرزيت في التقدم الواضح لكتلة الوفاء الإسلامية مقابل تراجع حركة الشبيبة الفتحاوية، وكذلك نتائج جامعة بوليتكنيك الخليل التي أفرزت صعود الكتلة الإسلامية لتتعادل مع حركة الشبيبة، وبالتالي يمكن أن نرصد العوامل التي ساهمت في تفوق الأولى وتراجع تأييد الثانية:
أولاً: أبجدية العطاء والثقة: تعرض تاريخ حركة فتح بأذرعها المختلفة ومن بينها الذراع الطلابي لهزات مختلفة، سواء من خلال عملية التفرد في إدارة الحالة الفلسطينية ورفض المشاركة، أو في مفهوم العطاء المبنيّ على عدم التكسب.
فحركة فتح ساهمت الكثير من الأخطاء التنظيمة والشخصية في تشويه الكثير من القيم المتمثلة في الفساد المالي والإداري إلى جانب عدم الاهتمام بالثقة التي يوليها لها المناصرون أو المقربون، وسرعان ما يتحول الأمر بعد انتهاء كل تجربة انتخابية إلى مجرد سيطرة نفوذ شخصيات ومناطق. هذه الحالة ظهرت جليا في كثير من الحالات والتي أسفرت عن انشقاقات داخل الحركة نفسها، وتراشق الاتهامات فيما بعد، وفضح الكثير من الأسرار الداخلية.
في المقابل؛ فإن الحركة الإسلامية وما تمثل من أطر وتفريعات، شهدت لها الكثير من الوقائع والتاريخ بالتزامها المنهجي والأخلاقي بعدم المساس بالمبادئ التي يلتقي عليها الجميع؛ بل إن هناك تجارب على صعيد الأطر الطلابية دفعت بالكثير من المؤيدين والمناصرين لحركة فتح وغيرها بمنح أصواتهم للكتلة الإسلامية؛ ليقينهم بأحقيتهم في ممارسة المسؤولية التي من شأنها المساهمة في خدمة هذه الشريحة المجتمعية الرئيسة.
ثانياً: الانغماس في مشروع التسوية والقبول بالممارسات التي أفرزتها الاتفاقيات؛ فحركة فتح لم تستطع أن تفصل بين السلطة والحركة، لدرجة أن التماهي أصبح أمرا واقعيا ويستحيل الفرز من خلاله ما بين هو حركة وما بين هو نظام سلطة، وهذا انعكس بشكل واضح على كافة أطر الحركة من فعاليات نقابية وغيرها.
ففي الوقت الذي عانى منه طلبة الجامعات ولا يزالون من سياط الاعتقال السياسي والاستدعاء والحرمان من الحصول على حقهم في التعليم، لم يكن هناك أي صوت أو موقف من داخل الأطر الطلابية الفتحاوية في منع أو التعبير عن رفض هذه الممارسة أو حتى وقفة تضامن واحدة، هذه الحالة دفعت بتشكيل صورة تتجمع جزئياتها في إطار كامل لا يمكن أن يتجزأ أمام الإنسان غير المؤطر سياسياً.
ثالثاً: صدقية منهج المقاومة والثبات عليه؛ فلا يمكن أن يتم التغاضي عن دور الثبات على منهج المقاومة في سبيل تعزيز الكينونة الفلسطينية في وقت أبدت كافة الخيارات فشلها أو عدم واقعيتها في تحصيل الحقوق، وهذا يبرز في حالتين مركزيتين:
*الأولى تنبثق من واقع الضفة الغربية نفسه؛ فعلى الرغم مما عانته الضفة من واقع أمني صعب، إلا أن روح المقاومة، والثبات عليها في نفوس الشباب الفلسطيني جعل منها مفخرة في نموذج الشباب الذي لا تمنعه كل الصعاب من رفض واقع الاحتلال وممارساته. فالعمليات الفردية للمقاومة التي خاضها ولا يزال شباب الضفة كانت واحدة من بين المحركات الرئيسة لكثير من المعاني في النفس المقاومة للقضية رغم الكثير من المحاولات في تغيير هذا الوعي لدى الشباب.
* الثانية تنبثق من تجارب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة؛ فهذه التجارب التي سجلت الكثير من واقعيتها ومصداقيتها خلال المواجهات، جعلت منها نموذجا واقعياً وحيًّا، يمكن من خلاله أن تحفز الوعي الشبابي في رفض الكثير من الأفكار أو الممارسات التي يمكن أن تفرض عليه.
رابعاً: كسر حاجز الخوف؛ فقد خلقت حالة الانقسام السياسي الفلسطيني وما تبعه من حملة تجييش وعسكرة حالة من الخوف لدى جيل الشباب، حتى انعكس ذلك على الشخصية الذاتية لكثير منهم، سواء بتغييبهم بشكل كامل عن المجتمع، أو التغييب الروحي والنفسي من خلال إعادة مفهوم العلاقة الاجتماعية التي تقوم عليها الحياة اليومية الفلسطينية.
إلا أن إرادة الشباب، وثباته وتضحياته، كما حدث في كثير من الاعتصامات داخل أسوار الجامعات والإضراب عن الطعام وبالتحديد في جامعة بيرزيت، كان لها الدور في إعادة خلق الوعي من جديد، وكسر حاجز الخوف وتعزيز الإرادة في أحقية ممارسة الدور لهذا الشباب.
هذا إلى جانب الجهد المبذول في يوم الانتخابات؛ حيث انعكست حالة الإصرار لدى الشباب على رغبته في رسم معالم المرحلة المقبلة من خلال رفع نسبة التصويت لتبلغ 77% بعد أن كانت 71٪ وهو ثمرة جهد نشاط ميداني وإعلامي كبير.
خامساً: حالة الانفتاح وتقبل الآخرين؛ لا يمكن أن تغيب حالة الفتاة الفلسطينية الكاشفة عن شعرها والتي اشتهرت بمشاركتها في فعاليات الدعاية الانتخابية للكتلة الإسلامية في انتخابات جامعة بيرزيت عن ذهن المراقب والقارئ لنتائج الانتخابات.
هذه الصورة، التي أرادت بعض الأطراف استغلالها بمفهوم سلبي، لم تكن الحالة الفريدة والوحيدة لتدلل على حالة الانفتاح التي رسمتها الكتلة الإسلامية في تاريخها كح
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

45 شهيدًا بمجازر إسرائيلية دامية في مخيم جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 45 مواطنًا على الأقل وأصيب وفقد العشرات - فجر اليوم- في مجازر دامية ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدما...

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...