السبت 04/مايو/2024

الدعوات لزيارة المسجد الأقصى.. رد على الشبهات وتبيان للمخاطر (دراسة)

الدعوات لزيارة المسجد الأقصى.. رد على الشبهات وتبيان للمخاطر (دراسة)

تمهيد:
لم تكن مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني لتثير حفيظتي لو أنها جاءت من شخصيات سياسية مطبّعة فقد اعتدنا منهم هذه الاستفزازات لمبررات واهيات، بل إنهم لا ينتظرون تبريراً أصلاً ما دام ذلك يتوافق مع مراد حلفائهم السياسيين في العالم ؛ ولكن الذي يدفع المرء للغضب جداً هو جرأة نفر من الفقهاء والعلماء والدعاة على صدم مشاعر المسلمين واستفزازهم بمعية أرباب الحكومات ؛ وهو أمر ينبغي أن نقف عليه طويلاً : فما سر أن يتوجّه بعض أعلام الدعاة والفقهاء والمثقفين والفنانين إلى بيت المقدس برعاية حكومات عربية تفتح أبوابها للتطبيع بأنواعه، وتعلن اعترافها بالكيان الصهيوني، واعترافها باحتلال شطر كبير من القدس نفسها – وأعني به الشطر الغربي من المدينة المحتلة  – ؟ ، ولماذا يترافق هذا مع دعاية سياسية عالية الطنين في ضرورة زيارة هذه الأماكن؟ بل إن السلطة الفلسطينية في رام الله وهي واحدة من أكبر أجهزة التطبيع للأسف وعلى رأسها التطبيع السياسي والأمني لا تكتفي برفع الصوت في كل منبر سياسي للدعاية للتطبيع، بل تسعى لتسهيله وتنظيمه بموافقة إسرائيلية كاملة وتصريح زيارة موثق ، وفيها شروط إسرائيلية واضحة بعدم دخول المرفوضين أمنياً !

وقد تابعت مع كثيرين حجج المطبعين من هؤلاء القوم ، ولا يعنيني هنا أن أذكر أعيانهم فقد جهروا بعملهم وبعضهم ما زال يدافع عن خطيئته فيما التزم بعضهم بالاعتذار الضمني، فأنا أتعامل هنا مع الأفعال وليس الأشخاص ، ولا أبيح لأحد أن يستخدم نقاشي وكلامي في خصوماته السياسية والفكرية للانقضاض على أحد، والعبرة عندي أن ما فعله هؤلاء خطيئة يجب بيانها وكشف الشبهات فيها ، ولست هنا في معرض الجدال الأصولي أو الفقهي الذي لا يمس جوهر ما نتحدث عنه إذ إن بعض الجهات تستخدم مشروعية زيارة المسجد الأقصى واستحبابها للتغطية على الجريمة التي ارتكبوها وهو ما سنفصله في هذه الورقات ، وما يعنيني أيضاً هو أن أكشف للفقهاء والعلماء خطورة هذا الفعل الذي يقع فيه بعض المجترئين دون سؤال لأهل العلم والشأن ، وأن أساعد هؤلاء العلماء في تفنيد شبهات بعض المنتسبين إليهم ممن لبَّست عليهم كثرة مرافقتهم للسلاطين وتزيين ذلك لهم .

الحجة الأولى : لا توجد أختام إسرائيلية على الجواز !
الختم على جواز السفر هو من أفعال السيادة التي تمارسها الدول على أراضيها بإعلان الدولة موافقتها على دخول الأجنبي إلى أرضها ، وهو ما تفعله سلطات الكيان الصهيوني مع كل أجنبي أو فلسطيني  غير مقيم في القدس راغب في زيارة بيت المقدس ، ولأن الصهاينة يعلنون سيادتهم الكاملة على بيت المقدس دون اكتراث لوضعها القانوني في الشرائع الدولية التي تعتبر الشطر الشرقي من القدس أرضاً محتلة ، والتزام جميع دول العالم بالإجراءات التي يفرضها الاحتلال لدخول المدينة ، فإن هذه السيادة في عرف القانون الدولي سيادة ذات بعد قانوني أيضاً لأن الدولة المحتلة مسؤولة عن الأرض التي تحتلها والسكان الذين فيها.

وحتى تكون الحجة واضحة فإن السلطات الإسرائيلية أدخلت الضيفين الكبيرين من البوابة الرسمية التي يدخلها الرسميون العرب أثناء زياراتهم السرية لهذا المكان ، فقد دخل الضيفان من باب الأسباط الذي هو أيضاً تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة ، ومنه تدخل الجماعات الاستيطانية المتطرفة وقوات جيش الاحتلال وشرطته عند تصاعد الأحداث داخل أسوار المسجد الأقصى .

ولأن الحاجة الإسرائيلية كبيرة جداً في حث العرب والمسلمين على زيارة المسجد الأقصى والسياحة فيه كما سأشرح بالتفصيل فقد راعت الدولة الصهيونية بالاتفاق مع أصدقائها العرب على تخفيف مظاهر السيادة الإسرائيلية والتي تتسبب في اعتراض العلماء والمثقفين والسياسيين الوطنيين على هذه الإجراءات الصهيونية ، ولذلك لجأ هؤلاء إلى حيلة جديدة تتمثل في إعداد قوائم سفر أو جوازات مؤقتة لمن ترشحه الدولة الصديقة للزيارة ، شرط موافقة الدولة الصهيونية عليها ، واستكمال الإجراءات السيادية المعتادة على هذه الوثائق التي لا يطّلع عليها الواقعون في مؤامرة التطبيع . أي أن هؤلاء المشايخ الذين وقعوا في فخ التطبيع حصلوا على موافقة إسرائيلية كاملة وختم إسرائيلي على وثيقة رسمية تحوي أسماءهم. 

ودولة الكيان الصهيوني التي تجعل من القدس عاصمة أبدية وموحدة لها لا تجامل في أمر فرض سيادتها على هذه المدينة ، ومن يظن غير ذلك فهو واهم ، وإن ما تفعله مع حلفائها هو تيسير الإجراءات بما يهوّن من شأن الاستفزاز لضمان مصالح أكبر .

الحجة الثانية : الزيارة دعم كبير لصمود القدس وأهلها ! ولا يجوز ترك القدس وحدها بيد اليهود !
تبدو هذه الحجة العاطفية مقنعة للعامة نظراً لسطحيتها وسهولة تسويقها وبروز بعض الجهات الفلسطينية المروجة لها وهي جهات تطبيعية معروفة تورطت في أكثر من التطبيع إلى حيث التنسيق الأمني اليومي حفاظاً على المصلحة الأمنية الصهيونية أولاً بتدمير البنية التحتية للمجاهدين وعزلهم عن المجتمع الفلسطيني، ويزعم هؤلاء أن القدس باتت وحيدة في مواجهة المحتل وأنها لا تجد من يناصرها في مواجهة التحديات الصهيونية الضخمة وأن حضورنا الدائم هناك يمنع المحتل من الاستفراد بالمدينة ويعزز الرقابة عليها ، وأن ذلك يكشف عن الجرائم اليومية بحق المدينة .

وهذه التقريرات المذكورة هنا لا تحتاج إلى زيارة تطبيعية لكشفها فالإعلام المتخصص والعام يكشف منذ عقود عن الوجه القبيح للصهيونية وأعمال التهويد الدؤوبة ، وهناك عشرات المؤسسات العربية والإسلامية ومئات المؤسسات المقدسية التي تناضل من أجل وضع العرب والمسلمين في صورة ما يجري دون أن تحظى أعمالهم بالحضور الملائم ، وكان أولى بالعلماء والدعاة أن يستمعوا لصرخاتها وأن يعلنوا تضامنهم معها وأن يفتحوا المجال في منابرهم للمساهمة في واجب الإعلان والتبليغ على الأقل ، وهو الأمر الذي قل أن تجده فيهم إذ لم يجعلوا من هذه القضية أولوية لهم ، بل كانت إن أحسنّا الظن في قائمة اهتماماتهم !.

والقدس لم تكن يوماً وحدها فالمقدسيون اليوم الذين يقطنون في محافظة القدس يزيد تعدادهم عن ربع مليون، لكن المشكلة أنهم محرومون من الزيارة في مواسم كثيرة ، بل إن الفلسطينيين في الضفة الغربية صارت الصلاة في القدس من أحلامهم التي يفعلون الكثير لجعلها حقيقة ، وإذا كان من جهد يبذل هنا فهذا الجهد ينبغي أن يكون في توطين هؤلاء المقدسيين وتمكينهم من حماية الأقصى والرباط فيه ، ولا يمكن لزيارة عابرة أن تقدم شيئاً يذكر في مواجهة الآلة الصهيونية اليومية التي تفعل الكثير كل دقيقة .

ولا يعني هذا أننا نعني الفلسطينيين والمقدسيين وحدهم بل إننا ندعو كل من يحمل جوازاً لدولة أجنبية غير عربية أو مسلمة تعترف بالكيان الصهيوني أن يذهب إلى المدينة ويشارك في فعاليات التضامن والنصرة بكل ما أوتي من قدرة ، وندعو أهلنا في الأرض المحتلة عام 1948 وفي أرض الجولان السوري المحتل أن ينصروا القدس بحضورهم لأن هذا الحضور لا تستفيد دولة الكيان الصهيوني منه بل إنه يكاد يكون مرفوضاً لديهم ، فهم يريدون زيارات تخدم خططهم السياسية والاقتصادية والأمنية ، لا زيارات تفتح المجال لمواجهات وصراعات ، ولو أن العلماء والفقهاء الذين بادروا إلى مفاجأة الناس بفعلهم هذا حثوا الناس على هذا الأمر ويسروا لهم أسبابه بما لهم من علاقات وإمكانات لكان أولى وأجدر بالثناء والقبول .

والمشكلة اليوم ليست في أن نترك المحتل يفعل ما يشاء لأنه يفعل ما يشاء حقاً في القدس دون رادع ، وإنما المشكلة هي في عجزنا عن الردع  حتى بكلمة موجعة مؤثرة ، فهو يفعل ما يشاء ويعلن عن ذلك بوقاحة وتفصيلٍ، ويفتخر بذلك في كل مكان ، ولو أننا تقصينا ما يعلن المحتل عنه من سياسات التهويد وأعمالها لأغنانا عن كثير من المشاهدات فهذه اعترافاته المعلنة .      

ولابد هنا أن نوضح أن إمكانيات المقدسيين في استيعاب الزائرين محدودة جداً ، وغالباً ما تكون البنية التحتية العربية محجوزة من الفلسطينيين وكبار السن الذين يتوافدون على المسجد الأقصى حين لا يكون المنع فعالاً ، ولذلك فإن أي زيادة في زيارات الأماكن المقدسة من خارج فلسطين ستتجه نحو المرافق الإسرائيلية في القدس الغربية المحتلة ، وستدخل أموال الدعم الموعودة في جيوب الصهاينة .

وبمعنى آخر فإن هذه الزيارات لهؤلاء الدعاة لا تحقق معنى النصرة ولا تزيد الأمر وضوحاً ولا تقدم وسيلة دعم أو إسناد بل ضررها أكبر من ذلك كما نشرح.

الحجة الرابعة : السلطات الشرعية الفلسطينية شجعتنا على الزيارة ورحبت بذلك علناً .
السلطة الفلسطينية اليوم سلطة خرجت نتيجة التزام دولي وموافقة إسرائيلية وتقديرِ مصلحة إسرائيلية أيضاً ، وهي اليوم تقوم بدور النائب عن المحتل في تقديم الخدمات للفلسطينيين وتحمّلها أعباء تحصيل الدعم والمعونة والمساعدات الدولية ودور تأمين الاحتلال ومنع الاعتداء عليه والإجهاز على أي مقاومة ضده ، ومشروع هذه السلطة من أوله إلى آخره هو مشروع إداري وأمنيّ ليس فيه شيء من المصلحة الشرعية ، بل إن هذه السلطة أخلت بواجب الجهاد و انضمت إلى الغاصب المحتل فهي سلطة نيابة عن المحتل وغير شرعية بالمفهوم الديني ، وغاية هذه السلطة كما شرحنا مراراً أت تستمر في تحصيل الأموال لدفع رواتب العاملين فيها وتنظيم دخول المساعدات المشروطة وإدارتها ، وهي اليوم معروفة بأنها فاشلة سياسياً لم تستطع تحقيق أي إنجاز سياسي ألزمت نفسها به ولا تملك أية خيارات سوى التفاوض مع المحتل لتحصيل بعض المكاسب المؤقتة لا تحصيل حقوق ثابتة .

وهذه السلطة الفاشلة العاجزة المكلفة بهذه الأمور تحتاج إلى امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد من عجزها وتخلف برنامجها وسقوط رؤيتها السياسية فلذلك تعمل هذه السلطة ليل نهار من أجل تلويث كل من تقدر على تلويثه بالتطبيع، للاحتجاج به على سوء سلوكها وسقوط رأيها في جعل التطبيع سلوكاً مقبولاً .
وأكثر من كان يحتفي بزيارات الدعاة إلى القدس هم رموز التطبيع الذين عُرف عنهم الإغراق في التنسيق الأمني ومواجهة الحالات الجهادية ضد الاحتلال . لأن ذلك من شأنه أن يشجّع الكيان على تقديم تنازلات تفاوضية، وتجعله يتخذ قرارات “شجاعة” بطمأنينة ودون خوف كما يزعمون.

وبوضوح شديد فإن السلطة الفلسطينية اليوم هي أحد أهم أدوات التطبيع في المنطقة وأخطر جسورها بغرض تحقيق التواصل غير المباشر مع الصهاينة من خلال جهات ” فلسطينية محايدة ” . ويجدر هنا التوضيح بأن سلطات الكيان الصهيوني لا تمانع في وصول أي  شخصية دينية أو أدبية إلى مناطق السلطة. بل هي ترحّب بذلك، ما دام الزائر يأتي بموافقتها أو علمها ولن يمارس أي دعوى تحريضية ضدها وسيخدم دعواها الديمقراطية القائمة على احترام الخصوم ( لا الأعداء). ومن المهم الرد على ما يروج له سياسيوا السلطة بأن زيارة السجين هنا في فلسطين ليست تطبيعاً مع السجان.  وهي مقولة مضللة تعتمد عنصر المشابهة في الوصف وتتجاهل المقدمات والنتائج، والدليل أن السجّان الصهيوني يشجّع على هذه الزيارة ويسهّل إجراءاتها، وفي الوقت نفسه يضع العقبات أمام أهل المعتقلين الذين يرغبون في زيارة أبنائهم . ونقول لكل عالم وداعية ومثقف: إننا نحن نحتاج إليك خارج هذا السجن، كي ترسم لنا آفاق الحريّة الممكنة.

وإذا كان هؤلاء الدعاة بحاجة إلى من يعرفهم بالواقع ويشرح لهم خطورة أعمالهم فهناك جهات علمية ودعوية إسلامية كثيرة تعي خطورة هذا الأمر وهي مستعدة أن تعينهم على الفهم ، ولا يستطيع أحد حتى من رموز هذه السلطة الفلسطينية أن يزايد على أمثال الشيخ رائد صلاح والحركة الإسلامية في 48 وهي التي تجعل من حماية الأقصى واجبها وشعارها وسلوكها اليومي.

والشيء المؤسف أن الاحتلال بينما كان يرحب بزيارة الرجلين للقدس وييسر إجراءاتها كان شيخا القدس الشيخ حامد البيتاوي رحمه الله والشيخ رائد صلاح تتجدد قرارات منعهما من الاقتراب من المسجد الأقصى ودخول القدس.

الحجة الخامسة: الزيارة تحت ا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات