الخميس 09/مايو/2024

عين الحلوة.. صراع البقاء

عين الحلوة.. صراع البقاء

مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان، الصغير بمساحته، الكبير بعدد سكانه، يشبه باقي مخيمات لبنان بالشكل والعادات والتقاليد، لكنه يختلف عنها بتركيبته السياسية، والظروف التي مر بها خلال الأعوام الماضية ولاسيما منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم.

عوامل كثيرة جعلت من هذا المخيم عاصمة الشتات الفلسطيني بكل ما للكلمة من معنى، فأهالي المخيم يقارب عددهم 85 ألفاً، يضاف إليهم أكثر من 25 ألف لاجئ نزحوا من مخيمات سوريا، ليكتمل بذلك مشهد اللجوء.

لا يملك المخيم نصيباً من اسمه، فعينه الحلوة ذرفت الدموع على المئات من أبنائه الذين قضوا في معارك أُجبر الفلسطيني على دخولها، وآخرون قضوا في اشتباكات داخل المخيم بين فصائله الوطنية والإسلامية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تشكيل 3 أطر أساسية تكوّن فسيفساء المخيم، الأول هو منظمة التحرير الفلسطينية والتي تهيمن حركة فتح على القرار فيها، ولفتح في المخيم رموز ثلاثة، قائد الأمن الوطني اللواء صبحي أبو عرب، ونائبه القائد العام لكتائب شهداء الأقصى اللواء منير المقدح، إضافة الى القيادي الذي فصل مؤخرا منها بعدما كان قائدا للكفاح المسلح العقيد محمود عيسى اللينو بسبب علاقته بمحمد دحلان.

أما المكون الثاني فهو تحالف القوى الفلسطينية والذي تتصدره حركتا حماس والجهاد الإسلامي. أما المكون الأخير والذي يعتبر “بيضة القبان” في المخيم فهم القوى الإسلامية الأخرى والتي تضم بشكل أساسي عصبة الأنصار الإسلامية والحركة الإسلامية المجاهدة.

لطالما ارتبط اسم عين الحلوة بالأحداث الأمنية، وهذا الأمر ليس بالجديد، فمنذ تسعينيات القرن الماضي شهدت أزقة المخيم اشتباكات عنيفة بين حركة فتح والمجلس الثوري وحركة أنصار الله، لتليها الاشتباكات بين فتح وعصبة الأنصار، ثم بين فتح عصبة النور وجند الشام.

وطبعاً كان المخيم وأبناؤه يدفعون الثمن الأكبر في كل مرة، وقد استمر الوضع هكذا حتى معركة مخيم نهر البارد عام 2007، حينها ولدت قناعة لدى كل فصائل المخيم الأساسية تتمحور حول ضرورة حماية المخيم والحفاظ عليه، وتم تشكيل لجنة المتابعة كإطار يجمع منظمة التحرير وفصائل التحالف والقوى الإسلامية.

هذا الهدوء النسبي الذي شهده المخيم، عاد ليغيب عنه مع تطور الأحداث في المنطقة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، فانعكست الأحداث الدائرة في سوريا على وجه الخصوص حملة تحريضية من بعض وسائل الإعلام اللبنانية، وبدأت تتوالى الإشاعات التي تحمّل المخيم المسؤولية الكاملة عن تدهور الأوضاع الأمنية في لبنان.

واتخذ الجيش اللبناني في المقابل إجراءات أمنية مشددة على مداخل المخيم، مما فاقم من معاناة أهاليه، فكان لابد من مبادرة لحماية وتحصين المخيمات عموما وعين الحلوة بالتحديد، أطلقتها حركة حماس وتبنتها كافة الفصائل الفلسطينية في نهاية شهر آذار/مارس من العام الجاري، وتم على إثرها تشكيل قوة أمنية مشتركة للفصائل الفلسطينية في المخيم تعمل على ضبط الأمن وحماية الأهالي. وفعلاً استطاعت هذه القوة النجاح في العديد من الاستحقاقات وليس آخرها القاء القبض على عدد من مروجي ومتعاطي المخدرات، وقامت بإعادة تأهيلهم بالتعاون مع مؤسسات صحية.

هذا الجو الإيجابي الذي ساد المخيم، لم يعجب من يحيك له الفتن ليلا ونهاراً، لضرب ما يمثله من أيقونة لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، فعاد مسلسل الاغتيالات مؤخرا إلى المخيم، وتم اغتيال عدد الأشخاص من قبل مجهولين في أماكن متفرقة، وفي كل مرة تتوجه الاتهامات إلى جهات دون أية أدلة تثبت هوية الفاعلين، لكن الثابت الوحيد فيها أنّ هذه الأحداث كانت تؤدي إلى تعطيل الحياة العامة في المخيم، وإيقاف التدريس، وإغلاق سوق الخضار، وإقفال المحال التجارية لأيام متواصلة قبل أن تعود الحياة إلى ما كانت عليه من قبل، لكن بخجل.

لا يمكن لأي زائر للمخيم اليوم، إلا أن يلاحظ الأمل بالحياة في عيون أبنائه، لكن القلق من القادم لا يخفونه أيضا، فتجربة مخيم نهر البارد شاهدة، والإعلام اللبناني لا يهدأ وهو يكرر أن عين الحلوة في انتظار المصير ذاته، هذا الكلام ينعكس مباشرة على الحياة العامة، فالمخيم الذي كان مقصداً للمستهلكين فلسطينيين ولبنانيين من كافة قرى ومدن الجنوب اللبناني بات اليوم يعتمد على أبنائه فقط، حتى ثقة الأهالي بالفصائل الفلسطينية باتت تتراجع يوما بعد آخر، وبدأت تتنامى الحراكات الشعبية واللجان الشبابية واستطاعت أن تكون صوت الأهالي، لكنها لم تستطع أن تصمد طويلا بعيدة عن الاستقطاب السياسي، ففقدت هي أيضاً بعضاً من الثقة التي منحت لها.

كل هذا الواقع دفع عددا لا بأس به من أبناء المخيم إلى محاولة الهجرة إلى أوروبا، وقد وقع معظمهم ضحية لمهربين استطاعوا سرقتهم والاحتيال عليهم، لكن الأخطر من ذلك هو تنامي ظاهرة الحملات المطالبة بالهجرة الجماعية للاجئين، والتي اتخذت التمييز الذي يعانيه الشباب الفلسطيني في لبنان ساترا لها لتضرب حق العودة، لكن برغم كل ما مر ويمر به مخيم عين الحلوة، فان أهله يستيقظون على أمل واحد، العودة إلى ديارهم التي هجروا منها قسرا.

كتب: برهان ياسين  -صحفي فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات