كنيسة المسكوبية في الخليل .. معلم حضاري فلسطيني

على تلة مرتفعة في منطقة الجلدة غربي الخليل تقع كنيسة المسكوبية، وهي الكنيسة الوحيدة في خليل الرحمن المدينة العربية الإسلامية ذات الطابع الإسلامي المميز التي لا يسكنها أي من العائلات المسيحية في فلسطين.

وقد سميت هذه الكنيسة بهذا الاسم نسبة لمدينة موسكو الروسية ، حيث تتبع للمسيحيين الروس ، الذين أتوا الى فلسطين عام 1868م ، وقاموا بشراء قطعة الأرض البالغة 70 دونما من أراضي الخليل ، وقدم تم تسجيل الأرض المذكورة باسم الفلسطيني المقدسي (يعقوب الحلبي ) وذلك لأن الحكومة العثمانية لم تكن تسمح في حينه ببيع الأراضي للأجانب.

بلوطة إبراهيم الخليل
يوجد بجوار كنيسة المسكوبية شجرة بلوط كبيرة ، يطلق عليها (بلوطة سيدنا إبراهيم الخليل) عليه السلام، يقدر عمرها بأربعة آلاف عام، ويتناقل الخليليون روايات غير موثقة، أن نبي الله إبراهيم عليه السلام استظل بظلها هو وزوجه ، فيما بشرته الملائكة وهو جالس تحتها بقدوم إسحق عليه السلام، ورغم هذ الروايات غير المؤكدة ، إلا أن هذه الشجرة أخذت موقعها كمكان سياحي عبر العصور، حيث يأتيها السائحون من كل الملل يزورونها ويتمتعون برؤيتها ورؤية الحقول الجميلة الخضراء من حولها.

حقائق تاريخية
يقول الكاتب والإعلامي جهاد القواسمي من الخليل إن طلائع المسيحيين الروس أقاموا  في سقيفة صغيرة بالقرب من بلوطة إبراهيم وذلك عام 1874م ، بعد ذلك بنى الرهبان منزلا صغيرا من غرفتين، واحدة للنساء وأخرى للرجال، ليتم توسيعهما فيما بعد حتى أصبحت أشبه بالفندق لخدمة الحجاج المسيحيين القادمين من روسيا وأوروبا لزيارة البلوطة.

وأضاف القواسمي: لقد تم تطوير المكان شيئا فشيئا، حيث تم بناء برج الحماية وهو عبارة عن بناء شاهق يشبه القلعة يسمى الطنطورة، واستمر التطوير والتوسيع للمكان، ففي عام 1906م شرع المهندس الروسي ( ليونيد سينتيسوف) والمهندس الايطالي (بيرجياماسكو) في بناء الكنيسة وإتمامها في العام 1906، إلا أن سلطات الدولة العثمانية لم تسمح باستخدام المكان ككنيسة إلا عام 1914م ، عندما بدأ الحجاج الروس بالتدفق الى المكان بمعدل عشرة آلاف زائر في العام.

حماية المسلمين للكنيسة
حافظ سكان مدينة الخليل المسلمون على الكنيسة وعلى من فيها من بعض القساوسة والرهاب الذين لا يزيد عددهم عن خمسة ، حيث أكد الراهب المسؤول في الكنيسة (الكيس) أن أهل الخليل طيبون ويتعاملون معنا باحترام وكرم، وبعض أصدقائنا المسلمين الخليليين يدعوننا الى مناسباتهم ، ونحس بالأمن والأمان في جوارهم ولم نتعرض للأذى في الخليل طوال إقامتنا. وأضاف الكيس: “التاريخ بدأ من الخليل وسينتهي فيها كما يقول كتابنا المقدس وتراثنا المسيحي”.

وإذا كان أهل الخليل المسلمون قد حافظوا على كنيسة المسكوبية ورهبانها ، فإن سلطات الاحتلال قد اقتحمتها أكثر من مرة وخاصة عام 1996م وصعدوا على سطحها وعبثوا بأجراسها وحطموا نوافذها العليا، كما تم اقتحامها عام 2002م وتحطيم أبوابها، أثناء الاجتياح الصهيوني للمدينة في ظل السلطة الفلسطينية، والعبث بمحتوياتها وسرقة الكثير منها.
ولعل الحدث الأكبر تجاه كنائس النصارى الروس في فلسطين هو استيلاء سلطات الاحتلال الصهيوني على كنيسة المسكوبية في القدس وتحويلها الى مركز تحقيق وتعذيب للفلسطينيين.

المسكوبية موقع تراثي وتاريخي
يرى الباحث والمؤرخ الدكتور عبد الفتاح حمد (أستاذ علم الآثار في مركز إحياء التراث الفلسطيني) أن كنيسة المسكوبية معلم مسيحي حضاري فلسطيني ، فلها قبتان جميلتان مطليتان بالنحاس البراق، تصميمها من الداخل جميل حيث الأروقة والغرف الواسعة السكنية ـ إضافة إلى حفر مغارات داخلية، مع وجود أخرى قديمة ، ولها نوافذ جميلة بنيت على الطراز الإسلامي حيث الأقواس والزخرفات والأبواب الكبيرة.

وأضاف الدكتور حمد إن برج المراقبة المسمى بالطنطورة، أشبه بأبراج القاهرة ودمشق ، نمطه إسلامي مملوكي يشبه في شكله منارة وبرج مسجد القيروان في تونس وقلعة دمشق في الشام. كما يوجد في المكان بقايا معصرة زيتون من العهد الكنعاني يقدر البعض تاريخ بنائها قبل 4500 عام.

ويحيط بالكنيسة أشجار الزيتون وكروم العنب والتين وأشجار البلوط واللوزيات التي أضفت على المكان رونقا جماليا ممتعا للزائرين.