الأحد 28/أبريل/2024

العزل الانفرادي في سجون الاحتلال الصهيوني

العزل الانفرادي في سجون الاحتلال الصهيوني

أثارت سياسة العزل الممنهج في العقد الأخير ،،التي تعتمدها سلطات الأمن وإدارة السجون الإسرائيلية على نطاق واسع اهتمام الدوائر الحكومية والإعلامية محليا ودوليا بسبب التوسع في تطبيقها بطريقة غير مسبوقة عما قبل خاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى أيلول 2000 وحادثة احتجاز شاليط حزيران 2006 بالإضافة إلى محاولة احتواء العنف الذي تسببه عصابات الإجرام المنظم “المافيا” في المجتمع الإسرائيلي ،وقد نشرت العديد من التقارير الدورية المختلفة لمؤسسات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية لعله كان من أهمها تقارير الصليب الأحمر الدورية التي غطت الحالة” وإن كان تداولها محدودا ومحكوما لشروط عمل الصليب الأحمر” فضلا عن العديد من التحقيقات الصحفية الموسعة في الإعلام الإسرائيلي المرئي والمكتوب ، وفي هذا التقرير محاولة لتسليط الضوء مرة أخرى على ما يمكن تسميته سياسة “التعذيب بالعزل” وتأتي قيمته كونه قادما من داخل الحالة موضع البحث ،فيما يمكن اعتباره أيضا كشهادة موثقة .

أولا: ماذا تعني حالة العزل؟؟

يمكن تعريف حالة العزل بأنها: وضع الأسير في حيز مكاني يتميز بالضيق الفيزيائي والسيكولوجي، يتم الحرص فيه على التأكد من خلوه من مظاهر الحياة المختلفة وجعلها في حدودها الدنيا أو دون ذلك ،وعلى الأخص منها مظاهر الحياة الاجتماعية والإنسانية ،وذلك لإبقاء الأسير في حالة حصار وانحباس دائمين بتضييق المساحات الفيزيائية والإنسانية إلى أدنى درجاتها كي يصبح هذا الحصار والانحباس نمط حياة قسري مفروض على الجسد والحواس للوصول إلى حصار الروح والقدرات الذهنية وهو “أي العزل” بهذا يعتبر بحق “كسجن داخل السجن”!!

أما الشخص المعزول فهو : ذلك السجين المصنف بأنه سجين غير عادي لا ينبغي أن يعيش مع السجناء العادين بل يفصل عنهم ، ويوضع في شروط حياة مختلفة ،ويخضع لإجراءات اعتقالية مختلفة، منتقص الحقوق الممنوحة بالعادة للأسير العادي، وهناك أكثر من سبب لاعتباره غير عادي أولها وأهمها تصنيفه على أنه شخص “خطير” يمثل خطر بذاته ، أو خطر على غيره،أو اعتباره صاحب تأثير خطير فكريا وماديا،والخشية أحيانا من صورة البعض باعتبارها المثل والنموذج والقدوة ،وهناك أسباب أقل أهمية مثل الأسباب الوقائية المتعلقة بمن يسمون بـ”المحميين” أو لأسباب عقابية .

ثانيا: عملية الإجراءات القانونية المتبعة:

يمر الإجراء القانوني بحق المعزول ضمن عدة مراحل وإن كانت هذه المراحل في غالبيتها محض صورية وشكلية لأن القرار الأساسي المتخذ بحق أي معزول لا يقرره القضاة في المحاكم بل يقرره ضباط أمن “الشاباك” أو ضباط أمن “الشاباص” ويعود لهؤلاء وحدهم تقدير المدة الزمنية التي ينبغي أن يمضيها المعزول في العزل ونكاد لا نعرف عن حالات لمعتقلين بأمر من الشاباك عزلها من خلال قرار محكمة ، وفيما يلي تسلسل هذه العملية :

1. إبلاغ السجين بصورة مفاجئة من قبل إدارة السجن بأنه منقول إلى سجن أو قسم أّخر ،وفي العديد من الحالات لا يعلم المنوي عزله على وجه التحديد أنه مساق إلى أحد أقسام العزل، لذلك قد يعاني في أنه لم يتحسب ويأخذ ما يلزمه من حاجياته الضرورية ، وفي بعض الحالات الاستثنائية كان يتم تحويل السجين المنوي عزله مباشرة بعد انتهاء التحقيق معه إلى أقسام العزل دون المرور بأقسام السجن العادية وفي العقد الماضي تم تسجيل ست حالات من هذا النوع (مازن ملصة 2001 الذي أمضى كل محكوميته “ست سنوات ونصف” في العزل، عبد الله البرغوثي 2003 وإبراهيم حامد 2006،وضرار السيسي 2011 “لا يزالون معزولون بصورة فردية” . مهاوش نعيمات وعطوة العمور 2008″أمضيا مدة عامين ونصف ونزلا إلى الأقسام في 2010″ ، وفي حالة إبراهيم حامد على سبيل المثال تم استدعاءه في اليوم “150” من وجوده في المسكوبية –التحقيق وقبل صعوده إلى بوسطة النقل وإبلاغه بصفة رسمية من قبل أحد رجال الشاباك”محقق” بأنك ستمضي طيلة حياتك في أقسام العزل !!

2. بالعادة لا تخضع الفترة الأولية “6 شهور-سنة” للمعزول لقرار قضائي من المحكمة، والإجراء المتبع هنا أنه بعد مرور 48 ساعة على التواجد في العزل أو في حدودها يتم عقد جلسة لها صفة “بروتوكولية” يديرها إما مدير السجن أو نائبه وفي أحيان أخرى مدير المنطقة” الجوش” أو نائبه والتي بالعادة من صلاحياتهم إيقاع عقوبة مخففة من العزل يصل حدها الأقصى إلى شهرين قابلين للتمديد حتى انقضاء المدة القانونية “6 شهور-سنة”، وفي مثل هذه الجلسة التي تعقد في نفس قسم العزل يتم تلاوة قرار العزل على السجين وفي بعض الأحيان يسأل عن رأيه هل يرغب أولا يرغب في أن يعيش في أقسام العزل ويتم تدوين محضر الجلسة ويطلب من المعزول التوقيع عليه وبالعادة يستنكف المعزولين عن التوقيع ،وبعد انتهاء مدة الشهرين الأولين يتم التمديد بصورة اتوماتيكية وبدون جلسات بروتوكولية مرة كل شهرين حتى يأتي موعد المحكمة .

3. بعد مضي فترة ستة الشهور الأولى للمعزول بشكل فردي وفترة السنة للمعزول بشكل ثنائي يتوجب عرض قضية العزل المعزول على محكمة مدنية للبت في القضية بحيث تصبح إقامة السجين في أقسام العزل بعد ذلك سارية بحكم قضائي من المحكمة وتخرج عن صلاحيات إدارة السجون ،بالعادة يتم تسليم السجين قبل أسبوع أو عدة أيام من انعقاد جلسة المحكمة أوراق بروتوكول فيها عدة نقاط يضعها الإدعاء العام ويدور حولها النقاش في المحكمة وبعد مضي سنوات عديدة يتلاشى مثل هذا الإجراء ويذهب المعزول فجأة إلى محكمة تمديد العزل عند اقتراب موعد انتهاء أّخر تمديد له .

4. الملف السري: بالعادة يقوم المدعي العام برفع ملف سري يقدمه للقاضي بحق المعزول بأمر من الشاباك وكما هو معلوم لا تتاح معرفة وبالتالي مناقشة بنود مثل هذا الملف بحجة السرية ويعتمد القضاة التوصيات الواردة في الملف السري كما هي ، وهنا علامة جبن هذا القضاء خاصة وأنه مدني وليس عسكري فلم يحدث أن قام أي قاضي بمناقشة القضية متحررا من توصيات الشاباك وفي مرات نادرة ،وفي محاولة من بعض القضاة التدقيق في الملف موضوع النقاش كان يتم تأجيل جلسة التمديد لوقت أخر لاستدعاء أحد مندوبي الشاباك ليستوضح منه تفاصيل الموضوع ،،ولكن النتيجة في كل مرة هي نفسها التمديد !! وعلى كل حال إن العلة الأساسية لقرار المحاكم بالعزل ثم تمديده ،القول بأن السجين المراد عزله “خطير على أمن الدولة” وفي الحقيقة إن هذا التعبير الذي يوضع في سياق قانوني هو تعبير غامض ،وغير محدود التعريف، فهو يطلق كذلك على جميع الاف الأسرى الأمنيين الفلسطينيين “غير المعزولين” ، وعندما تم النقاش ذات مرة حول ما هو التعريف القانوني “للشخص الخطير” ومتى يصبح المرء غير خطير؟؟!! وما هي المدة الزمنية العقابية المفترضة لعزل الشخص الخطير وهل الخطورة هي صفة مؤبدة يمكن وصم الشخص بها أم قابلة للتغير ؟ رفض القاضي كل هذه الأسئلة وافترض أن صاحبها فعلا هو شخص خطير لمجرد أن طرحها .

5. تنقسم طبيعة المدة الزمنية التي تصدرها المحكمة بحق المعزول تبعا لشروط حياة العزل فإن كان ممن تقضي المحكمة بعزله عزلا انفراديا أحاديا بدون  أي شريك اخر في الحجرة ،فإن المدة الزمنية القصوى التي تحكم بها المحكمة هي ستة شهور ،بينما الذين تقضي لهم المحكمة بأن يكونوا ممن لهم شريك اخر في الحجرة ، فإن المدة الزمنية لعزلهم ولمثولهم القادم مرة أخرى أمام المحكمة هي سنة كاملة وهذه العملية أصبحت روتينيا صوريا وشكليا وأوتوماتيكيا  ولا تحمل أي معنى غير ذلك .

ثالثا: في وصف الحيز المكاني للعزل

يعتبر قسم العزل في أي سجن من السجون كأحد أقسام ذلك السجن من الناحية الإدارية ويحمل رقما متسلسلا كغيره من الأقسام لكن يظل يتميز بخصائص مستقلة من حيث الطبيعة الهيكلية والمعمارية ، فقد يكون عبارة عن مبنى مستقل بذاته عن كتلة مباني السجن وأقسامه الأساسية ،وهو بهذا يكون معزولا بالكامل عن فناء السجن وعن مجتمع المساجين العاديين “كعزل سجين أيلون –الرملة” وهناك نوع آخر من الأقسام ذو طبيعة شبه مستقلة عن فناء السجن ومجتمعه وذو طبيعة بناء أفقي ،يكون طرفه ملاصقا لقسم طرفي آخر من أقسام السجن “كعزل سجن الشارون” وهناك النوع الثالث الذي يعتبر كجزء من فناء السجن وكتلته الرئيسية “كعزل سجن عسقلان” . يتكون كل قسم من أقسام العزل من مجموعة من الحجرات يتراوح عددها ما بين (10-20) حجرة حسب هذا السجن أو ذاك ،وتختلف هذه الحجرات من سجن لآخر من حيث المساحة التهوية ،شبكة الصرف الصحي، وذلك تبعا لأمرين :1. حداثة أو قدم المبنى العام للسجن ،فالسجون الأكثر حداثة التي بنيت في العقدين الماضيين تتمتع بدرجة أفضل من حيث المساحة والتهوية أو التوزيع الداخلي للحجرة “جلبوع،ريمونيم،ريمون،نفحة” بينما السجون القديمة التي تعود بعضها لزمن الانتداب البريطاني أو للسنوات الأولى من ميلاد إسرائيل فهي الأسوأ في هذا الجانب “عسقلان،الشارون،الرملة القديم”

2. هناك أقسام عزل بنيت وصممت خصيصا بهدف أن تكون مكانا لتنفيذ عقوبة العزل وهي أشبه ما تكون بمختبر يشرف عليه متخصصون وخبراء في علم النفس وعلم الإجرام فضلا عن خبراء في الأمن والشرطة ولعل أحدث نموذج لذلك هو قسم عزل أيلون الرملة الجديد الذي افتتح في العام 2007 وكان يتم تصميم بعض حجرات أقسام العزل في سنين سابقة لأغراض الرقابة والفحص المخبري مثل الحجرة الشهيرة في عزل بئر السبع التي أودع فيها قاتل رابين “يحال عمير”  لعدة سنوات وكان من زواياها وزبائنها لاحقا معزولون آخرون .

يمكن لنا وصف حجرات أقسام العزل على النحو التالي :

1. المساحة : بالنسبة للمباني القديمة فهي الأضيق وفي حدودها الدنيا فمثلا إذ مساحة زنزانة العزل في سجن عسقلان هي عبارة عن 12م*25م أي 3م2.اخذين بعين الاعتبارات أن هذه المساحة مشغولة بكل من أ.برشان حديديان “سفلي وعلوي” بمساحة 80سم*180سم .ب. حمام ومرحاض مشتركان بمساحة 1م*120م وباب عبارة عن ستارة بلاستيكية .ج. مغسلة في زاوية الحجرة الموصولة بالزاوية المقابلة للحمام والمرحاض .د. طاولة صغيرة يوضع فوقها التلفزيون .هـ. رفوف خشبية مثبتة في أعلى جدار الحجرة لاستيعاب حاجيات وأغراض الأسير سواء الملابس أو أدوات الطبخ ومواد الطعام ،وبهذا يستحيل في هذا الحيز المكاني ممارسة المشي فهو أشبه بالمكان المكتف ،ويزداد ضيقا عندما يشغل هذا الحيز سجينين اثنين ،حيث تتعذر صلاة الجماعة على ما تبقى من هامش مساحة متاح فيضطر أحدهما شغل المكان المتاح وهو بعرض بلاطة ونصف تقريبا “40سم” في حين يصلي الاخر فوق البرش العلوي. وهذا التقسيم الداخلي للحجرة يشبه إلى حد قريب ما عليه الحال في أقسام عزل هشارون وكفاريونا والرملة القديم ،مع بعض الاختلافات المحدودة في شكل هندسة الحجرة ،ففي هشارون تتميز الحجرة بأنها ذات مسطح متعدد الأضلاع فجدرانها ليست أربعة كالعادة فهي خماسية في إطارها الخارجي وعند فصل الحمام والمرحاض بقاطع يصبح مسطح الغرفة من الداخل سباعيا أو ثمانيا وتغدو الحجرة كمجموعة من الزوايا النافرة أو الضامرة لكنها أفضل قليلا من عسقلان من حيث إمكانية استغلال المساحة للمشي ، مع أن جدرانها أكثر اهتراء حيث تسمح بنفاذ مياه الأمطار في فصل الشتاء فضلا عن صدأ حديد الشبابيك والأبواب والأبراش ونتيجة الشكوى المتزايدة في السنين الأخيرة من هذا النوع من أقسام العزل التي طالما عكست لا إنسانيتها وقساوة شروطها تقارير الصليب الأحمر والمؤسسات الحقوقية والتقارير الصحفية ،فقد قامت إدارة السجون في العام الماضي 2010 بإعادة ترميم حجرات هذه الأقسام وإعادة توزيع المساحة الداخلية للحجرة لتصبح أكثر معقولية وقربا من شروط أقسام عزل السجون الجديدة “حدث ذلك في كل من عسقلان،هشارون،وهوليكدار. أما سجن كفاريونا فقد تم إغلاقه منذ 2009”.

أما بالنسبة لمساحة حجرات أقسام عزل السجون الجديدة ف

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامواصلت قوات الاحتلال عمليات الاقتحام والمداهمة لقرى ومدن الضفة الغربية، فجر الأحد، وسط عمليات اعتقالات وتصدي...