دراسة: حكومة سلام فياض

إعداد: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
كان تشكيل حكومة سلام فياض إحدي الظواهر الملفتة في تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر، فقد كانت نتاج حالة الانقسام الفلسطيني، وظلّ أهم سبب لبقائها هو استمرار هذا الانقسام. وعلى الرغم من معاناتها من شرعية منقوصة على الساحة الفلسطينية، إلا أنها حظيت بدعم عربي ودولي وبرضا إسرائيلي مكّنها من الاستمرار. وإذا كانت هذه الحكومة قد حظيت بدعم قيادة فتح التي ترأس منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، إلا أن فياض استفاد من موقعه ومن تحويل الأموال إلى حكومته في تقوية مركزه، حتى على حساب نفوذ فتح نفسها في أجهزة السلطة وخصوصاً الأجهزة الأمنية؛ وتماهى في الوقت نفسه مع خط الرئيس محمود عباس الذي يتبنى مشروع التسوية، ويرفض المقاومة المسلحة، ويتعامل مع حماس وفصائل المقاومة المسلحة كقوى خارجة عن القانون، وينسق أمنياً مع الاحتلال، ويركز على الاقتصاد كقاعدة لبناء الدولة الفلسطينية المستقبلية.
يحاول هذا التقرير تقديم صورة عامة عن الحكومة الفلسطينية التي شكلها سلام فياض في رام الله منذ منتصف حزيران/ يونيو 2007 وحتى صيف 2010. وهو يناقش مواضيع تشكيل الحكومة ووضعها القانوني وأداءها السياسي والاقتصادي والأمني.
أدى اتفاق مكة بين فتح وحماس في 8 فبارير/ شباط 2007 إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة إسماعيل هنية، حيث حازت ثقة المجلس التشريعي في 17 مارس/ آذار 2007. وقد شغل سلام فياض فيها منصب وزير المالية. وبعد انهيار هذه الحكومة إثر حوادث الفلتان الأمني، وسيطرة حماس على قطاع غزة في 14 يونيو/ حزيران 2007؛ سعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى إخراج حماس من الشرعية الفلسطينية وإلى تجاوز المجلس التشريعي الذي تمتلك غالبية أعضائه، فلجأ إلى غطاء منظمة التحرير الفلسطينية ليستند بإجراءاته الرئاسية إليها؛ على الرغم من أن المنظمة هي مرجعية للسلطة في الشؤون الكبرى، وليست أداة تنفيذية أو تشريعية ضمن إطار السلطة.
عقدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير اجتماعاً طارئاً في 14 يونيو/ حزيران 2007 وأقرت عدة توصيات، وضعتها تحت تصرّف الرئيس عباس:
1. إقالة حكومة إسماعيل هنية.
2. إعلان حالة الطوارئ.
3. تشكيل حكومة إنفاذ حالة الطوارئ.
4. إجراء انتخابات مبكر [1].
وقد تبنى عباس هذه التوصيات وأمر بتنفيذها بموجب ثلاثة مراسيم. وكلّف عباس سلام فياض بتشكيل حكومة إنفاذ حالة الطوارئ (حكومة طوارئ)، وتمكّن فياض من تشكيلها في 17 يونيو/ حزيران2007، وأدّت اليمين الدستورية أمام الرئيس عباس في رام الله؛ وضمّت إلى جانبه 11 وزيراً واشتملت على مستقلّين وتكنوقراط، وخلت من أي وزير منتم إلى فصائل المقاومة. وكان سلام فياض قد شكل كتلة الطريق الثالث كحزب مستقل، وفاز في انتخابات المجلس التشريعي التي عقدت في 25 يناير/ كانون الثاني 2006 بمقعدين فقط من أصل 132 مقعداً.
وقبيل انتهاء مدة حكومة الطوارئ المحددة بشهر واحد، وفي يوم 13 يوليو/ تموز 2007، تم توسيع هذه الحكومة فصدر مرسوم رئاسي بإضافة أربعة وزراء إليها ليصبح مجموع أعضائها 16 وزيراً بمن فيهم سلام فياض. وفي اليوم التالي قدمت حكومة فياض استقالتها، حيث تم التعامل معها بعد ذلك باعتبارها حكومة تسيير أعمال [2].
بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 18 يناير/ كانون الثاني 2009، قام فياض بوضع حكومته تحت تصرف محمود عباس في 22 يناير/ كانون الثاني 2009. وبعد أن انطلقت جلسات الحوار الوطني في القاهرة، قام فياض بتقديم استقالة حكومته في 7 مارس/ آذار 2009 والتي قَبلها الرئيس عباس، وقال إنها جاءت بهدف تعزيز الحوار ودعمه، ودفعه للوصول إلى حكومة جديدة؛ غير أنه طلب من فياض الاستمرار في إدارة شؤون السلطة حتى تشكيل الحكومة الجديدة.
وعندما تعثر الحوار الوطني وتقرر تمديد جلساته، قرر الرئيس عباس في 8 مايو/ أيار 2009 إعادة تكليف فياض لتشكيل الحكومة. وقد تشكلت حكومته في 19 مايو/ أيار 2009، وضمت 24 وزيراً، معظمهم من التكنوقراط، وتولت حركة فتح نصف المقاعد الوزارية. وتم تمثيل الجبهة الديموقراطية، وجبهة النضال الشعبي، وحزب الشعب، وحزب فدا بوزير واحد لكل منها. أما الجبهة الشعبية فاعتذرت عن المشاركة لرغبتها في تشكيل حكومة توافق وطني.
حسب النظام الأساسي (الدستور)؛ فإن إقالة حكومة الوحدة الوطنية، أي حكومة إسماعيل هنية، يُحولها فوراً إلى حكومة تسيير أعمال. ولكن الرئاسة الفلسطينية تجاوزت ذلك مستندة إلى إعلان حالة الطوارئ. غير أن خبراء القانون الفلسطينيين قالوا: إنه لا يوجد نصّ قانونيٌ يدعم شرعيةَ مرسومِ تشكيل حكومة طوارئ،. وإن النصّ القانوني يتيح للرئاسة إعلان حالة الطوارئ فقط، ولمدة 30 يوماً، ولا يتيح لها تشكيل حكومة طوارئ. ويتيح النصّ القانوني للرئيس تجديد حالة الطوارئ شهراً آخر، ولكن بعد موافقة المجلس التشريعي بأغلبية ثلثي أعضائه. وهناك نص آخر في القانون يُلزم أية حكومة أن تتقدم إلى المجلس التشريعي لتنال ثقته، ويسري هذا على حكومة سلام فياض الجديدة، إذا تمّ التسليم بشرعية تشكيلها [3].
وقد حاول الرئيس عباس تجاوز كل هذه الإشكالات من خلال الحكم بـ”المراسيم”. ولذلك تمّ بعد أيام من الأحداث في 22 يونيو/ حزيران 2007 إصدار مرسوم يلغي فقرة في القانون، تتطلب موافقة المجلس التشريعي على أية تعيينات وزارية، وأعلن تعليق العمل بالمادة 79 من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003.
إن حكومة فياض بحسب النظام الديموقراطي الفلسطيني، تدين بشرعية تكليفها إلى الرئاسة الفلسطينية، غير أنها لم تحصل على شرعية اعتمادها واستمرارها من المجلس التشريعي الفلسطيني الذي تقوده حماس. وكان من المثير للاستغراب أن تقوم هذه الحكومة التي يفترض أن تمثل إرادة الشعب، بمحاربة الجهة التي تعبر عن إرادة غالبيته والمخولة بتمثيله! [4].
وهكذا، فإنه من الناحية العملية ظلّ المحدد الأساس والفاعل الأكبر في بقاء حكومة فياض واستمرارها، هو حرمان المجلس التشريعي من أداء مهامه، وتعطيله وبقاء غالبية أعضائه من أبناء الضفة الغربية (وتحديداً من كتلة الإصلاح والتغيير المدعومة من حماس) في السجون الإسرائيلية (اعتقلت “إسرائيل” 41 نائباً من حركة حماس من أصل 74 نائباً، في حملتها في صيف 2006، وارتفع عددهم فيما بعد إلى 44 نائباً). وبعبارة أخرى فإن المحدِّد الإسرائيلي – الأمريكي كان عاملاً فاعلاً في صناعة القرار الفلسطيني، من خلال فرض مسارات معينة تخدم طرفاً دون آخر.
قام الرئيس عباس وحكومة فياض بإعادة صياغة القوانين الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، مستفيدين من تغييب السلطة التشريعية المعارضة لإجراءاتهم. وخلال الفترة من حزيران/ يونيو 2007 وحتى حزيران/ يونيو 2008، أصدر الرئيس عباس وحكومة رام الله 406 مراسيم غطت تقريباً كل جوانب الحياة والنظام السياسي والقانوني [5]. وقد فتح هذا المجال لاتهام الرئاسة وحكومة تسيير الأعمال برئاسة فياض بأنهم في الوقت الذي يتهمون فيه حماس بالانقلاب في غزة والخروج على الشرعية، فإنهم أنفسهم ينقلبون على الشرعية التشريعية، ويقومون بمحاربة ممثليها واجتثاثهم.
لقيت حكومة فياض دعماً متواصلاً من الرئيس محمود عباس الذي ألقى بثقله خلفها كرئيس للسلطة ورئيس لمنظمة التحرير ورئيس لحركة فتح؛ وهو ما جعل حكومة فياض تتمتّع بغطاء منظمة التحرير، وغطاء حركة فتح ومعظم الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت المنظمة.
غير أن تعيين فياض ترافق مع رغبة أمريكية غربية في التعامل معه، سواء لمواقفه السياسية أم لكفاءته الاقتصادية والإدارية. كما كان هناك رضى إسرائيلي عن التعامل معه لسعيه للالتزام بدقة باستحقاقات خريطة الطريق، ونزع أسلحة المقاومة.
فياض الذي لا يملك حزبه أكثر من مقعدين في المجلس التشريعي (1.5%) كما لا يملك فصيلاً مقاوماً، كان بحاجة إلى دعم محمود عباس والدعم الخارجي لضمان استمراره، خصوصاً وأن حكومته تولّت ملفات معقّدة كان من أبرزها محاربة حركة حماس ونزع أسلحتها مع باقي فصائل المقاومة.
ويظهر أن حركة فتح قدّمت دعمها لفياض على مضض وبسبب ضغوط الرئيس عباس، فقد ظهرت احتجاجات فتحاوية عديدة على طريقة إدارة فياض للحكومة، وخصوصاً استبعاده الكثير من عناصر فتح في الأجهزة الأمنية وفي الخدمة المدنية أو إحالتها للتقاعد، وتوظيف الكثير من المقرّبين إليه، وطريقة تحكّمه بموارد السلطة المالية، وعلاقاته مع أمريكا.
وخلال انعقاد الدورة 25 للمجلس الثوري لحركة فتح، التي اختتمت أعمالها في 26 مايو/ أيار 2008، والتي حضرها محمود عباس، تعرّض سلام فياض وحكومته لهجوم عنيف، وارتفعت الأصوات التي طالبت بتغيير عدد من الوزراء، خصوصاً وزير الخارجية رياض المالكي، ووزير الداخلية عبد الرزاق اليحيى.
واتّهم عزام الأحمد حكومة فياض بمحاولة الهيمنة على كل شيء في كل المؤسسات. وشبّه البعض فياض ببول بريمر أول حاكم أمريكي للعراق بعد احتلاله، بسبب حلّه التشكيلات العسكرية لحركة فتح، كما اعتبر البعض حكومة فياض حكومة أمريكية مفروضة على الشعب الفلسطيني [6]
وعندما شكّل فياض حكومته الجديدة في 19/5/2009، واجه معارضة من كتلة فتح البرلمانية، التي احتجّت أن فياض لم يستشرها وأنّه عيّن اثنين من أعضائها وزراء دون موافقتها. غير أن عباس أبلغ كتلة فتح أن هذه الحكومة هي حكومته ويجب عدم عرقلة عملها بأي شكل مما اضطر الكتلة للاستجابة لرغبته [7]. وبعد بضعة أسابيع قدّم القيادي الفتحاوي حاتم عبد القادر وزير شؤون القدس استقالته من حكومة فياض منتقداً تقصيرها تجاه هذا الملف [8].
رابعاً: الأداء السياسي
تابعت حكومة تسيير الأعمال برئاسة سلام فياض عملها في إدارة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مستفيدة من الاعتراف العربي والدولي بها. وتناغمت حكومة فياض مع اتفاقات أوسلو، وتساوقت مع خريطة الطريق، ومتطلبات الدور الأمني لإدارة الحكم الذاتي.
ورأت حكومة فياض في ذلك سياسة واقعية تقتضيها طبيعة المرحلة، وضعف الوضع الفلسطيني والعربي والإسلامي، وعدم قدرة خط المقاومة عملياً، في الظروف الراهنة، من تحقيق الأهداف الوطنية.
ولذلك، فإن حكومة فياض سعت للإيفاء بالتزاماتها لدفع الطرف الإسرائيلي للإيفاء بالتزاماته، وتحصيل الحقوق الفلسطينية أو جزء منها من خلال مسار المفاوضات. وركزت توجهات حكومة فياض على تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للفلسطينيين، باعتبار أن التنمية الاقتصادية التي تعتمدها “ذات فلسفة ومنطلق سياسي مقاوم، يقوم على أساس تثبيت المواطن على أرضه” [9].
أكد سلام فياض أن حكومته ستكون حكومة انتقالية، حتى يتمّ تشكيل حكومة وفاق وطني، وحدد أولوياتها السياسية بوقف الاستيطان، ووقف الاجتياحات، ورفع الحصار [10]. كما أكد أن برنامج حكومته السياسي هو برنامج محمود عباس وبرنامج منظمة التحرير[11]
وضع فياض عنواناً لخطة حكومته، وهو “إقامة مؤسسات الدولة المستقلة” خلال عامين [12]. وانشغلت حكومته على مدى شهرين بوضع تفصيلات هذه الخطة، التي كشف النقاب عنها في 25 أغسطس/ آب 2009. وتضمنت الخطة إقامة مشاريع سيادية، مثل مطار وسكة حديد وإنشاء بنية تحتية أساسية، وتأمين موارد الطاقة والمياه، وتحسين الإسكان والتعليم والزراعة، وتشجيع الاستثمار، وتحسين أداء الأجهزة الأمنية، فضلاً عن بناء المستشفيات والعيادات الصحية وغيرها [13]. وردَّ فياض على اتهامات بأن خطته تتساوق مع ما يسمى بـ”السلام الاقتصادي” الذي يدعو إليه بنيامين نتنياهو، ومع ما يسمى “بالرفاه تحت الاحتلال”، فقال إن خطته متكاملة تنموية وطنية لإنهاء الاحتلال وليس لتكريسه [14]
أراد فياض من خلال تطبيق خطته أن يكون عملياً،
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أطباء بلا حدود: إسرائيل تحول غزة مقبرة للفلسطينيين ومن يحاول مساعدتهم
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من تحوّل قطاع غزة إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ولمن يحاول تقديم المساعدة لهم. وقالت المنظمة في...

الثاني خلال ساعات .. أمن السلطة يقتل مسنًّا في جنين
جنين - المركز الفلسطيني للإعلامقتلت أجهزة أمن السلطة -اليوم الثلاثاء - مسنًّا، وأصابت آخرين بإطلاق نار مباشر في الحي الشرقي بمدينة جنين، بعد ساعات...

حماس تحذر من تداعيات سلوك أمن السلطة على النسيج المجتمع
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت حركة حماس من تداعيات سلوكيات أجهزة أمن السلطة وتأثيرها على النسيج الوطني والمجتمعي، حيث قتل شاب برصاص...

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...

شهيد بقصف مسيّرة إسرائيليّة دراجة نارية في جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخص، اليوم الثلاثاء، إثر قصف من مسيّرة إسرائيليّة على بلدة حولا جنوبيّ لبنان، في استمرار للخروقات...