الجمعة 10/مايو/2024

سفينة المصالحة الفلسطينية ورياح المفاوضات والتنسيق الأمني

مبروك إبراهيم الهاني

لا سبيلَ للخروج من المأزق الفلسطيني الحاصل اليوم بسبب الانقسام واختلاف الوسائل في تحرير الأرض والعودة واسترداد الحقوق إلاَّ بمصالحة شاملة تجمع الأطياف الفلسطينية كافة، هكذا يبدأ أو يخلُص الكاتبون والمحلِّلون والسياسيون والنَّاطقون الرَّسميون وغيرهم على اختلاف انتماءاتهم في مقالاتهم وتقاريرهم وتصريحاتهم.

لكنَّ الواقع الفلسطيني والمشهد الحقيقي اليومي ينأى جانباً على تلك التصريحات والمقالات والتحليلات، ذلك أنها تبقى أمانيَ وأحلام، ولا إشكالَ في ذلك مادامَ النَّاس فيما يحبون ويعشقون مذاهب، لكنَّ الواقع غيرَ الادِّعاء.

ثمَّة حقائق ووقائع تثبت بشكل لا مِريةَ فيه أنَّ الدَّاعين إلى المصالحة الفلسطينية، هم أنفسهم من يضعون الأسافين لخرق سفينتها، ويخترعون أحجار العثرة لوقف عجلة دورانها، وينصبون العلائق والعوائق لقطع طريقها، ويؤسسون لمحاكم وسجون لمحاكمة وزجِّ من يخالفونهم النهج في أروقتها وزنازينها.

لن أكونَ متجنِّياً ومخالفاً إذا قلت، بل الحقائقُ والوقائعُ تقول : إنَّ السلطة الفلسطينية في رام الله غير صادقة، فإنَّ الكذب ليس من شيمتها ! وغير جادة، فإنَّ التواطؤ ليس من سياستها! وغير معنية، فإنَّ اللامبالاة ليست من أخلاقها !…

نعم.. إنَّ سلطة الحكم الذاتي في رام الله، وعلى رأسها حركة فتح.. غير صادقة، وغير جادة، وغير معنية بكسر الحصار الجائر عن أهلنا في قطاع غزة، وبالمصالحة الفلسطينية.

فكل الذي تسعى إليه السّلطة هو الخروج من مأزقها الذي وضعت نفسها فيه، أو بفعل فاعل خارجي مرفوع بدعمه بالمال السياسي، فكانت السلطة مفعولا به منصوباً، لا فاعلاً مرفوعاً ؛ إذ نأت بنفسها عن الوقوف مع خيار الشعب الفلسطيني في المقاومة، أو حتى الدفاع عن القدس من خطر التهويد والاستيطان، والسكوت أو التواطؤ مع المحاصرين لقطاع غزة، وبالمقابل نجد الدأب المتواصل للبحث عن غطاء لبدء مفاوضات غير مباشرة أو مباشرة بمجرد وعود أمريكية أو أوروبية وهمية لا تعدو مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي.

فكيف يكون صادقاً في تحقيق المصالحة الفلسطينية من يهرول نحو سراب مفاوضات ثبت فشلها، مع عدو محتل، يحاصر شعبه ويقضم أرضه ويسلب مقدساته ويقتل أبناءه، ويضع الشروط والعراقيل لتفعيل مصالحة حقيقية تجمع الشعب على مشروع وطني يقود إلى دولة فلسطينية مستقلة.

إنَّ شروط السّلطة في بدء المفاوضات كانت التوقّف عن المشاريع الاستيطانية، لكن هذا الشرط ما لبث أن تبخَّر، إذ الاستيطانُ مستمرٌ، حيث أصبح من الثوابت الصهيونية، فلم يتوقف ولن يتوقف!!.. فمتى تتوقف السلطة عن سعيها لمفاوضات لا طائل من روائها سوى مزيد من التنازلات وضياع للحقوق والثوابت.

وكيف يكون جاداً في تحقيق المصالحة الفلسطينية مَنْ يسعى للقاء قادة العدو الصهيوني، الذين نكَّلوا بالشعب الفلسطيني خلال حروب واجتياحات، كان آخرها الحرب العدوانية على غزة، والاعتقالات اليومية في الضفة الغربية.

 بل مَنْ يستقبل أركان حرب الصهاينة في مكتبه ويؤمِّن له حرية التنقل، التي يمنعها هو عن بني جلدته.

وكيف يكون معنياً بالمصالحة الفلسطينية مَنْ ينسِّق أمنياً مع جيش الاحتلال لاعتقال أبناء المقاومة وأنصارها، ويتبادل الأدوار معهم لاعتقال وملاحقة الأسرى المحرَّرين واستدعاء زوجاتهم وأخواتهم، ويحاكم المئات منهم ممَّن قضوا عشرات السنوات في سجون الاحتلال.

وجملة القول، فإنَّ تحقيق المصالحة الفلسطينية لن يتأتى إلاَّ إذا توقفت السّلطة عن الهرولة نحو سياسة المفاوضات من أجل المفاوضات، وعن الرّضوخ للضغوط الخارجية، وعن التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال الصهيوني، فبذلك تكون صادقة، وجادة، ومعنية، وفاعلاً مرفوعاً، وإلاَّ كانت كاذبة وغير معنية وغير مبالية، ومفعولاً به منصوباً، وهذا ما لا يتمناه كل فلسطيني وعربي ومسلم، ولكن ليس كلُّ ما يتمناه المرء يدركه، ولعلَّ الرِّياح تهبُّ بما تشتهي سفينة المصالحة الفلسطينية.
 _____
باحث مهتم بالشأن الفلسطيني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

صحة غزة: حصيلة العدوان ترتفع إلى 34943 شهيدًا

صحة غزة: حصيلة العدوان ترتفع إلى 34943 شهيدًا

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم الجمعة، إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 6 مجازر جديدة ضد العائلات في قطاع...