الأحد 11/مايو/2025

أحمد عصفور.. معاناة الجرح والأسْر

أحمد عصفور.. معاناة الجرح والأسْر

تعدَّدت مآسي أهالي قطاع غزة واختلفت صورها، إلا أن معاناة أهالي الأسرى هي الأكثر ألمًا؛ لما تشكِّله هذه المعاناة من ضغطٍ نفسيٍّ على الأسير وأهله معًا، وربما فطن العدو الصهيوني لهذه الضغوط فاستمرأها وتمادى فيها؛ علَّه ينال من عزيمة شعب لم تحرقه قنابل الفسفور ولا “الدايم” وبقي حيًّا، رغم كل محاولات القتل والضغط عليه منذ سنوات أربع.

استشهد الكثيرون وفقد كثيرون بيوتهم ومصانعهم ومصادر رزقهم، وفقد الآلاف منهم بعد الحرب الأخيرة على غزة أوائل العام المنصرم أطرافًا وأعضاءً من أجسادهم، إلا أنهم يحاولون رغم كل شيء متابعة الطريق والتعالي على الجراح.

دأبت خنساوات غزة على الاعتصام في مركز الصليب الأحمر صباح الإثنين من كل أسبوع؛ احتجاجًا على استمرار العدو الصهيوني في سَجْن أبنائهم، وقد انضمَّت أم أحمد عصفور وزوجها سمير عصفور إلى جموع المعتصمين يوم أن حوَّل العدو ابنهما الجريح أحمد إلى أسير يشارك إخوته مرارة الظلم وقيد السجان.

بداية القصة

أحمد عصفور (21 عامًا) الطالب في كلية الصحافة الإلكترونية بإحدى جامعات غزة، صمَّم العدو الصهيوني على أن يُفقده القلم الحر الذي كان يحاول اكتساب مهاراته من خلال دراسته الأكاديمية؛ وذلك يوم قصفته طائرات الاستطلاع الصهيوني بصاروخَيْن في الأسبوع الأول من حربها الشرسة على قطاع غزة يوم (8-1-2009م)؛ حيث كان أحمد وأبناء عمه عائدين إلى منزله بعد جلسة عائلية ضمَّته وأبناء عمه في منزلهم القريب، وحين أراد المغادرة صمَّموا على اصطحابه خوفًا عليه، ولم يعلموا أن طائرات العدو الصهيوني كانت بالمرصاد لكل ما يتحرَّك على الأرض، ولا فرق بين مواطن ومقاوم وطفل وامرأة؛ فالجميع عندها أعداء يجب القضاء عليهم.

استهدفت طائرات الاستطلاع الشاب أحمد بصاروخَيْن؛ ما أدى إلى إصابته في جميع أنحاء جسده إصابات خطرة؛ حيث فقد ذراعه اليمنى ومفصل يده اليسرى إضافة إلى إصابته في إحدى عينيه، وفقدانه البصر بها، وكذلك جزء من أمعائه وتلف في البنكرياس؛ ما أدى إلى ارتفاع السكر في الدم بنسبة 1000 درجة، كما فقد أيضًا ثلاثة أصابع من يده اليسرى وعظمة الحوض، وأدت الإصابة المباشرة أيضًا إلى تهتك في جميع أنحاء الجسم.

لم تشفع له إصابته عند المجرمين

هذه الإصابات المتعددة جعلت أطباء غزة يعملون على إحالته إلى العلاج خارج القطاع؛ حيث لا قِبَل لمستشفيات محاصَرة بهذه الإصابات التي تحتاج إلى إمكانيات كبيرة، فذهب أحمد إلى مصر، وقضى هناك عدة أشهر، ثم عاد إلى غزة؛ حيث قرر الأطباء أنه يحتاج إلى طاقم طبي أكثر خبرة، فتمَّت إحالته إلى مستشفيات الداخل يوم (25-11-2009م)؛ وذلك لقلة الإمكانيات المتوفرة في مشافي القطاع ولضرورة إجراء عملية جراحية صعبة ومعقدة في بطنه.

في التاريخ المذكور توجَّه أحمد إلى بوابة بيت حانون (إيريز)؛ حيث حصل على تحويلة علاج في مستشفى بالقدس المحتلة لإجراء العملية الضرورية التي يحتاجها، ولحظة وصوله بوابة معبر بيت حانون برفقة والده سمير عصفور، فوجئ بجنود الاحتلال يطلبون من والده المغادرة والرجوع إلى غزة، ثم تم اعتقال أحمد وهو جريح فاقدٌ الوعي ويحتاج إلى عملية ضرورية عاجله وزجوا به إلى زنزانة قضى فيها 30 يومًا في التحقيق وهو في هذه الحالة الصعبة.

محاكمة الضحية!

تم تحديد جلستَيْن لمحاكمة الجريح أحمد، ولكن في كل مرة لم تكتمل الجلسات لإجراء المحاكمة بالشكل المفروض؛ حيث كان أحمد يفقد الوعي حال دخوله قاعة المحكمة وقد تكرَّر معه ذلك مرتين.

أوهموا أحمد أن والده قد اعترف عليه بأنه كان مقاومًا، وشارك في عمليات ضد العدو، وسألوه عن سلاحه وأين يخفيه، وكان كل ذلك مجرد محاولات كاذبة لإحباطه ونزع اعترافات منه.

تقول والدة أحمد إنهم لم يوكلوا له محاميًا؛ وذلك للتكاليف الباهظة التي يطلبها المحامون؛ ولذا تم تكليف محامٍ يتبع سلطة رام الله، ولكنه لم يفعل أي شيء لينقذ أحمد، وأعربت عن قلقها الشديد على وضعه الصحي المتردي في ظل عدم وجود محامٍ يتولَّى مسؤولية الدفاع عنه، خاصة أنه تم تحديد جلسة جديدة له في (23-3-2010م).

تقول والدة أحمد والألم ينطق من خلال دموعها: “أشعر بحزن شديد لأنني لا أستطيع إرسال رسائل له أشدُّ من أزره وأقويِّه؛ فهو ضعيف جدًّا ولا يقوى على الحركة.. صحيح هو يرسل إليَّ رسائل يطمئنني عن وضعه الصحي، ويرفع من معنوياتي، ولكني أعلم صعوبة وضعه”.

تحاول أم أحمد أن تُسمعه صوتها عبر الإذاعات المحلية التي يسمعها الأسرى داخل السجون حتى يطمئن عليهم، وحاولت الطلب من فضائية “فلسطين” التحدُّث عبرها؛ وذلك لإرسال صوتها إلى ولدها، ولكنها رفضت!.

طعام خاص

يقول والد الأسير الجريح إنهم يرسلون إليه 1000 شيقل في كل مرة؛ وذلك لسد احتياجاته من طعام ودواء؛ “فإدارة السجون لا تهتم لوضعه الصحي المتدهور، وهو بحاجة إلى متطلبات كثيرة وأدوية وطعام خاص.. هذا المبلغ يرهقه كثيرًا؛ حيث لا يستطيع توفيره في كل مرة”.

ويضيف الوالد: “ابني يحتاج إلى عملية ضرورية، وهو في الأصل كان ذاهبًا لذلك، وتم اعتقاله على البوابة، ولم تُجرَ له العملية.. وضعه الآن صعب جدًّا؛ فهو يحتاج إلى طعام خاص بسبب وضعه وحالته الصعبة؛ حيث يوجد فطريات بجسده نتيجة الشظايا التي دخلت جسمه.

وأوضح: “أثناء وجوده بغزة كان له غذاء معين وخاص، وهذا غير متوفر في السجن ولا “الكنتينا” التابعة له”.

أحمد عصفور لم يكن الابن الوحيد الذي أصيب؛ فلدى هذه العائلة ابن مصاب آخر خلال انتفاضة الأقصى، ولا تزال مناشدات العائلة تستصرخ الضمائر الحية في شتى دول العالم، فهل من مجيب؟!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات