كسَّارات الركام.. قاهرة الحصار في غزة
يومًا بعد يوم تزداد وتيرة الحصار الاقتصادي على قطاع غزة المحاصر منذ ثلاثة أعوام ونيِّفٍ؛ حيث تعطَّلت الصناعات الإنشائية تبعًا لعدم توفر الكثير من مستلزمات البناء، والتي منعها الاحتلال الصهيوني عن القطاع بحجج مختلفة، بعد الحرب الأخيرة على غزة أواخر عام 2008م والدمار الواسع الذي أحدثته هذه الحرب الغاشمة، فدمَّرت كل شيء من بشر وحجر وشجر؛ فكان لزامًا على أهالي القطاع البحث عن مصدر بديل لما تمَّ منعه من مستلزمات، وأبرزها الإسمنت والحصى (الحصمة) وحتى الحديد؛ وذلك لتعويض بعض احتياجات القطاع من مبانٍ بسيطة يضطر إليها من فقد بيته.
من ركام المنازل المدمرة
أبو أحمد مصلح (55 عامًا) يملك معملاً للحجارة والباطون شمال قطاع غزة، توقف معمله -والذي كان مصدر رزق لعشرين عاملاً من أبناء القطاع- لمدة سنوات ثلاث هي عمر الحصار الصهيوني، وعاد الأمل يراود جميع من يعملون به، وخاصةً أبو أحمد؛ حين بدأت فكرة إعادة تصنيع حجارة وركام البيوت التي تدمَّرت بفعل آلة الحرب الصهيونية.
يقول أبو أحمد: “كان المعمل متوقفًا عن العمل منذ أن بدأ حصار غزة، وكان المعمل يشغِّل حوالي 20 عاملاً، وبعد الحرب ازداد الطلب على الحجارة لحاجة الناس للبناء وتعمير أجزاء من بيوتهم التي دمِّرت في الحرب”.
ويضيف: “منذ أن دخل الإسمنت عبر الأنفاق من مصر بدأ العقل الغزي يحاول إيجاد البديل للمواد المقطوعة والممنوع إدخالها لغزة، مثل الحصى أو ما يُعرف بالزلط؛ حيث نشطت مهنة جديدة في غزة هي مهنة جمع الحصى من المحررات في جنوب القطاع أو إخراجها من ركام المنازل المدمرة في الحرب؛ حيث يقوم أصحاب المعامل بشراء هذه الحصى من الذين يجمعونها بمبالغ جيدة”.
وتابع: “بدأ عمال كثيرون عاطلون عن العمل بجمع هذه الحصى من المحرَّرات أو من ركام المنازل المدمرة وبيعها لنا لتصنيعها وهذا يكلِّفنا مبالغ كبيرة”.
مراحل العمل
وأشار صاحب المعمل إلى أنه “بعد تجميع هذه الحجارة المتكونة من الزلط وغيره من ركام المنازل، يتم إدخالها إلى كسارة حجارة.. هذه الكسارة تقوم بطحن هذه الحجارة وتحويلها إلى ما يُعرف باسم “حصمة” أو حصى، وهي التي يمنع الاحتلال الصهيوني إدخالها إلى غزة”.
ويبيِّن أبو أحمد أن هذا المجال من العمل فتح الأمل لعائلة 50 عاملاً، هم مجموع من يعمل لديه الآن في هذه الكسارات؛ “فقد أصبح هنالك إقبالٌ جيدٌ على حجارة البناء؛ حيث إن حركة البناء بدأت تنشط الآن بغزة بعد إدخال كميات كبيرة من الإسمنت إلى غزة، كما ازدادت حاجة الناس للحجارة والبناء لمن أراد أن يبني غرفة ليزوِّج ابنه أو يرمِّم بعض أجزاء تدمَّرت من بيته، ولكن لا تصلح هذه الحجارة لبناء طوابق كاملة أو بيوت وأبراج لهشاشتها وعدم كفاءتها لذلك”.
الحاجة أمّ الاختراع
تصنيع كسارات محلية فكرة غزاوية مائة بالمائة؛ حيث تفتَّقت العقول الغزية بعد الحرب عن الكثير من الأفكار المقاومة التي أسهمت في كسر الحصار، ومنها فكرة الاستفادة من ركام المنازل المدمرة؛ حيث خصصت فكرة الكسارات لاستخراج الحصمة، ورغم قلة كفاءتها بالمقارنة بمثيلاتها من الكسارات المستوردة فإنها تنتج يوميًّا نحو 15 طنًّا.
ويوضح أبو أحمد مصلح أنه لجأ إلى شراء هذه الكسارة المحلية منذ شهور لخفض كلفة اضطراره لشراء حصمة من التجار، إلا أنه اعتبر أن صناعة هذه الكسارة وتشغيلها حلٌّ مؤقت، لا سيما أن ركام المباني المدمرة أوشك على النفاد ولم يتبقَّ منه سوى القليل جدًّا.
وأضاف أن البناء في غزة مكلِّف جدًّا؛ نظرًا للتكاليف الباهظة لعملية إنتاج الحجارة ومصادرها من الحصى والإسمنت وغيره، ورغم ذلك فليست الحجارة وحدها هي المفقودة في قطاع غزة، بل يمنع الاحتلال أسياخ الحديد الذي يعاد تأهيله من بقايا ركام المنازل؛ حيث يتمُّ استعماله وكذلك ما يدخل عبر الأنفاق جنوب قطاع غزة.
وينوِّه أبو أحمد بأن سعر الطن الواحد من الحصمة يُباع حاليًّا في القطاع بنحو 150 شيقلاً؛ حيث يقوم بشراء طن الركام بنحو 50 شيقلاً، فينتج منه نحو نصف طن من الحصمة، والباقي رمال.
كلفة الكسارات
رغم تدمير العديد من مصانع الحجارة والباطون شرق قطاع غزة خلال الحرب فإن هذا الدمار لم يفتَّ في عضد أصحاب هذه المصانع، الذين حاولوا النهوض من الرماد، ومحاولة إحياء مصانعهم مرةً أخرى حتى لو كانت تكلفة ذلك كبيرة، فاحتياجهم إلى معاودة العمل كبير، وتفرض عليهم السوق العودة من جديد لاستئناف نشاطهم.
ورغم أن كلفة الكسارة المحلية تتراوح ما بين 2000 و5000 دولار، وطاقتها الإنتاجية تعتمد على مستوى كلفة إنتاجها؛ إذ تتراوح قدرة هذه الكسارات ما بين 15 طنًّا و30 طنًّا في اليوم الواحد، فيما تتجاوز قدرة الكسارات المستوردة والمستخدمة للغاية ذاتها أكثر من 150 طنًّا، إلا أن عدد هذه الكسارات لا يتجاوز أربع كسارات في قطاع غزة، وهي تلبِّي بعض حاجة السكان لمواد البناء.
ويوضِّح أصحاب المصانع والتجَّار الذين كانوا يعملون في تسويق الحصمة أنهم اضطروا للاستعانة بهذه الكسارات لمواصلة أعمالهم، رغم أن كلفة الطن الواحد من الحصمة تصل إلى 350 شيقلاً؛ وذلك بسبب منع الاحتلال دخول الحصمة.
واعتبر هؤلاء التجار هذه الكسارات الأربع أسهمت إلى حدٍّ كبيرٍ في تلبية احتياجات العديد من مصانع الطوب، وكذلك المواطنين المضطرين إلى بناء منازل لإيوائهم؛ بحيث تتكون هذه المنازل من طابق واحد فقط.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...