كيف تم اختراع الشعب اليهودي …( 1-2)

ليس هناك وجود لليهود كشعب، هذه هي خلاصة كتاب “كيف تم اختراع الشعب اليهودي؟” (صادر عن دار فايار في باريس) للمؤرخ والأستاذ الجامعي “الإسرائيلي” شلومو صاند، الذي استند إلى جملة من المعطيات التاريخة والدينية، لكي يبرهن على وجهة نظره التي تعرضت لنقد شديد وازدراء من قبل الصهاينة .كتب أحد منتقدي مؤلف الكتاب “كيف تم اختراع الشعب اليهودي؟” ما يلي: “يتذكر الجميع بعض الملفوظات التي أثارت فضائح: فحسب الإشاعة القادمة من أوروبا أن غرف الغاز لم توجد أبدا في حين أن الإشاعة الثانية القادمة من العالم العربي تقول إن الهيكل اليهودي في القدس من اختراع المستوطنين الصهاينة، على الرغم من أن القرآن يصف عيسى وهو يصلي فيه واقفا . ولكن مع القرن الآتي والذي يعلن عن نفسه بكونه مخيفا نكتشف أن هذين النفيين ليسا سوى تفصيلين .
كتاب شلومو صاند، “كيف تم اختراع الشعب الصهيوني، من التوراة إلى الصهيونية”، يحل القضية بشكل نهائي . الشعب اليهودي لا وجود له: يا لها من مفاجأة إلهية”، لا يوجد تبسيط أكبر من هذا الكتاب (446 صفحة) تنضح صفحاته إحالات ومراجع ومصادر قيمة .
اليهود لم يشكلوا يوماً إثنية حاملة لأصل واحد
يضيف هذا الكاتب منتقدا شلومو صاند: “من غير المفيد لعب دور الأركيولوجي كي نجعل من حائط المبكى امتدادا لمسجد الأقصى، لأنه إذا كان الشعب اليهودي ليس سوى اختراعاً في القرن التاسع عشر تحت الباراديغم الغربي للدولة- الأمة، إذاً فالقضية وجدت حلاً . البعض يستطيعون أن يستنتجوا أنه من الطبيعي بالنسبة لشعب لا وجود له أن يخترع إلى ما نهاية أساطير للتأكيد على وجود زائف” .
يطرح شلومو صاند، هذا السؤال المحرج، الذي يُولّد مجموعة أسئلة رديفة، والتي يمكنها أن تزعزع الرؤية الرسمية، التي يرفعها اليهود إلى مصاف الرؤية الإلهية: كيف تم اختراع الشعب اليهودي؟
هل يُكوّن اليهود شعباً؟ على هذا السؤال يحاول تقديم جواب جديد . وخلافاً للفكرة الشائعة فإن يهود الشتات لم يولدوا من طرد العبرانيين من فلسطين، بل من عمليات تهويد متتابعة في شمال إفريقيا وجنوب أوروبا والشرق الأوسط . وهو ما زعزع أسس التفكير الصهيوني، الذي يريد أن يقنعنا أن اليهود هم أبناء مملكة داود وليسوا ورثة المحاربين البربر أو الفرسان الخازار .
هوية وحركة وأرض موعودة
يبتدئ الكتاب باعتراف من المؤلف بأن الأمر لا يتعلق قط بعمل محض تخييلي . “إنه يطمح أن يكون كتابا ذا طابع تاريخي”، ومع ذلك يذهب، من عدة محكيات تغذيها ذكريات حيث يمنح الخيال نفسه بعض الحرية إلى درجة ما، ويستعرض الكاتب بعض القصص عن الأُسَر التي أحضرتها الحركة الصهيونية من أجل بناء دولة “إسرائيل” . وتمتلئ بالنوادر التي تكشف أن الطابع اليهودي للدولة لم يكن واضحا على الإطلاق، خصوصا وأن الكثيرين من الوافدين الجدد كانوا مسيحيين والكثير منهم كانوا ملاحدة وفوضويين .
يستعرض المؤلف الحوار الطريف ما بين مستخدِم يهودي في فلسطين المحتلة ووافد جديد من إسبانيا .
يسأل المستخدمُ الوافد الجديد:
* هل أنت يهودي؟
لم أدّعِ أبدا أنني يهودي .
* يتوجب تغيير ما يظهر على بطاقة هويتك .
ليست ثمة مشكلة، افعل ذلك .
* من أي جنسية أنت؟
(بعد تردد) جنسية “إسرائيلية” .
* مستحيل، هذا لا يوجد . قال المستخدم .
وما السبب؟
* لأنه لا توجد هوية قومية “إسرائيلية” . قل لي أين ولدت؟
في برشلونة .
* إذا فأنت من جنسية إسبانية؟ قال المستخدم، مبتسما .
لا . لستُ إسبانيا . أنا كاتالاني، وأرفض أن يتم تسجيلي كرجل إسباني . لقد حاربتُ لهذا السبب مع والدي في سنوات الثلاثينات .
حك المستخدم الجاهل جبهته، لم يكن يمتلك معلومات تاريخية ولكنه احترم الأشخاص: “إذا، سنكتب: “الجنسية الكاتالانية”
فكان ردّ الشخص: “رائع” .
يسخر المؤلف من هذه التصرفات ويعلق: “هكذا كانت “إسرائيل” أول بلد في العالم يعترف، رسميا، بالجنسية الكاتالانية” .
يواصل المستخدم مساءلة الوافد الجديد:
* والآن، ما هي ديانتك، سيدي؟
أنا ملحد .
* لا أستطيع أن أكتب هذا . دولة “إسرائيل” لم تتوقع هذا التحديد . ما هي ديانة والدتك؟
حين غادرتها، كانت لا تزال كاثوليكية .
* إذا سأكتب: “ديانة مسيحية”، قال المستخدم، بارتياح .
ولكن ردّ الواصل الجديد كان حادا وجازما: “لا أريد بطاقة هوية وطنية يكتب على ظهرها أني مسيحي . ليس فقط لأن الأمر يخالف قناعاتي، ولكنه يسيء أيضاً إلى ذكرى والدي، الذي كان فوضوياً وأحرق العديد من الكنائس أثناء الحرب الأهلية”، ويتابع الباحث استعراض ذكرياته وذاكراته، فيتحدث لنا عن شخصين من الطرف الآخر، العربي الفلسطيني، أي من “السكان المحليين”، كما يصفهم البعض . كلا الشخصين يحمل اسم محمود . الذي ولد في مدينة يافا سنة ،1945 ولم يكن مصيره كمصير الذين طردوا إلى غزة، ونشأ مع آخرين في “الأزقة الفقيرة للمدينة التي استوطنها بشكل كامل مهاجرون يهود . وخلافا لأقربائهم في منطقة المثلث والجليل فإن فلسطينيي يافا ظلوا معزولين وقليلي العدد” عدد السكان الأصليين كان قليلاً بحيث إنه لم يستطع تطوير ثقافة مستقلة، كما أن السكان الجدد من المهاجرين رفضوا إدماجهم” . وهنا كان الحزب الشيوعي “الإسرائيلي” هو الملاذ الوحيد، “من أجل الخروج من غيتو يافا العربي” .
بفضل الحزب الشيوعي وتربيته العقائدية ارتبط محمود بعلاقة صداقة قوية مع يهودي وأسرّ له أنه كان يود لو يُدْعى “موشي” بل اسمه محمود . وكان أحيانا يخدع بها الكثير من الباعة اليهود، ولكن سرعان ما يستعيد اسمه “محمود” حين يحس بجرح لكبريائه .
من حسن حظ محمود، بسبب انتمائه العربي، أنه لم يستدع لأداء الخدمة العسكرية في ما استدعي صديقه اليهودي . ولكن الصديق اليهودي خرج من الخدمة العسكرية أكثر انغماساً في الحياة “الإسرائيلية”، مما اضطر محمود للهجرة إلى دول أوروبية عديدة قبل أن يستقر في ستوكهولم ويتوقف، منذ فترة طويلة، عن الحلم بالردّ يوماً على من يدعوه باسم “موشي” .
أمّا محمود الثاني، الذي يذكره المؤلف، فقد ولد في قرية صغيرة، لم تعد موجودة، الآن، سنة 1941 . وفي سنة 1948 أصبح لاجئاً، فقد هربت عائلته إلى لبنان، لكن بعد سنة، استطاعت العائلة في ليلة ليلاء أن تتسلل عائدة إلى فلسطين، فاستقرت لدى أقرباء في قرية جديدة في الجليل . وهكذا كان محمود، وخلال سنوات عديدة، يعتبر من “الحاضرين- الغائبين” من قبل السلطات “الإسرائيلية” . وهو ما جعله، وهو طفل، مسكوناً بأحلامه وبالخيال المتوهج الذي لم يتوقف عن إدهاش أساتذته ورفاقه . ومثلما فعل “محمود” الأول، التحق محمود الثاني بالحزب الشيوعي “الإسرائيلي” وأصبح صحافياً وشاعراً . وذهب للإقامة في مدينة حيفا، التي كانت حينها أكبر مدينة مختلطة يهودية وعربية في “إسرائيل” . وفي سنة ،1964 أصدر قصيدة جريئة بعنوان “بطاقة هوية” ألهبت حماس جيل بكامله من العرب .
“سجل،
أنا عربي،
رقم بطاقتي خمسون ألفا،
. . . . إلخ”
ينتهي الأمر بمحمود، وهو هنا الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش، إلى أن يغادر “إسرائيل”، أو فلسطين المحتلة، إلى المنافي المختلفة، من عربية إلى أوروبية، قبل أن يعود إلى الضفة الغربية . فقد سُمح له بعد توقيع اتفاقات أوسلو العودة إلى رام الله . ورفض السماح له بالعودة إلى “إسرائيل” إلاّ في مرة واحدة أثناء تشييع جنازة صديق له . “ولأنه لم يكن يحمل متفجرات فقد استطاع، بعد ذلك، القيام ببعض الزيارت الخاطفة الإضافية” .
هذه صور عن الدولة اليهودية الجديدة، ولكن الصهيونية متغلغلة كما يعترف المؤلف، وبالتالي فإن كتابة تاريخ حقيقي أو مغاير للتاريخ الرسمي يبقى مسألة صعبة . “إنّ تاريخاً يهودياً جديداً، بعيداً عن موشور الزجاج الصهيوني، ليس بالعمل السهل . الضوء الذي يتكسّر فيه يتلقى دونما انقطاع ألوان عِرقيّة مركزية قوية . ويجب على القارئ أن يعرف هذه الحقيقة: إن هذه الدراسة تشكل أطروحة ترى أن اليهود شكّلوا على الدوام مجموعات دينية مهمة ظهرت أو استقرت في مناطق متعددة من العالم، ولكنها لم تُشكّل إثنية حاملة لنفس الأصل، الأوحد، الذي يمكن أن يكون قد انتقل أثناء التيه والمنفى الدائمين . لا يتعلق الأمر هنا بوقائع حوادث ولكن جوهرياً بنقد للخطاب التأريخي المعتاد . وهو ما يقود من وقت لآخر، إلى تقديم ثلاث محكيات بديلة . وقد وضع المؤلّف في رأسه السؤال الذي يطرحه المؤرخ مارسيل ديتيان، في كتابه: “كيف يمكن أن نكون سكّانا أصليين؟” (دار سوي الباريسية 2003) وهو: “كيف يمكن تفكيك الوطنية من التواريخ الوطنية؟” وكيف يمكن أن نتوقف عن ارتياد نفس الطرق، المعبَّدة، في معظمها، بموادّ عبّرت، في الماضي، عن أحلام قومية؟
استحضر الكاتب العديد من النظريات حول الدولة الأمة، ويقول “إن ولادة أمة ما هو بطبيعة الحال مسار تاريخي حقيقي، ولكنه ليس ظاهرة تلقائية بشكل صاف . ومن أجل تقوية الشعور المجرد للوفاء للمجموعة، كانت الأمّة في حاجة، مثل الجماعة الدينية قبلها، إلى طقوس وأعياد واحتفالات وأساطير . وكي تحدد نفسها وتذوب في كيان صلب واحد، هي في حاجة إلى أنشطة ثقافية عمومية ومستمرة بالإضافة إلى اختراع ذاكرة جماعية موحِّدة . مجموعة جديدة من المعايير والممارسات كانت أيضا ضرورية من أجل تشكيل ميتا- وعي، أي نوع من ايديولوجيا توحيدية، وهو ما يشكّل العقيدة القومية” . ويرى الكاتب ان “التمزق الذي تسبب فيه التحديث فصل البشر عن ماضيهم الفوري . سهولة الحركة التي تسبّب فيها التصنيعُ والتمدين لم تكسّر فقط التنضيد الاجتماعي الصلب للنظام القديم ولكن كسّرت أيضاً الاستمرارية التقليدية والدائرية بين الماضي والحاضر والمستقبل . المنتجون الزراعيون لم تكن لديهم حاجة خاصة إلى تاريخ الممالك والامبراطوريات والإمارات . لم يكونوا في حاجة إلى تاريخ جماعات موسعة لأنه لا يوجد لديهم أي اهتمام بالزمن المجرد الذي لم يكن مرتبطاً بحياتهم المحسوسة . محرومون من تصور التطوّر، كانوا يكتفون بمخيال ديني مكون من فسيفساء ذكريات، من دون مفهوم حقيقي للتنقل داخل الزمن . البداية والنهاية كانا متماثلين، والخلودُ كان يستخدم قنطرة ما بين الحياة والموت .
في العالم الحديث المضطرب والعلماني، أصبح الزمنُ المحورَ الرئيسي لسير المخيال الرمزي العاطفي لوعي اجتماعي . الزمن في بعده التاريخي تحول إلى عنصر حمي
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: إعدام السلطة لمسن فلسطيني انحدار خطير وتماه مع الاحتلال
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أدانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الجريمة التي ارتكبتها أجهزة أمن السلطة في مدينة جنين، والتي أسفرت عن استشهاد...

تعزيزًا للاستيطان.. قانون إسرائيلي يتيح شراء أراضٍ بالضفة
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام تناقش سلطات الاحتلال الإسرائيلي في "الكنيست"، اليوم الثلاثاء، مشروع قانون يهدف إلى السماح للمستوطنين بشراء...

أطباء بلا حدود: إسرائيل تحول غزة مقبرة للفلسطينيين ومن يحاول مساعدتهم
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من تحوّل قطاع غزة إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ولمن يحاول تقديم المساعدة لهم. وقالت المنظمة في...

الثاني خلال ساعات .. أمن السلطة يقتل مسنًّا في جنين
جنين - المركز الفلسطيني للإعلامقتلت أجهزة أمن السلطة -اليوم الثلاثاء - مسنًّا، وأصابت آخرين بإطلاق نار مباشر في الحي الشرقي بمدينة جنين، بعد ساعات...

حماس تحذر من تداعيات سلوك أمن السلطة على النسيج المجتمع
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت حركة حماس من تداعيات سلوكيات أجهزة أمن السلطة وتأثيرها على النسيج الوطني والمجتمعي، حيث قتل شاب برصاص...

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...