محللون يؤكدون جدية تهديدات الاحتلال بشن حرب جديدة وآخرون يعتبرونها دعائية

تباينت آراء المحللين السياسيين ومواقفهم إزاء التهديدات الصهيونية لقيادات سياسية وعسكرية ضد قطاع غزة؛ ففي حين اعتبرها البعض تأتي في إطار تهيئة الرأي العام العالمي في حال شن أي عدوان جديد ضد القطاع، وضعها آخرون في إطار حملة تخفيف حدة الانتقادات الدولية للاحتلال، خاصة بعد “تقرير غولدستون”، في حين اعتبر فصيل ثالث أن هذا التهديد مجرد حرب نفسية هدفها إثارة مخاوف الغزيين وإفقادهم الشعور بالأمان.
وكانت حدة التصريحات والتهديدات الصهيونية تزايدت مؤخرًا بعد ادعاء الاحتلال امتلاك المقاومةِ أسلحةً نوعيةً وتجربتها صواريخ قادرة على ضرب مدينة تل الربيع (تل أبيب).
وتلا ذلك تصريح نقل عن رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال غابي أشكنازي، قال فيه إن الحرب القادمة التي ستشنها “إسرائيل” ستكون في القطاع؛ حيث “سيضطر” جيشه إلى خوض حرب في الأحياء وبجانب المساجد والبيوت، على حد وصفه.
تهديدات على محمل الجد
من جانبه أكد مخيمر أبو سعدة أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، أن التهديدات التي يطلقها الاحتلال الصهيوني بين الفينة والأخرى، لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار، وألا يستهان بها، خاصة أن الائتلاف المكون من نتنياهو وليبرمان هدفه إفشال حركة “حماس”، وأن الكيان الصهيوني معنيٌّ بتوجيه حرب عسكرية على قطاع غزة، موضحًا أنه لا خيار أمام المقاومة والشعب الفلسطيني أمام التهديدات الصهيونية، وعلى المقاومة والحكومة الفلسطينية أخذ كافة الاحتياطيات للتقليل من الخسائر في القطاع.
وأضاف أبو مخيمر خلال حديثٍ لصحيفة “الرأي” الحكومية: “لو صدقت التهديدات الصهيونية على القطاع فلن تستهدف المدنيين كالحرب السابقة؛ وذلك بسبب “تقرير غولدستون”، وما اجترَّه من محاكمة للمسؤولين عما حدث في غزة، وإنما ستستهدف القادة الميدانيين للحركة وكذلك المقاومة”.
أما مسألة وجود صواريخ تصل إلى مدن عدة في الكيان الصهيوني فيرى أبو سعدة أن أهمية هذا الموضوع تكمن في السبب الرئيسي الذي دعا رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الصهيوني “عاموس يدلن” إلى طرح هذه المعلومة، والتي يريد وصولها إلى داخل الاحتلال لتكوين رأي عام وللمجتمع الدولي لتبرير الحرب على غزة.
وكان رئيس الاستخبارات العسكرية الصهيونية “عاموس يدلين” قال: “إن حركة “حماس” أجرت تجربة ناجحة لإطلاق صاروخ يصل مداه إلى 60 كيلومترًا باستطاعته الوصول إلى “تل الربيع” في مركز الأراضي المحتلة عام 1948″.
“إسرائيل” تعيش حالة ارتباك
من ناحيته رأى المحلل السياسي تيسير محيسن أن التهديدات الصهيونية تأتي في سياقات عدة؛ أولها أن كيان الاحتلال يعيش حالة ارتباك على الصعيد الداخلي والدولي بسبب المطالبات الدولية بوقف “الاستيطان” في الضفة الغربية كمطلبٍ أساسيٍّ لعودة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، والمحور الثاني يكمن في محاولة الاحتلال الجاهدة لوقف المشروع النووي الإيراني، ولدفع المجتمع الدولي إلى استئصاله، وتحديدًا من خلال توضيح الخطر الذي سيتعرَّض له الكيان و”مواطنوه” من المشروع الإيراني وحلفائها في المنطقة، والتهديدات مستمرة لتبرير موقفه أمام المجتمع الدولي وليظهر بصورة المدافع عن نفسه وعن “مواطنيه”.
أما المحور الثالث فعلى المستوى الدولي، والذي سببه “تقرير غولدستون”، من وجود محاكم في عشر دول بالعالم بها قضايا ضد مجرمي الحرب الصهاينة المسؤولين عن الحرب الأخيرة والمجازر التي تسبَّبوا بها في القطاع؛ ما يدفعه إلى الاستمرار في توجيه التهديدات لتحسين صورته لدى المجتمع الأوروبي.
واعتبر محيسن أن التهديدات بالحرب تستهدف محورَيْ قطاع غزة و”حزب الله”، مشيرًا إلى أن الاحتلال لن يتوقف عن توجيه الضربات المتكررة إلى المقاومة في غزة كما يحدث دائمًا، ولكن الحرب القادمة ستكون عسكرية عكس الحرب السابقة التي كانت سياسية للقضاء على “حماس”، أما الحرب القادمة متى كان موعدها فهدفها شل التيار العسكري في القطاع.
وأشار إلى أن الحرب القادمة على غزة ستستهدف المقاومة الفلسطينية وكافة القواعد اللوجستية التي يرى الاحتلال أنها تزود المقاومة، من أنفاق تكتشفها على يد العملاء ومواقع التدريب، هذا بالإضافة إلى استهداف القادة الميدانيين الفاعلين بهدف إرباك المقاومة الفلسطينية من الداخل؛ ما يساعد الاحتلال على السيطرة على قواعد الحرب والقضاء على المقاومة.
أما بالنسبة لما يتردد عن امتلاك المقاومة أسلحة مضادة للطيران وصواريخَ تصل تل الربيع (تل أبيب) فرأى محيسن أن الأمر من جملة الوسائل التي يستخدمها الاحتلال لتبرير الحرب على القطاع.
التهديدات دعائية
في حين رأى المختص بالشأن الصهيوني صالح النعامي أن التهديدات تأخذ جانب الدعاية أكثر من القيام بحرب على غزة، وقال إنها دعاية أكثر منها حقيقة، والسبب التداعيات التي لحقت بالكيان الصهيوني بعد “تقرير غولدستون”.
أما الترويج لوجود سلاح متطور لدى المقاومة فيأتي بسبب ضبط سفينة الأسلحة على الحدود القبرصية، ولصرف تركيز المجتمع الدولي إلى ما يحاول الكيان الصهيوني تسميته “محور الشر” في العالم.
ويوضح النعامي أنه مما يرجِّح استبعاد الحرب أن الحرب السابقة شنت لوقف تهريب الأسلحة إلى القطاع، والمبرر لحرب قادمة هو وقف تهريب السلاح؛ ففي كلا الحالتين لم يستطع الاحتلال وقف تهريب السلاح، ولكنه وضع في موقف حرج بسبب “تقرير غولدستون” عن الحرب الأخيرة، السبب الثاني أن المبرر الدائم للاحتلال هو إطلاق الصواريخ من القطاع، وهو مبرر غير موجود أيضًا.
كما أن “تقرير غولدستون” أثر في الموقف الصهيوني، وتدنت “إسرائيل” بسببه، وإن كانت تظهر العكس فهي مستاءة جدًّا منه، مضيفًا أن الكفة الآن ترجِّح الحرب باتجاه الجانب الإيراني و”حزب الله”.
وعدَّد النعامي الحالات التي يمكن أن يقدم فيها الاحتلال على شن الحرب بأن يتم تحديد مكان الجندي غلعاد شاليط، “ويضمن الوصول إليه وسلامته في نفس الوقت، أو أن يتم إطلاق الصواريخ من قبل المقاومة وبشكل مكثف، أو أن يتغيب الرئيس المصري عن الساحة السياسية لوجود عدم استقرار في مصر؛ ما يسبب الفوضى على الحدود المصرية الصهيونية، ولن يسمح عندها الكيان الصهيوني بذلك، مضيفًا أنه من المستبعد حدوث أيٍّ من هذه الأمور في المدى القريب.
الحكومة تعتبر التهديدات “أمرًا جديًّا”
من جانبها تأخذ الحكومة الفلسطينية برئاسة الدكتور إسماعيل هنية التهديدات الصهيونية بشن حرب جديدة على قطاع غزة على محمل الجد، وترى في هذه التهديدات أمرًا جديًّا، خاصة بعد أن فشلت الحكومة الصهيونية في تحقيق إنجازات إستراتيجية بعد حربها الأخيرة على غزة.
وأكد الدكتور محمد عوض أمين عام مجلس الوزراء الفلسطيني أن هذه التهديدات تعكس إمعانًا في صلف الحكومة الصهيونية وغطرستها وعدم انصياعها للقرارات والقوانين الدولية، مشيرًا إلى أنه في الوقت الذي تقر فيه الجمعية العمومية للأمم المتحدة “تقرير غولدستون” يخرج القادة الصهاينة بالتهديدات ضد غزة وجنوب لبنان وإيران.
وقال: “إن هذه التهديدات تعكس حالة التأزم الذي تمر به القيادة العسكرية الصهيونية بعد سلسلة من الفشل المتلاحق من حرب تموز (يوليو) على لبنان إلى حرب “الفرقان” على غزة؛ فهي تسعى إلى استعادة قوة الردع التي تلاشت بعد انقشاع دخان البارود من سماء قطاع غزة وبدء الملاحقات الدولية لقادة الكيان.
وأضاف إن فشل حلول التسوية ومشاريع السلام في المنطقة ليدل على أن المنطقة برمتها تتجه نحو التصعيد العسكري والكيان لا يبدي صبرًا طويلاً في انتظار المعالجات السياسية لملف إيران النووي.
وحول جهود الحكومة في مواجهة هذه التهديدات، أشار إلى أن إمكانيات الحكومة لمواجهة حرب ثانية كحرب “الفرقان” بسيطة ومتواضعة، خاصة أن حرب “الفرقان” لم تضع أوزارها بعد، ولم تردم آثارها حتى الآن؛ فلا يزال الحصار مستمرًّا، وعمليات إعادة الإعمار معلقة، والمواد الأوَّلية الأساسية للإعمار غير متوفرة بسبب الحصار.
وأوضح أن جاهزية الحكومة تستند إلى تماسك الموقف الدولي والعربي والشعبي في نصرة الشعب الفلسطيني في غزة، بالإضافة إلى حالة الصمود والثبات التي يتميز بها الشعب الفلسطيني وتلاحم الشعب الفلسطيني مع الحكومة والمقاومة ودعم المقاومة بكل قوة؛ لأنها صمام الأمام الوحيد للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
وأضاف أن الحكومة تعمل على كل المستويات العربية الإسلامية، وتتابع عن كثب المجريات السياسية على الساحات المختلفة الإقليمية والدولية، وتعمل على حشد المجتمع الدولي لإلجام الكيان ومنعه من تنفيذ تهديداته ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
وأكد أن الحكومة الفلسطينية وضعت -بعد دراستها ظروفَ الحرب الأخيرة على غزة ومن خلال التجربة السابقة- مجموعة من إجراءات الأمان للحفاظ على الأداء الحكومي السياسي والأمني والاقتصادي، وأن هذه الإجراءات ستأخذ مكانها في حالات الطوارئ والحروب والكوارث، مطمئنًا الجمهور الفلسطيني بأن الحكومة الفلسطينية لن تتنازل عن دورها في خدمته في حالتَيْ الحرب والسلم على حدٍّ سواء.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...