الأحد 11/مايو/2025

عدم ترشح عباس للانتخابات.. مراوغة أساء تقدير مآلاتها أم قرار أمريكي بالتخلي عنه

عدم ترشح عباس للانتخابات.. مراوغة أساء تقدير مآلاتها أم قرار أمريكي بالتخلي عنه
جاءت تصريحات رئيس سلطة رام الله المنتهية ولايته محمود عباس بعدم ترشحه لانتخابات الرئاسة القادمة لتطرح سؤالاً جوهريًّا حول مغزاها، وهو: هل انقلب السحر على الساحر حينما حاول عباس التلويح بعدم رغبته الترشح في الانتخابات القادمة في خطابه يوم (5-11)، والموجَّه أصلاً إلى الإدارة الأمريكية وما تسمَّى “الرباعية الدولية” لحفظ بقايا ماء وجهه بعد الصفعة التي تلقاها بفشل مشروع التسوية وعدم حصوله حتى على الفتات في ظل التنازلات العديدة التي قدمها للاحتلال؟ أم أن قرارًا أمريكيًّا اتُّخذ مسبقًا باستبداله وكان ينتظر اللحظة المناسبة للإعلان عنه؟
 
صفعة كلينتون
يتضح من قراءة ردود الأفعال حول خطاب عباس أن واشنطن لم تتشبث به، ولم تبد أية إشارة تظهر عزمها على مراجعة اتهاماته إياها بالانحياز إلى الكيان الصهيوني، لا سيما بناء المغتصبات التي تراجعت عن اعتبار تجميدها شرطًا لاستئناف المفاوضات “الفلسطينية – الصهيونية”، وتجاهلت نقاطه الثماني التي طرحها كمعالجة لما اعتبره انسدادًا في الوضع القائم، وجمودًا في العلاقة مع الكيان الصهيوني.
 
لقد جاءت تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون سريعة لتظهر أنها غير مكترثة البتة بخطاب عباس، ووجَّهت إليه وإلى فريقه المحيط به أكثر من صفعة حينما وافقت على تخليه عن الترشح لفترة لرئاسية قادمة، معبِّرة عن ذلك بتطلعها إلى العمل معه بأية صفة جديدة.
 
ولم يشفع لعباس أمريكيًّا أنه مهندس “أوسلو”، وأنه كان من أوائل الأصوات الفلسطينية التي نادت وعملت بإخلاص للتحول من خيار المقاومة إلى خيار التسوية على مستوى حركة “فتح” و”منظمة التحرير الفلسطينية”، وأنه من كان محط رضاها عند اختياره كبديلٍ للراحل ياسر عرفات عندما تمَّت محاصرته في “المقاطعة”، وبعد رحيله في ظروف غامضة.
 
خطاب “المرواغة”
ثمة من يرى من المراقبين والساسة الفلسطينيين أن تلويح عباس بعدم الترشح للانتخابات القادمة لا يتعدَّى كونه “مراوغة” أو “مسرحية” يريد من خلالها الضغط على الأمريكان والصهاينة لتكريس دوره المحوري وزعامته على السلطة، بعد أن نجح في تكريسها على مستوى “منظمة التحرير” وحركة “فتح”، وانتزاع تأييدهما له في الانتخابات، ودفعهم (الأمريكان والصهاينة) إلى تعديل الاهتزاز الحاصل في شعبيته بشكل كبير عقب سحبه “تقرير غولدستون” بضغط منهم، واللطمات التي تلقاها من طرفهم بعد انسحابهم من وعودهم له بالضغط على الكيان الصهيوني لتجميد “الاستيطان” كشرط لاستئناف المفاوضات مع حكومة الاحتلال بزعامة بنيامين نتنياهو.
 
وكان الرئيس السابق للدائرة السياسية لـ”منظمة التحرير الفلسطينية” فاروق القدومي ذكر أن محمود عباس يريد من وراء هذه الخطوة أن يوجِّه رسالةً إلى الإدارة الأمريكية، وتحديدًا إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أنه يريد أن يُخليَ الساحة الفلسطينية كوسيلة ضغط على الأمريكيين والأوروبيين والصهاينة أيضًا.

التضحية برأس “عباس”

وأضاف: “عباس لا يقول الحقيقة للشعب الفلسطيني، ولا أستبعد البتة أن يكون مراوغًا؛ لأن هذه المرة ليست الأولى التي يقوم بها هذا الرجل بالتهديد بالاستقالة ثم العدول عن قراره، كما فعل عندما كان رئيسًا للوزراء في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات”.
 
ووفقًا لهذا التفسير فإن تلويح رئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس بعدم الترشح لم يحرج الولايات المتحدة، حسب كلمةٍ لرئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” خالد مشعل ألقاها يوم (6-11)، والتي أضاف فيها: “قد سمعنا تصريح كلينتون وغيرها تعليقًا على تلويح عباس بالاستقالة، وكأنهم لم يسمعوا شيئًا”.
 
ويعني ذلك برأي مراقبين أن الولايات المتحدة فضَّلت التضحية بعباس لعدم قدرتها على تعديل موقف حكومة الاحتلال حتى في مسألة وقف الاغتصاب لمدة عام، أو الضغط عليها في هذا الجانب خشية إغضابها، مقابل عدم اكتراثها بسلطة رام الله أو الأنظمة العربية التي تصر على المضي قدمًا في مسار التسوية رغم فشله، رافضة العودة إلى خيارات الشعب الفلسطيني الوطنية، وفي مقدمتها المقاومة.
 
وكان مشعل أكد في هذا الصدد أن الإدارة الأمريكية غير راغبة ولا قادرة على إنصاف الشعب الفلسطيني، وأنها لن تغضب الكيان الصهيوني من أجله، وأوضح أن أمريكا تفعل ذلك لأن مصالحها مع العرب مضمونة، سواء أغضبتهم أو لم تغضبهم، أما مصالحها مع الاحتلال الصهيوني فليست مضمونة، ولها ثمن؛ فأمريكا لا تستطيع أن تدير ظهرها للكيان الصهيوني؛ لأنه سوف يعاقبها.
 
ويرى أن “الاحتلال لن يتغيَّر إلا مكرهًا، وأمريكا لن تتغيَّر إلا مضطرة، والتغيير ينبغي أن يبدأ من عندنا نحن الفلسطينيين والعرب”.
 
خطوة استباقية وبدائل
ويرى مراقبون آخرون أن عباس أراد أن يُشهر ورقة عدم ترشحه في وجه الإدارة الأمريكية كخطوة استباقية، بعد أن بلغه نية الأخيرة استبداله، وفقًا لتقارير إعلامية تحدثت عن ذلك منذ فترة، على خلفية اقتناعها باستنفاده أدواره، بعد سنوات من وجوده على كرسي رئاسة الحكومة والسلطة، وتدهور شعبيته في أوساط الشعب الفلسطيني على نحو غير مسبوق في الفترة الأخيرة، سواء كانت هذه البدائل بغرض استعادة الاحترام لمركز السلطة من جديد في شخصٍ كمروان البرغوثي، أو لتقديم مزيد من التنازلات في شخصٍ كمحمد دحلان.
 
ويعتقد هؤلاء المراقبون أن عباس أراد بهذه المسرحية أن يصيب أكثر من عصفور بحجر واحد؛ من بينها حشد التأييد لترشيحه على مستوى حركة “فتح” و”منظمة التحرير” وبعض الأنظمة العربية التي طالبته بالرجوع عن قراره، في محاولةٍ منه لحشر الإدارة الأمريكية في زاوية ضيقة، ووضعها أمام الأمر الواقع للعدول عن قرارها باستبداله.
 
لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية لم تمنحه مزيدًا من الوقت حتى يرتب أوراقه، أو تتركه للحصول على التعاطف الداخلي المطلوب، فسارعت بالإعلان عن موافقتها على تخليه عن الترشح لفترة رئاسية قادمة، والتعامل معه في أي موقع جديد، في إشارةٍ واضحةٍ إلى عدم رغبتها في بقائه في منصب رئاسة السلطة على الأقل.
 
استخلاص النتائج والعبر
وحسب محللين فإن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية تظهر أن قرارًا مسبقًا اتخذ في البيت الأبيض بالتخلي عن عباس “بدون أسف” عليه، واستبدال شخص آخر به، وأن خطابه وفَّر لهم اللحظة المناسبة لإشهاره بكل برود، طالما أن الرجل من وجهة نظرهم استنفد أغراضه، واحترقت أوراقه أمام شعبه، وصار عبئًا على إمكانية تقديم مزيد من التنازلات.

 

وسواء كان التخلي عن عباس أمريكيًّا قرارًا مسبقًا، أو خطوة ترتبت على تداعيات خطابه الأخير، فإن النتيجة تبقى واحدة، سواءٌ ما يتعلق بفشل مسيرة التسوية وعدم استطاعتها تقديم الحد الأدنى من إعادة الأرض والحقوق والمقدسات، وانكشاف كذبة ما يسمَّى رعاية أو رعاة “عملية السلام”، أو ما يتصل بطريقة التعامل مع رموز التسوية، والتضحية بهم على مذبح هذا المسار، بعد استنفاد أدوارهم التي رُسمت لهم، بدءًا بياسر عرفات، ومرورًا بعباس الآن، وربما ستكون لهذه السلسلة بقية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات