الأحد 11/مايو/2025

عائلات ضحايا الحرب على غزة.. مأساةٌ خارج سجلات التاريخ

عائلات ضحايا الحرب على غزة.. مأساةٌ خارج سجلات التاريخ

كان صوتها متهدجًا حزينًا، يحمل في نبراته حزنًا عميقًا، لتسألني بعتاب خفي: لم تتصلي بنا من مدة طويلة ولم تعرفي أخبارنا!، كان ردِّي سريعًا بالاعتذار بسبب مشاغل الحياة، والتبرير أنهم دائمًا في البال، فكيف ننسى عائلةً قدمت ثلاثة وثلاثين شهيدًا في مدة لا تتجاوز أسبوعًا فقط؟!

ردَّت عليَّ بحرقة: “ولكنها ما زالت تقدِّم!! لقد مات أبي في آخر أيام شهر رمضان قهرًا لِمَا حلَّ بنا من مصائب!! ليتبعه خالي (60 عامًا)، والذي فقد أرضه وداره وزوجته، يبدو أن رجال العائلة جميعًا يشعرون بقهر شديد لما حلَّ بعائلتهم من مآسٍ!! بالفعل من مات مات وارتاح، وندعو الله أن يكون مثواه الجنة، ولكن.. من بقي منهم حيًّا بعد الجريمة فهو الذي يموت في اليوم ألف مرة حزنًا على الأحبة الذين مضوا وتركوه وحيدًا!! وربما حزنًا على البيت الذي فقده، ومزروعاته وطيوره التي أصبحت أثرًا بعد عين!.

ذكريات كثيرة ذهبت دون عودة، وأبى الاحتلال الصهيوني أن يتركنا لنعيش على الذكريات الجميلة، فجرَف كل شيء نملكه، حتى الأرض التي كنا مثقلين بسببها بالديون لم نستطع قبل الحرب أن نسدِّد ما علينا من أقساط ثمنها للجمعية الزراعية المجاورة!! فذهبت الأرض وبقيت الديون!.

وتضيف أماني السموني (24 عامًا) -التي فقدت بيتها وثلاثة وثلاثين شهيدًا من عائلتها- أن التعويضات التي حصلوا عليها من جرَّاء فقد الممتلكات والبيوت ساعدت الكثيرين منهم على إعادة بناء ولو غرفة واحدة من منازلهم المدمرة ليؤوي كلٌّ منهم من تبقى من عائلته ويقيهم من حرِّ الصيف القاتل وبرد الشتاء القارس، والذي يستعد لزيارة غزة عما قريب!.
                                             فقدوا الرغبة في الحياة!

كان تفكير والدها الحاج صالح السموني (52 عامًا) يتجه إلى أن هذه التعويضات تُعدُّ فرصةً لبناء البئر القديم بدلاً من البيت المهدوم؛ حتى يستطيع أن يعوض خسارته في أرضه ويسدِّد ما عليه من ديون، ولكن الموت عاجَلَه قبل أن يحقق رغبته تلك؛ فترك وراءه زوجة وولدين و3 بنات، يحاولون جميعًا مواصلة الطريق رغم صعوبتها!.
حال “عائلة السموني” ليس بالأسوأ حظًّا من حال بقية العائلات الغزيَّة التي تعرَّضت لواحدة من أبشع جرائم الحرب التي شهدتها الإنسانية على مرِّ التاريخ، فعائلات كثيرة عاشت ذات التجربة، وربما كانت أكثر مرارةً من تجربة آل السموني، ففقدت كل شيء تملكه حتى الرغبة في الحياة، بعضها استطاع القاضي غولدستون -المكلف رسميًّا من قبل “منظمة حقوق الإنسان العالمية”- الوصول إليه، فوثق مأساة البعض في تقريره، بينما لم يصل للكثيرين ممن عانوا من همجية الصهيوني ودموية جنوده!.

فها هي مأساة الأحياء من عائلة “العر”، والتي كانت تقطن شرق مدينة غزة ما زالت شاهدةً على هذه الدموية والهمجية التي كان على القاضي غولدستون أن يوثقها جنبًا إلى جنب، مع ما وثقه من جرائم حصلت لعائلة كانت تعيش في أرضها آمنةً مطمئنةً كحياة أي مزارع وراعي غنم بسيط.

ناهض العر (26 عامًا) من الأحياء الذين كانوا شهودًا على جريمة حدثت في عالم يدَّعي أنه يهتم بحقوق الإنسان والحيوان كذلك، ناهض العر الذي فقد أباه وزوجته وطفله (ذا الأربعة أعوام) وأخًا وأختين أيضًا في مجزرة هي الأكثر بشاعةً وقبحًا في تاريخ الإنسانية؛ حيث قصفت طائرات العدو بصواريخها الآثمة عائلةً كانت تحاول النجاة من صواريخ العدو وحممه باستقلالها عربة يقودها حمار، فمات الأب والابن والبنتان وزوجة الابن البكر وابنه الصغير في أول أيام الحرب على غزة، ومنع العدو الصهيوني سيارات الإسعاف من الوصول إليهم، ليبقوا في العراء ليالي طويلة يتخللها قصف الصواريخ والغازات السامَّة وتهطل أمطار السماء ترافقها الحمم على منطقة كانت آهلةً بسكان يحلمون بالغد الجميل ويرسمون مستقبلاً زاهرًا لطفل صغير وجدوه بعد انقضاء الحرب بقايا عظام، بعد أن أكلت الكلاب الضالَّة لحمه ونصف جثمان جده أبو ناهض العر!.    

                                                 أثر بعد عين!

هي جريمة أسكتت لسان الأم “أم ناهض العر” للأبد لتفقد النطق بعد الذي رأته من مصيبة، وتعيش في شرود دائم بعد الذي حصل لزوجها وحفيدها الجميل، وبعد فقدانها ابنتين وآخر العنقود ابنها “أركان”!.

ربما ارتاح من مات منهم، ولكن من بقي حيًّا هو من يعيش الموت كل لحظة، خاصةً بعد فقدان الأحبة والبيت والأرض ليعيشوا على مساعدات تقدمها المؤسسات الخيرية في القطاع، بعد أن كانوا أصحاب عز في أراضيهم وبيوتهم!! فأصبحوا اليوم يقفون في طوابير على أبواب الجمعيات الخيرية ينتظرون لساعات طويلة حفنة دولارات تقيهم مساءلة الناس!.
ربما انتبه العالم لما اقترفه العدو الصهيوني تجاه من مات في الحرب الأخيرة على قطاع غزة من جرائم حرب تابعتها وسائل الإعلام من جميع أنحاء العالم، فوثقت أرقام الشهداء والجرحى، ونادت بضرورة تقديم مجرمي الحرب الذين كانوا السبب في هذه الجرائم لمحاكمة دولية عادلة، ترجع الحق لأصحابه وتعوضهم عن خسارتهم، بينما غفلوا عن معاناة الأحياء الذين يموتون في اليوم ألف مرة، والذين تزداد مأساتهم كل يوم، فمنهم من يحاول التأقلم ويواصل الحياة، رغم أن المصيبة هدَّت روحه وكيانه، فبقي يتجرع مرارة الألم ويعيشه صباح مساء، ومنهم من لم يتحمَّل قلبه هذا الألم الشديد فترك الحياة؛ حيث لم يعد له فيها مكان بعد أن فقد كل شيء!.

فهل سيسجِّل قانون البشر في سِّجله هذه الجرائم الخفية أم سيغمض العينين عنها كعادته دائمًا؟! خاصةً إن تعلَّق الأمر بشعب عربي مسلم، تخلَّى عن المطالبة بحقوقه الأشقاءُ قبل الأعداء، فعانقوا جلاديه، وقبلوا القتلة، وطالبوا دون خجل بتأجيل قرار كان من الممكن أن ينصف الضحية ويقدم القتلة لمحاكمة دولية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....