صحفيو الضفة بين مطرقة أجهزة أمن عباس وسندان قوات الاحتلال
حملة مسعورة شنتها أجهزة أمن عباس بالضفة الغربية المحتلة خلال هذا الأسبوع ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في مختلف محافظات الضفة، وسبقتها حملات على مدار الشهور الماضية.
في الجهة المقابلة، لم يتوانَ الاحتلال الصهيوني في استكمال هذه الحلقة في ملاحقة القلم الحر، واختطاف عدد من الصحفيين، وتغييبهم عن الحقيقة التي يعانيها أبناء الشعب الفلسطيني.
وبين شقي هذه الرحى، عاش صحفيو الضفة حالة من اللا وعي في تغطية الواقع ونقل الصورة الحقيقية، فمنهم من يتحدى هذا الاضطهاد وعصى الجلاد وينقل الحقيقة مهما كانت، ويكون مصيره معروفًا ما بين أقبية عباس وزنازين الاحتلال، ومنهم من يهادن قلمه السلطة فيكون من المرضي عنهم.
أحد الإعلاميين البارزين في الضفة يقول: “أعتقد أن الحالة التي يعيشها الإعلام الفلسطيني بالضفة الغربية لم يمر بها من قبل، فهناك تضيق شديد، ومتابعة وملاحقة في كل صغيرة وكبيرة، لدرجة أن الإعلامي بات يشكك في كل شخص يدق باب مؤسسته أو مكتبه”.
ولا يتوانَ هذا الإعلامي، الذي سطر بقلمه الكثير من الوقائع التي مارسها الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين، في القول: “الإعلام يشكل هوسًا لأصحاب القرارات والسياسيين، والجميع يدرك أهمية الإعلام ودوره في المجتمع، ومن هذا الباب يحاولون التضييق على هذه الحرية”.
إلا أنه يستدرك قائلاً: “هذه ليست حجة تستحق كل هذه الملاحقة والتضييق، فالحرية في الإعلام شيء، وممارسة الاضطهاد شيء آخر، ومن يريد أن يكون شفافًا ونزيهًا في العمل المؤسسي عليه أن يعامل الإعلام من هذا المنطق”.
اعتقالات الاحتلال
“كتلة الصحفي الفلسطيني” قالت في تقرير لها أن حرية الصحافة في الضفة الغربية شهدت انتكاسة جديدة الأسبوع الماضي تضاف إلى الانتكاسات السابقة، وذلك بعد حملة شنتها قوات الاحتلال الصهيوني طالت ثلاثة صحفيين من مدينتي نابلس وجنين، في حين اعتقلت أجهزة أمن عباس التابعة لرئيس السلطة محمود عباس صحفيين اثنين آخرين، إضافة إلى ثلاثة ما زالوا قيد الاعتقال منذ عدة أشهر.
وبيَّن التقرير أنه في مدينة نابلس اعتقلت قوات الاحتلال فجر السبت (29-8) الصحفية غفران زامل بعد اقتحام منزلها بطريقة همجية في مخيم عين بيت الماء، وتم تعصيب عينيها، واقتيادها من بين أهلها إلى مراكز التحقيق، علمًا أنها كانت تعمل في صحيفة فلسطين اليومية.
وفي الليلة ذاتها اعتقلت قوات الاحتلال الصحفي محمد فتحي منى بعد اقتحام منزله في حي الضاحية بنابلس، واقتيد إلى معسكر حوارة جنوب المدينة، علمًا أنه لم يمض على زواجه سوى 24 يومًا.
كما اعتقلت قوات الاحتلال فجر الإثنين (31-8) الكاتب الصحفي سري عبد الفتاح سمور (35 عامًا) بعد أن اقتحمت منزله في حي الزهراء بمدينة جنين، وعاثت خرابًا في محتوياته، وسط إطلاق قنابل الصوت.
وباعتقال الزملاء الثلاثة يصبح عدد الإعلاميين في سجون الاحتلال عشرة هم: حسام بدران مدير مكتب نابلس للصحافة، ووليد خالد مدير مكتب صحيفة فلسطين في الضفة، وسامي عاصي من نابلس، ويوسف جعص من جنين، ومحمد القيق ونزار رمضان وأمجد الشوامرة وجميعهم من الخليل.
انتهاكات السلطة
ويتابع تقرير كتلة الصحفي بالقول: “أما على صعيد الانتهاكات الفلسطينية، وهي الأشد وقعًا على النفس وأكثر إيلامًا، فقد اعتقلت الأجهزة الأمنية بالضفة قبل نحو أسبوع الصحفي طارق أبو زيد مراسل قناة الأقصى الفضائية سابقًا في مدينة جنين، علمًا بأنه كان معتقلاً في سجون الاحتلال وأُفرج عنه قبل سبعة أشهر ظل خلالها متواريًا عن الأنظار بسبب ملاحقة الأجهزة الأمنية له على خلفية عمله في قناة الأقصى قبل اعتقاله لدى الاحتلال.
وكذلك فقد اعتقل جهاز الاستخبارات العسكرية في طولكرم الأحد (30-8) الصحفي محمد اشتيوي مدير مكتب قناة الأقصى الفضائية في الضفة الغربية بعد استدعائه للمقابلة، علمًا بأنه استُدعي واعتُقل من قَبل مرات عديدة لدى الأجهزة الأمنية، كما أنه يعاني من أمراض مختلفة.
وباعتقال اشتيوي وأبو زيد يرتفع عدد المعتقلين في سجون الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى خمسة هم: قيس أبو سمرة، وإياد سرور، والكاتب الصحفي عصام شاور، إضافة إلى أبو زيد واشتيوي.
ويضيف التقرير: “كما أن الأجهزة الأمنية حاولت اعتقال الصحفي خليل مبروك بعد مداهمة منزله في حي المعاجين بنابلس، إلا أنها لم تجده وقت عملية المداهمة”.
ضياع البوصلة
وفي استمرار استهداف الصحفيين من قِبل أجهزة أمن عباس، فإن العديد من المراقبين باتوا يشككون في قدرة الإعلام الفلسطيني على الثبات في فضح جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين.
فالبعض يرى أن “حالة القلق والخوف التي تسيطر على الأجواء بالضفة الغربية، والتي تسببت بها الملاحقات المستمرة من قِبل أجهزة عباس، مما جعل تفكير الإعلامي الفلسطيني ينحصر في طرح بعض القضايا، والبعد عن قضايا أخرى قد يظن أنها ستسبب له متاعب متعددة قد تصل في مرحلة ما إلى إنهاء حياته”.
ويتكامل هذا الطرح مع ما يراه آخرون في أنه رغم الزيادة الواضحة في الاعتداءات الصهيونية بحق الفلسطينيين من عمليات اعتقال وسلب للأراضي وتهجير للمواطنين عن بيوتهم، إلا أن وسائل الإعلام باتت لا تنظر إلى هذه الانتهاكات بشكل مباشر، وباتت تفضل أن تبحث عن قضايا قد تبعدها عن الجو السياسي وما قد يشكل لها متاعب مستقبلاً.
ويبقى التساؤل المطروح من قبل المراقبين: متى ستتحقق حرية الرأي والتعبير، حتى تتحقق حرية الوطن من قبل الاحتلال الصهيوني؟