الثلاثاء 13/مايو/2025

ضحايا التعذيب في سجون سلطة أوسلو.. ملفٌّ مفتوحٌ متى يُغلَق؟!

ضحايا التعذيب في سجون سلطة أوسلو.. ملفٌّ مفتوحٌ متى يُغلَق؟!

حصارٌ دوليٌّ وإقليميٌّ يُطبق على غزة، وحصارٌ محليٌّ على الضفة يرافقه صمتٌ دوليٌّ أعطى الضوء الأخضر لممارسة كل الإجرام الممكن لوقف المدِّ الإسلامي والقضاء على “حماس”، ليكون عنوان المرحلة دماءً تلاحق القتلة؛ لعنةً لما اقترفته أيديهم، وما يخفونه في أقبية التحقيق وزنازين العتمة.

قصةٌ قديمةٌ حديثةٌ، مشاهدُ مكررةٌ، وحكايات مُلهِبة؛ أبطالها رجالٌ غُيِّبوا خلف الشمس؛ ليخرجوا على الأكتاف يُحدِِّثون بمأساة لم تنته بعد!.

نطالعكم بهذا التقرير حول شهداء التعذيب على أيدي أجهزة عباس وسلطة “أوسلو”.

سجون السلطة بين 1996 – 2007

خمسة عشر عامًا لسُلطة الحكم الذاتي على أرض فلسطين؛ بدأت بعد انتفاضة الحجارة، إجرامٌ بدأ في غزة، واليوم وبعد “انتفاضة الأقصى” كان إجرامهم في الضفة.. لم يتغير اليوم عن الأمس كثيرًا، وإن كانت المدلولات السياسية والعناوين تغيَّرت.

القتل هو القتل، والتعذيب هو التعذيب، كأن هذه السلطة الدخيلة لا تقتات إلا دماء الفلسطينيين، والحقيقة أن مسلسل الإجرام في سجون السلطة لم يتوقف طيلة الخمسة عشر عامًا لتكون أول حالة وفاة في سجونهم بتاريخ 4-7-1994م، تليها تسع حالات قتل تحت التعذيب في العام 1995م، وثلاث في عام 1996م، وسبع عام 1997م، وأربع في العامين 1998 و1999م، وثمانٍ بعد عام 2000م، أي ما مجموعه 32 حالة، وهذه الحالات كلها كانت بين الضفة وغزة، وعلى خلفيات متعددة.

ظروف الاختطاف وخلفيته بين المحنتين

في السابق كان التعذيب والقتل على تهم منها الجنائية والأمنية أو التعاون مع الاحتلال؛ أما الواقع اليوم فمختلفٌ، ووجه الاعتقال والاتهام هو الانتماء إلى حركة “حماس” أو المعاونة أو المشاركة في نشاطاتها، وإن كان بالحضور فقط.

بين الأمس واليوم ذات التعذيب والجِراح، وينقسم هذا التعذيب إلى قسميْن:

التعذيب الجسدي:

الذي يشمل الضرب المباشر، و”الشبح” المتواصل بأشكاله المختلفة (العادي، بواسطة بكرة، الكرسي المعكوس، الوقوف على الكوبين (الكاسة)، الطاقة للأعلى، الضغط، الضغط على أصابع اليد، ضغط الصدر، الموزة)، والتعريض للمياه أو التيارات الهوائية الساخنة والباردة، والخنق، والكي بالسجائر، والحرمان من الطعام والشراب والنوم … إلخ.

التعذيب النفسي:

ويشمل الحبس الانفرادي فترات طويلة، وعزل المعتقل عن العالم الخارجي، والتهديد بالاعتداء على شرف الأخت أو الزوجة على سبيل المثال، والترهيب والتخويف بأنواعه، مثل استخدام المحققين آلات تسجيل تصدر أصوات صراخ من غرفة مجاورة، أو ضرب معتقل بقسوة لتصدر عنه أصوات ترهب المعتقلين الآخرين.

يبقى ملف نتائج التحقيق والضرب مغلقًا سريًّا، وحجم ضحاياه كبير؛ فلا يظهر إلا مَن يُحمَل إلى قبره، أما التشوُّهات والإعاقات الناتجة من الضرب فلم تظهر بعدُ للمجتمع، والمأساة تُخفي ملفًّا لا يُستَهان به!.

شهداء تحت التعذيب 2008 – 2009

لم يكن الثاني والعشرون من شهر شباط (فبراير) عام 2008م عاديًّا؛ ففيه سُجِّلت أول حالة وفاة نتيجة التعذيب في الضفة الغربية بعد الحسم العسكري في غزة، وهو الشهيد الشيخ مجد البرغوثي (47 عامًا) من بلدة كوبر في رام الله؛ حيث أعلنت وفاته بعد أسبوع من اعتقاله لدى سجن المخابرات العامة، ليرتقيَ الشهيد ويحيا المجرمون آمنين!.

لم ينتهِ عام 2008 بحالة وفاة واحدة في سجون أجهزة السلطة؛ ففي 29-9-2008م أعلنت شرطة رام الله أن المعتقل لدى جهاز المخابرات في سجن أريحا شادي شاهين (27 عامًا)، من سكان مدينة البيرة، توفي في ظروفٍ غامضةٍ!!، وهو متهم بإطلاق النار على نبيل عمرو؛ حيث اعتقله الاحتلال، وبعد الإفراج عنه اعتقله جهاز المخابرات ليودع سجن أريحا للتحقيق معه بعيدًا عن ضغوط عائلته، وفور وفاته أعلن جهاز المخابرات أنّ الوفاة طبيعية!!، ويُشار إلى أنّ شاهين ينتمي إلى حركة “فتح”.

أما عام 2009 فلم يكن أفضل من سابقه؛ ففي 8-2-2009م ارتقى الشهيد محمد الحاج (30 عامًا) من بلدة جلقموس في جنين، إثر التعذيب في سجن الأمن الوقائي؛ حيث عُثِر على كدمات وآثار التعذيب واضحة على جسده الذي كان لونه بين الأسود والأزرق، ومن الجدير بالذكر أنه استشهد بعد ثلاثة أيام من اختطافه الأخير.

وأربعة أشهر أخرى انقضت على استشهاد الحاج ليكمل المسلسل حلقاته، هذه المرة الشهيد من بلدة دورا محافظة الخليل الممرض هيثم عمرو (23 عامًا)؛ وذلك بتاريخ 15-6-2009، وقد توفي نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرَّض له في سجن المخابرات.

أما المسؤولون عن القتل فهم: ماهر عبد القادر عمرو، وهو يشغل منصب مدير التحقيق في مخابرات الخليل، ومحمد منصور (أبو عاصم) رئيس جهاز المخابرات، وشارك في الجريمة منذر غيث من مدينة الخليل، وهو مسؤول عن حوادث شلل أيدي الكثيرين من المختطفين إثر “الشبح”.

لم يكتمل التحقيق ولم يتم القصاص لتطالعنا جريمة جديدة بعد شهرين كان ضحيتها الشهيد كمال أبو طعيمة (44 عامًا) من سكان مخيم الفوار محافظة الخليل، وكان أبو طعيمة معتقلاً لدى السلطة الفلسطينية مدة تسعة أشهر، وأفرج عنه قبل أكثر من شهر ونصف (قبيل إعلان وفاته) بعد إصابته بجلطةٍ حادةٍ نتيجة التعذيب في مقر الأمن الوقائي؛ نقل إثرها إلى الأردن للعلاج؛ ليعودَ إلى ذويه شهيدًا.

أسبوعٌ على إعلان استشهاد أبو طعيمة، ليُستَشهَد فادي حمادنة (28 عامًا) من عصيرة الشمالية في نابلس بتاريخ 10-8-2009؛ حيث توفي نتيجة التعذيب في سجن الجنيد التابع للمخابرات العامة.

بين سجون الاحتلال وسجون السلطة

مجمل الشهداء:

بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال 195 أسيرًا منذ عام 1967؛ منهم 70 استشهدوا نتيجة التعذيب القاسي في السجون الصهيونية الذي شرعته المحاكم الصهيونية، و48 استشهدوا نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمد، و70 نتيجة القتل العمد بدم بارد بعد الاعتقال، وسبعة نتيجة إطلاق النار المباشر عليهم من قِبل الجنود والحراس وهم داخل السجون؛ بمعدل خمسة شهداء في كل سنة.

مجموع الشهداء والقتلى على أيدي أجهزة أمن عباس منذ 15 عامًا يقارب 44، أي بمعدل ثلاثة كل عام، والواقع أقسى.

نتيجة التعذيب:

في سجون الاحتلال كان الشهداء نتيجة التعذيب والقتل 77 بمعدل شهيدين كل عام، بينما لدى أجهزة أمن عباس وفي أقل من عامين -على اعتبار أن أول حادثة استشهاد تحت التعذيب كانت الشيخ مجد البرغوثي 22-2-2008-، وصل عدد الشهداء إلى ستة!!، بمعدل شهيد كل ثلاثة أشهر، وهو يكافئ ثلاثة شهداء كل عام!!.

حقوق الإنسان والمجتمع الدولي.. غياب عن الضفة حضور في غزة

كلما ذُكِرَت حقوق الإنسان ذُكِرَ معها الحق المنسي والحقوق المغيَّبة.. في غزة إن تحرَّكت الحكومة خطوة أو أصدرت قرارًا تجد كل المؤسَّسات الحقوقية بدأت تشحذ ألسنتها وبياناتها وترفع تقاريرها لإثارة الرأي الدولي العام، بينما في الضفة لا تسمعُ لهم رِكزًا، كأن ما يجري في الضفة لا يعني المجتمع الدولي ولا يمس حقوق الإنسان!!.

مؤسسات بلا حقوق، وحقوق بلا حماية، ووأد للحقائق وطمس لمعالمها، والسلطان هو التهديد والإجبار، فلا صوتَ فوق صوتِ قانون الغاب.

ماذا بعد؟

إن ما يجري ليس إعدامًا للحقائق، بل تعدَّاه إلى التزوير والتشويه، ولا تزال حلقات خطة دايتون تضيِّق الخناق وتضرب.

إن ما يجري في الضفة اختزالٌ لمفهوم الحريات، وما صمت المجتمع الدولي إلا موافقة ضمنية وختمٌ على مجريات الأحداث، كما يُعتَبر كل مشارِك في الضرب والاختطاف والقتل شريكًا في الجُرم؛ بدءًا من رأس الهرم في سلطة عباس، ومرورًا بمركزية “فتح” ومجلسها الثوري، ووصولاً إلى رؤساء المقرات الأمنية على طول الضفة الغربية ومديريها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات