التقدير الاستراتيجي (15): التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال وانعكاساته على الو

ملخص التقدير: حصرت اتفاقية أوسلو مهمة السلطة الفلسطينية في السيطرة على سكان الضفة والقطاع، وحماية أمن الكيان. وألزمت خريطة الطريق رئاسة السلطة بمحاربة المقاومة وضرب بنيتها التحتية؛ مقابل وعد بـ”إمكانية قيام دولة فلسطينية”. على هذه الخلفية، تشكل فريق التنسيق الأمني الأمريكي، الذي أدت خططه إلى حصول الانقسام الفلسطيني؛ سياسياً وجغرافياً. وما تزال رئاسة السلطة وحكومة رام الله تصران على السير وفق خطط دايتون؛ حيث يجري اغتيال عشرات المقاومين واعتقال المئات منهم. إضافة إلى مباشرة تفكيك تشكيلات عدد من أجنحة المقاومة. في ضوء ما تقدم، ينتظر مستقبل الساحة الفلسطينية أحد ثلاثة سيناريوهات. الأول: وقف الاعتقالات في ظل استمرار مهمة دايتون في الإشراف على عمل الأجهزة الأمنية والتنسيق بينها وبين قوات الاحتلال. الثاني: وقف التنسيق الأمني تمهيداً لموافقة حماس على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. الثالث، وهو الأرجح: استمرار عملية التنسيق الأمني وتكريس حالة الانقسام الجغرافي بين الضفة والقطاع. |
مقدمة:
شكلت مواجهات قلقيلية، في 31/5/2009، بين الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة رام الله وعناصر من كتائب الشهيد عز الدين القسّام، مناسبة لإعادة طرح إشكالية التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال. وسلطت الضوء من جديد على تكوين هذه الأجهزة وعلى دورها في الضفة، وأجندة عملها؛ خصوصاً أنها ما تزال تتمادى في ملاحقة المقاومين من مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية، وتُمعن في تفكيك تشكيلات الأجنحة العسكرية، وتدمير بنيتها التحتية.
مع العلم بأن خريطة الطريق تلزم السلطة بفرض النظام في الضفة والقطاع، وحماية أمن الاحتلال؛ عبر تفكيك كافة الأجنحة العسكرية، ووقف ما أسمته العنف، كخطوات إلزامية على طريق “قيام دولة فلسطينية”.
خلفية تاريخية:
كان واضحاً منذ بداية مسيرة التسوية السلمية، بأن هدف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الأول هو قيام دولة فلسطينية مستقلة، بينما كان هدف “إسرائيل” الأساس هو التخلص من عبء إدارة سكان الضفة والقطاع مع الاحتفاظ بأكبر مساحة من الأرض، وحماية أمن “إسرائيل”.
على هذه الخلفية جرى التوقيع على اتفاقية أوسلو، حيث سمحت “إسرائيل”، للسلطة، بتشكيل أجهزة أمنية بعديد يبلغ نحو 3 آلاف عنصر. ثم زيد إلى 30 ألفاً بموجب أوسلو 2، ثم زيدت مرة أخرى حتى وصل تعدادها قبيل انتفاضة الأقصى إلى ما يقارب 40 ألفاً.
إلاّ أن فشل كامب ديفيد في تموز/ يوليو 2000، في حسم قضايا المرحلة النهائية ورسم حدود الدولة الفلسطينية وتحديد موعد الإعلان عنها، أدى إلى انطلاق انتفاضة الأقصى؛ التي شجعها رئيس السلطة ياسر عرفات سراً فيما بعد. حيث كانت الأجهزة الأمنية، خلال تلك الفترة، تحت إمرته؛ وكان يصر على بقائها ضمن صلاحياته المباشرة؛ باعتبارها مصدراً أساسياً للقوة والسلطة.
ثم ظهرت خريطة الطريق سنة 2003، واشترطت على الجانب الفلسطيني ضرورة إحداث تغيير في القيادة الفلسطينية، واستحداث منصب رئيس الوزراء؛ يكون الجهة المسؤولة عن الأجهزة الأمنية؛ لكي يتمكن من تنفيذ الالتزامات الأمنية المطلوبة من السلطة بموجب الخريطة ذاتها.
وعلى الخلفية نفسها، وفي آذار/ مارس 2005 جرى الاتفاق بين رئيس السلطة محمود عباس وإدارة بوش وحكومة شارون، على تشكيل فريق التنسيق الأمني الأمريكي؛ مهمته تدريب وتجهيز قوات الأمن الفلسطينية، والإشراف على عملية التنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة.
الموقف الإسرائيلي:
تعاملت حكومة الاحتلال في الملف الأمني بموجب رؤيتها لدور السلطة في عملية التسوية. لذلك، فقد جاء رد رئيس الحكومة الإسرائيلية شارون على انتفاضة الأقصى، من خلال شن حملة تدمير واسعة طالت معظم مقرات السلطة ومؤسساتها. وفي نهاية شهر آذار/ مارس 2002، شنت قوات الاحتلال عملية السور الواقي، التي أدت إلى إعادة احتلال كافة مدن الضفة، في تعبير عن قرار “إسرائيل” إسقاط اتفاق أوسلو، وتقويض دعائم السلطة؛ عقوبة لها على تقصيرها في مهمة حفظ الأمن وفق المعايير الإسرائيلية.
وحتى عندما ظهرت خريطة الطريق سنة 2003؛ تدخلت “إسرائيل” في صياغة مضامينها قبل الإعلان عنها، ووضعت عليها 14 تحفظاً بعده، واشترطت على إدارة بوش مراعاة تحفظاتها مقابل موافقة الحكومة على الخطة! حيث تمحورت هذه التحفظات حول وجوب ضرب المقاومة، وحماية أمن “إسرائيل”، قبل أي خطوة سياسية.
وبالرغم من قيام عباس بعدة خطوات في المجال الأمني، إلاّ أن حكومة الاحتلال لم تكن راضية عن تلك الإنجازات؛ واعتبرتها دون المستوى المطلوب، وأعلنت “عدم وجود شريك” فلسطيني للسلام. وبناءً على ذلك، بلور شارون خطة الفصل الأحادي الجانب كتعبير عملي عن تنصله من عملية السلام بموجب خريطة الطريق؛ التي يفترض أن توصل إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية.
وفي الوقت نفسه انضمت الحكومة الإسرائيلية إلى الاتفاق الذي أدى إلى إنشاء فريق التنسيق الأمني في آذار/ مارس 2005. ولم يكتف الاحتلال بوصف الغاية المرجوة من عمل الفريق، وإنما اشترط ضرورة إطلاعه أولاً بأولٍ على برامج عمل الفريق وضرورة موافقته على كافة إجراءاته وخطواته. ما يعني بأن الحكومة الإسرائيلية قد احتفظت لنفسها بموقع المراقب، الذي يضع علامات تقييم أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
على هذا الأساس، نقلت بعض المصادر الإعلامية بأن الحكومة الإسرائيلية أنّبت دايتون وفريقه على فشلهم، بعد قيام حماس بالحسم في القطاع منتصف سنة 2007. وفي نهاية سنة 2008 أشاد عدد من مسؤولي وزارة الحرب الإسرائيلية بأداء عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية على دورهم في التنسيق مع قوات الاحتلال وملاحقة المقاومين؛ حيث نقلت مصادر صهيونية عنهم قولهم: إن تطوير قوات الأمن الفلسطينية الجديدة خطوة حقيقية باتجاه محاربة حركتي حماس والجهاد. ولم يمنعهم ذلك، من توجيه تحذير إلى الأجهزة نفسها، بالقول: ولكن إذا فشلت هذه القوات بالاقتحامات الليلية لاعتقال نشطاء الحركتين، فلن يكون للاستقرار في المنطقة أثر حقيقي؟.
موقف السلطة:
منذ بداية توليه رئاسة السلطة الفلسطينية، شرع محمود عباس في تنفيذ البنود الأمنية لخطة خريطة الطريق، فأبرم اتفاق القاهرة مع فصائل المقاومة في آذار/ مارس 2005، توصل خلاله إلى إعلان تهدئة فلسطينية من جانب واحد؛ أملاً منه في أن يلقى ذلك رضاً إسرائيلياً؛ ولكن من غير جدوى.
وفي الوقت نفسه، وبالرغم من عدم إعارة الجانب الإسرائيلي الاهتمام لأي من خطوات عباس، استمرت السلطة في التعاون مع فريق التنسيق الأمني؛ على مستوى إصلاح الأجهزة الأمنية ودمجها، وإعادة إطلاق عملية التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال.
ولمجرد ظهور نتائج انتخابات المجلس التشريعي في كانون الثاني/ يناير 2006، بدأ عباس في عملية استعادة مسؤولية الأجهزة الأمنية إلى الرئاسة، بعد أن كان قد أحالها إلى وزير الداخلية ومجلس الوزراء؛ في إشارة واضحة إلى مدى حرصه على الإمساك بالأداة الأمنية كحاجة ضرورية من أجل ضمان استمرار مسيرة التسوية مع الإسرائيليين.
وعندما شكلت حماس حكومتها العاشرة، وقادت حكومة الوحدة الوطنية الحادي عشرة، كان لأطراف متنفذة في فتح والسلطة أدوار في استخدام الأجهزة الأمنية كأداة للفلتان الأمني ونشر الفوضى، بشكل يهدف إلى إرباك “حكومة حماس” وصولاً إلى إسقاطها. وهو الأمر الذي تطور لاحقاً إلى رد الفعل الذي قامت به حماس من خلال الحسم في 14/6/2007، ومن ثم الانقسام بين الضفة والقطاع.
وبالرغم مما تقدم، استمر رئيس السلطة في تنفيذ “التزاماته” الأمنية بموجب خريطة الطريق، إنما هذه المرة على ساحة الضفة الغربية. حيث كلف عباس سلام فياض، بعد يوم واحد من حصول الحسم، بتشكيل “حكومة طوارئ”، وبدأ بإصدار سلسلة مراسيم كان منها المرسوم الذي صدر في 26/6/2007، الذي أعلن بموجبه حل كافة ما أسماها ” المليشيات المسلحة”، قاصداً بذلك فصائل المقاومة. وانطلقت حكومة فياض في ملاحقة المقاومين، ومباشرة تفكيك تشكيلات المقاومة، ونزع أسلحتها، حتى أن الحكومة في رام الله اعتبرت حيازة الأسلحة مخالفة يحاكم عليها القانون.
دور دايتون:
بدأ الجنرال دايتون من حيث تنتهي أنظار الفلسطينيين والأردنيين، قائلاً لهم: إذا كان لا بد من دولة فلسطينية فثمة عمل جاد بانتظارنا؛ على الحدود، وعلى إدارة المعابر. ثم هناك أيضاً غزة، وتشكيلات حماس المسلحة، التي تشكل تحدياً ضخماً لمستقبل الدولة الفلسطينية.
باختصار، هذه الغاية التي جاء الجنرال الأمريكي من أجل تحقيقها، بحسب تعبيره. وهذه هي الوظيفة المطلوب من الفريقين المخاطبين مساعدته لإنجازها، هذا إذا رغبا بالحصول على وعد بتحقيق الحلم الفلسطيني، وجعل الأردنيين ينامون من غير “أحلام مزعجة”، تأتيهم من غربي النهر.
وكترجمة للسياسات العامة المتفق عليها، أوضح دايتون بأن فريقه يعمل بالشراكة مع الفلسطينيين والأردنيين والإسرائيليين، خلال سنة ونصف، بشكل ذي صلة وثيقة بعنوان “السلام عبر الأمن”، ليدلل على أن عمله هذا يمثل برنامجاً إقليمياً، تشترك فيه كافة الجهات المعنية.
وبالفعل، فقد جرت عملية إعادة صياغة العقيدة الأمنية لدى عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ومن جملة ما كانت تُعبئ به وزارة الداخلية عناصرها، التوجيه القائل: لم تأتوا إلى هنا لتتعلموا كيف تقاتلون “إسرائيل”. وهكذا، استمرت عملية التعبئة حتى أشاد بها دايتون نفسه بقوله: لقد تولدت ثقة لدى عناصر الأجهزة الأمنية بأنهم يبنون دولتهم.
في ظل هذه الوقائع، اختفت مظاهر العداء والصدامات بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وقوات الاحتلال، وحتى مع المستوطنين، وتبدل الأمر لتحل مكانه مظاهر الثقة والتعاون. وقد أشارت التقارير وتصريحات عدد من كبار ضباط الاحتلال بأنه يجري التنسيق ببين الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الفلسطينية؛ لمواجهة التظاهرات، وملاحقة المقاومين، الذين أسموهم “الإرهابيين”، وكشف بنية المقاومة التحتية، وتدميرها.
وفي المقابل، جرى اعتماد سياسة التشدد مع أجنحة المقاومة الفلسطينية “العصابات المسلحة”، وتفكيك التشكيلات العسكرية “الم
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أطباء بلا حدود: إسرائيل تحول غزة مقبرة للفلسطينيين ومن يحاول مساعدتهم
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من تحوّل قطاع غزة إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ولمن يحاول تقديم المساعدة لهم. وقالت المنظمة في...

الثاني خلال ساعات .. أمن السلطة يقتل مسنًّا في جنين
جنين - المركز الفلسطيني للإعلامقتلت أجهزة أمن السلطة -اليوم الثلاثاء - مسنًّا، وأصابت آخرين بإطلاق نار مباشر في الحي الشرقي بمدينة جنين، بعد ساعات...

حماس تحذر من تداعيات سلوك أمن السلطة على النسيج المجتمع
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت حركة حماس من تداعيات سلوكيات أجهزة أمن السلطة وتأثيرها على النسيج الوطني والمجتمعي، حيث قتل شاب برصاص...

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...

شهيد بقصف مسيّرة إسرائيليّة دراجة نارية في جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخص، اليوم الثلاثاء، إثر قصف من مسيّرة إسرائيليّة على بلدة حولا جنوبيّ لبنان، في استمرار للخروقات...