السبت 27/يوليو/2024

الشيخ أحمد ياسين … وريث الأنبياء والصحابة والصالحين

إبراهيم المدهون

كنت أستمع إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم “إن العلماء ورثة الأنبياء” فأمر عليه مرور الكرام، وأظن أن هذه الوراثة تتمثل في تناقل النصوص وتعليمها للناس، إلى أن عشت في رحاب الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، هنا أدركت المغزى الحقيقي لحديث رسول الله، بل رأيته مجسداً بكل معنى من معانيه وكل جانب من جوانبه في هذا الشيخ المقعد صاحبة الهمة والعمل الدؤوب، والله كأن هذا الحديث يشرح بكل دقة حياة هذا الرجل.

فأي جانب من جوانب سيرته وأيامه ومعاناته وأمله وصبره وعبادته لم يرثه من نبي من الأنبياء، أو صديق من الأولياء أو صحابي جليل من صحابة رسول الله، فما نظرت إلى شطر وزاوية من زوايا الشيخ إلا وشاهدت شطر نبي و زاوية صالح و عمل صديق.  

فأخذ عن نبي الله إبراهيم عليه السلام أنه امة، فكان رحمة الله أمة بذاتها تَحرك حينما نام الناس، وتقدم حينما تأخر الناس، وحمل اللواء حينما تقاعس الزعماء، ووقف بوجه الباطل حينما جبن الشجعان، حتى باستشهاده أحيا الأمة وزلزلها وأيقظها، وواجه شارون كما واجه الخليل النمرود، وقُذف بالنار واللهب كما ألقي فيها إبراهيم عليه السلام.

وورث عن نبي الله يوسف بأن خُير بين الباطل والسجن، فكان السجن أحب إليه مما يدعونه إليه، ولم يخرج من معتقله إلا بمعجزة من الله.

فالله عز وجل الذي أخرج يوسف من غياهب الجب أول مرة، وأخرجه من خلف سدود السجن، هو من هيأ الظروف وسبب الأسباب ليخرج الشيخ من السجن أول مرة، ومن المؤبد  ثاني مرة، وما ظننا أنه عائد إلى بيته لولا قدر الله الغالب.

وورث عن نبي الله أيوب أنه ابتلي بكل جزء من جسده، فجسده هامد لا يقوى على أن يحرك إصبعاً من أصابعه، وكان يتحمل من الأوجاع والألم ما لم يتحمله جبل.

فيأكل بألم، ويشرب بألم، ويتكلم بألم، ويسمع بألم. حياته مجموعة من الآلام والأوجاع، ومع ذلك لا تسمع منه إلا لسانا شاكرا وقلبا خاشعا.

وأما عن حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم فلم يترك شيئاً يفعله الرسول ويحض عليه إلا ويلتزم بأدق تفاصيله، ولا غرابة إن ردد شعاره الخالد الرسول قدوتي يعلمها للأجيال من بعده.

أضف إلى ذلك انه هُجر عن أرضه ووطنه، وأبعد عن مكان آبائه وأجداده ظلما وعدوانا وطغيانا، فكان مهاجراً مهجراً كما كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا شبهه  بالأنبياء والمرسلين، فكيف حاله مع الشهداء والصالحين؟

فإن كان الصحابي الجليل عمرو بن الجموح رضي الله عنه قال: (إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة) ، فماذا سيقول الشيخ وهو يتقدم إلى الجنة بجسد هامد لا حراك فيه، ويسير مسرعا في ركب الجهاد والشهادة بهذا الشلل الذي أصاب أركانه ولم يصب همته وحبه للجهاد.

حتى استشهاده رحمه الله كان يشبه استشهاد الصالحين وعظماء هذه الأمة، فإن استشهد عمر بن الخطاب وهو في صلاة الفجر، وإن ارتقى علي بن أبي طالب وهو يسير إلى الفجر، فالشيخ أكمل المثلث أنه استشهد بعد الفجر، ليكون رفيق عمر وعلي رضي الله عنهم أجمعين.

رحم الله الشيخ الذي نال ما تمنى وارتقى إلى العلى بأفضل صورة وأجمل طلة وأبهى منظر، فأي سيناريو هذا الذي أعد لزفافه إلى جنة الحور، والله إن استشهاده بهذه الهيبة والعظمة لتدل بما لا يدع مجالا لشك أن عناية الله تعالى كانت ترعى هذا الزفاف المهيب إلى الجنان.

فمن يتصور أن يقوم المجرم شارون بحشد الطائرات والإعلام ويختار الفجر، ليفجر اللهب في جسد الشيخ القعيد. أكان يحتاج رجل كالشيخ استنفار كيان غاصب؟

رحل الشيخ كما أحب وتمنى، وبقي قاتله شارون اللعين ” اليوم ننجيك ببدنك لنجعلك آية لمن خلفك”

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات