الإثنين 12/مايو/2025

التكتم الإعلامي الصهيوني على مجريات عدوانه ضد غزة .. الأبعاد والنتائج العكسية

التكتم الإعلامي الصهيوني على مجريات عدوانه ضد غزة .. الأبعاد والنتائج العكسية
حرصت الماكنة العسكرية الصهيونية على التعتيم الإعلامي حول حربها العدوانية الدائرة حالياً ضد قطاع غزة، على المستويين الداخلي والدولي، والتكتم الشديد حول حدة المواجهات التي تتعرض لها على يد المقاومة الفلسطينية التي تتصدى ببسالة لها، والخسائر التي تتعرض لها في صفوف جنودها ومعداتها، جراء ذلك، أو الصواريخ التي تسقط على مدنها التي لاسيما التي استهدفت مواقع عسكرية.

                         منع الصحفيين من دخول غزة والاقتراب من قواته

أقصى درجات هذا التكتم الذي أصبح أبرز سمات عدوانه على غزة عمد الكيان الصهيوني إلى عدة ممارسات ضد وسائل الإعلام في بلاده وضد الصحافة ووكالات الأنباء العالمية، لاقت احتجاجا واستهجانا كبيرين. فقد حال دون اقتراب الصحافة المحلية والأجنبية من قواته في تخوم قطاع غزة فضلا عن الدخول إلى غزة، وفرض رقابة صارمة على جملة أمور، يتعرض مخالفها للمحاكمة بسيف قانون الطوارئ وإفشاء أسرار عسكرية، أهمها حظر الكشف عن سقوط الصواريخ وأماكن وقوعها وحجم تأثيرها، ومنع النشر عن الاشتباكات التي تتعرض لها قواته في مواجهاتها مع المقاومة الفلسطينية في إطار الحرب البرية، التي تتصدى لها ببسالة وتحول دون تقدمها، ومنع الصحفيين الصهاينة والأجانب، من لقاء الجنود الجرحى الذين يصابون بمعارك غزة، والتحكم بالأخبار من خلال مجموعة من الناطقين الرسميين الذين يقدمون للصحافة ما يرغب جيش الاحتلال به.

وبحسب مراقبين؛ فإن الكيان الصهيوني يخفي خسائره، ولا يسمح بتسريبها، لأن ذلك من شأنه أن يولد ضغوطا داخلية عن الحكومة الصهيونية وجيش الاحتلال، وخوفا من انقلاب “جبهته الداخلية” فيما لو علمت بحجم الخسائر التي يمنى بها، والصعوبات التي تكتنف حربه البرية بفعل عدم قدرته على التوغل ميدانيا، والمفاجآت التي تتوعده المقاومة بها.

                            فن خداع الجمهور على الطريقة الصهيونية

وقد أثار هذا التكتم الإعلامي الصهيوني المتعمد جملة من الانتقادات الداخلية والدولية من جهات إعلامية وحقوقية، فقد هاجم “آفي فاكسمان” الخبير في الشؤون العسكرية والكاتب في صحيفة “معاريف” العبرية  بشدة هذا التصرف معتبرا أنه خداع للجمهور الصهيوني، وجاء في مقالة له: “التعتيم الرهيب الذي تفرضه رقابة الجيش على الحقائق القادمة من غزة، سيرتد فجأة إلى نحورنا، يجب أن تحصن الجبهة الداخلية ضد الصدمات، لا أن تهيئ لنا الحكومة الصدمات بشكل منسق و غير محسوب ..هل ننتظر أن تخبرنا كاميرات مقاتلي حماس عن حرق جنودنا في داخل دباباتهم، أم ننتظر أن تبث لنا فضائية حماس رسائل جنودنا وهم يتوسلون ..يما … يما … على الحكومة أن تسمع وتعلم .. أننا لا نريد غير الحقيقة”.

وأضاف قائلا: “الجيش يجب أن يستخلص العبر كي ينتصر، و هذا ما يريده كل إسرائيلي، لكن ليست العبر بأن يتقنوا فن خداع الجمهور، ويقولوا أننا نحقق أهداف خطتنا كما رسمنا لها، والواقع يرد عليهم بأن لا شيء يتم تحقيقه، المجادلة تتم بين الجيش وساسته وبين الميدان، والغائب الوحيد عن المشهد هو جمهور الجبهة الداخلية، الذي سر كثير لما سمعه عن المفاجأة الأولى و القاصمة والقوية، لكن سروره سرعان ما بدأ يتبدد بعد أن دخلنا مرحلة لم نكن نتصورها، وأنا أؤكد أن لا باراك المغرور ولا ليفني الجاهلة ولا أولمرت المهزوم كان أحد منهم يعلم أن حماس ستشل نصف الدولة وتجعلنا لا نفكر إلا بمكان النوم داخل الملجأ .. قالوا لنا ضربة صاعقة ومفاجئة، فاكتشفنا أنهم استهدفوا شرطة مدنية يذهبوا إلى دوامهم الساعة الثامنة صباحا ، و هم غير مؤهلين لقتالينا أو ضرب الصواريخ على مدننا وقرانا”، على حد تعبيره.

                                الرقيب العسكري الصهيوني المخادع!

وأكد فاكسمان أنهم سيواجهوا ما أسماه “الرقيب العسكري المخادع” بقوله: “نحن لن نسكت على هذا الخداع الخطير،
وبدأنا بعمل جدي في جمع شمل كل من يحمل رؤيانا من أجل تشكيل موقف قوي في وجه الرقيب العسكري المخادع”.

وبسبب ضبط المعلومات المنشورة في مواقع الإنترنت العبرية، والسيطرة على مضامينها بشدة بواسطة تهديد القيمين عليها بالمحاكمة إذا تجاوزت تعليماته، سجل محرر موقع “روتر” العبري احتجاجا على رأس صفحته الإخبارية الرئيسة، معتذرا لقرائه عن عدم نقل الحقيقة لهم بحرية وحيادية بقوله “يمنعوننا حتى من اقتباس الصحافة العربية ومن استخدام تعبير وقوع حادث”.

وامتدت هذه الانتقادات للصحافة الأجنبية، فقد علق الكاتب البريطاني المعروف روبرت فيسك على هذا التعتيم في مقال له بصحيفة إندبندنت يوم ( 5/1) معتبرا: “أن الإسرائيليين من الوحشية  لدرجة أن أسباب حظر الإعلام يمكن تفسيرها بسهولة جدا، وهي أن كثيرا من الجنود الإسرائيليين سيقتلون الكثير من الأبرياء وأن صور المذابح ستكون أكبر بكثير مما يمكن تحمله”.

                                   انتقادات صحفيين من بريطانيا وفرنسا

وقال فيسك أيضا إن لجوء الصهاينة للأسلوب السوفياتي القديم في حجب العالم عن الحرب – كما حدث بالحرب الأفغانية عام 1980- قد لا يكون مفاجئا، لكن النتيجة هي أن الأصوات الفلسطينية أصبحت الآن تهيمن على الموجات الهوائية.

وعلى نحو متصل؛ بدأت وسائل الإعلام الفرنسية بإثارة قضية منع سلطات الاحتلال الصحافة من الوصول إلى ميدان المعركة، وممارستها نوعا من التعتيم المدروس، الذي يهدف للحيلولة دون نقل صورة عما يحصل في الميدان وإخفاء الحقائق وطمس ما يجري.

وتحدث العديد من مراسلي قنوات التلفزة الفرنسية ومندوبي الصحف، عن المنع التام من الاقتراب من مواقع القصف والقتال، الذي جاء من هيئة الأركان التي اتبعت استراتيجية قائمة على التحكم بالأخبار، ولهذا “عينت مجموعة من الناطقين الرسميين الذين يقدمون للصحافة جملة تضليلات” على حد تعبيرهم.

                                    حرب دعائية مكشوفة

يذكر أن حكومة الاحتلال بموازاة هذا التكتم الإعلامي على ما يلوذ بها، تقوم بحرب دعائية ضد حركة حماس بشكل خاص، وضد فصائل المقاومة بشكل عام، منذ ما قبل حربها الجوية على قطاع غزة بأسابيع، وقد قامت بتجنيد طاقم إعلامي كبير لحملتها العسكرية على قطاع غزة استغرق تدريبه أشهرا ليكون جاهزا للمعركة الإعلامية حسبما ذكر خبراء ووسائل إعلام. 

وأنشأت منذ ثمانية أشهر هيئة للإعلام القومي لتوضح ما أسمته خلفية الحملة العسكرية بالتعاون الوثيق مع سكرتير الحكومة عوفيد يحزكال ومع قوى الأمن الصهيونية المختلفة حسبما ذكرت صحيفة “يديعوت احرونوت” العبرية، لتفادي ما اعتبرته أخطاء ارتكبتها في حربها العدوانية على لبنان عام 2006 .

وتشير التقارير الصحفية إلى أن تواصل التعتيم الإعلامي الصهيوني أدى إلى نتائج عكسية، أبرزها تململ وسائل الإعلام العبرية، وتوجه الجمهور الصهيوني لالتماس أخبار الحرب ومتابعتها من خلال الفضائيات والمواقع الالكترونية العالمية، بما في ذلك قنوات إعلامية عربية، وتوسع الانتقادات لهذه السياسة على المستوى الدولي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات