الإثنين 12/مايو/2025

اجتماع الوزراء العرب..تحرك متأخر تجاه الملف الفلسطيني يطرح أكثر من علامة استفهام

اجتماع الوزراء العرب..تحرك متأخر تجاه الملف الفلسطيني يطرح أكثر من علامة استفهام
رغم أهمية ملف الخلاف الفلسطيني الداخلي وسبل إنهائه على المستوى العربي، فقد استغرب مراقبون وضعه على جدول أعمال اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم (9/9) دون غيره من الملفات التي لا تقل خطورة وأهمية عنه، كفك الحصار المحكم عن غزة منذ 15 شهراً على الأقل، والتدمير والتهويد الممنهج والمبرمج للقدس والمسجد الأقصى المبارك.

ولفت انتباه المراقبين لهجة وأسلوب الخطاب العربي الذي بدا حاداً ومهدداً بإيقاع العقوبات إزاء مسألة الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية على الأطراف المتنازعة، على نحو لم يتم التعامل به من قبل مع شؤون عربية أخرى مقاربة أو مماثلة، أو مع شأن آخر يهم القضية الفلسطينية خصوصاً إذا كان يتعلق بالكيان الصهيوني، أو الداعم الأكبر له وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

                                       استخدام العقوبات

الاجتماع العربي تحدث عن ضرورة اتخاذ ما وصفه بموقف عربي صلب وحازم إزاء إراقة الدم الفلسطيني (بأيدي فلسطينيين) وتعميق الانقسام، ولوح باستخدام العقوبات ضد الجميع إذا لم يتصالحوا في إطار مشاورات مغلقة في داخل النظام العربي، كما ورد على لسان أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، في قفز على حقائق الصراع الفلسطيني الداخلي وتسطيحه، كما رأى محللون سياسيون.

ووضع مراقبون للشأن الفلسطيني علامة استفهام كبيرة على الموقف العربي من مسألة إيجاد حل للخلاف الفلسطيني وإجراء مصالحة وطنية، وتوحيد الصف الداخلي، رغم معرفة الأنظمة العربية بالفيتو الأمريكي للإدارة الحالية على إجراء حوار بين حركتي فتح وحماس، وإفشالها الجهود الفلسطينية والعربية السابقة بالضغط على السلطة وحركة فتح، لعدم المضي قدما فيه، أكثر من مرة، وهو ما اعترف به عزام الأحمد القيادي في حركة فتح بكل وضوح، ورفض الإدارة الأمريكية قبل ذلك الاعتراف بشرعية حماس الدستورية بعد عامين ونصف العام من فوزها بانتخابات برلمانية شهد العالم بنزاهتها، بذريعة عدم اعتراف الحركة بالكيان الصهيوني، واتفاقيات التسوية الموقعة معه، واحتفاظها بحقها المشروع في مقاومة المحتل. 

                                  بين التدخلات الإقليمية والدولية

وبرأيهم؛ فإن تصريحات وزراء عرب ضمن اجتماع الجامعة العربية عن تدخلات إقليمية في الشأن الفلسطيني، في إشارة إلى إيران ـ في ما لو صحت ـ ، دون الإشارة إلى التدخل الأمريكي والدولي ( الرباعية الدولية) في هذا الأمر يبدو غير مفهوم، ووفقا لتقديراتهم فإنه لا مقارنة بين حجم ووزن التدخلين.

وأعرب المراقبون عن خشيتهم من أن يكون هذا الاندفاع العربي وراءه موافقة أمريكية ضمنية، بحيث يأتي الاتفاق لصالح طرف فلسطيني ينسق أمنيا وسياسيا مع حكومة الاحتلال والجانب الأمريكي من خلال اتفاق دايتون وغيره، هو السلطة وحركة فتح، ويتجاوز الشرعية الفلسطينية التي حازت عليها حركة حماس أو يسعى للانقلاب عليها، كما توحي بذلك الترتيبات التي تمت في اجتماع وزراء الخارجية العرب.

                                     ملاحظات حركة “حماس”

ومن هذه الترتيبات ما أشارت إليه حركة “حماس” عبر الناطق باسمها الدكتور سامي أبو زهري حول استثناء الحكومة الفلسطينية الدستورية في غزة، والتي فازت بأغلبية أصوات الناخبين وحازت على ثقة المجلس التشريعي، من اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب وإشراك ممثلين من رام الله بدلاً من ذلك، وبحيث لا يوفر الأجواء المناسبة لعلاج الخلاف الفلسطيني وهو ما يستدعي منح كل الأطراف فرصاً متساوية لضمان نجاح جهود المصالحة.

ورأى مراقبون أنه رغم ترحيب حركة “حماس” عموما بالحوار كمدخل لحل الخلافات الفلسطينية الداخلية، إلا أنها أبدت ملاحظات حول التحركات المصرية التي سبقت اجتماع وزراء الخارجية العرب، للترتيب لجولة جديدة من الحوار  الفلسطيني ـ الفلسطيني برعايتها، وأيدها الاجتماع العربي،  ووجه الاعتراض أن الحوار لا يبدو جديا بسبب اعتراض إدارة الرئيس الأمريكي بوش، فضلا عن التنسيق الحاصل بين مصر وبين رئيس السلطة فقط.

وفي هذا الصدد؛ وصف عضو المكتب السياسي للحركة محمد نزال ما يجري في القاهرة بأنه “مجرد تقطيع للوقت وليس حواراً فلسطينياً”، قائلاً “ليس هناك توجه واضح من مسألة عقد حوار فلسطيني- فلسطيني قبل إجراء الانتخابات الأمريكية المقبلة، فهناك فيتو أمريكي على الحوار”.

وأضاف إن “الجانب المصري على تنسيق مستمر مع رئيس السلطة محمود عباس، وما يجري حالياً يتم التنسيق بخصوصه فيما بينهما”، لافتاً النظر إلى أن “الجانب المصري يعيش أيضاً حالة من الانتظار”.

                                 اعتراف الجامعة العربية بعجزها

واستهجن مراقبون أن يتم الحديث بهذا الاندفاع عن المصالحة الفلسطينية من داخل خيمة الجامعة العربية إلى درجة إيقاع عقوبة على الفلسطينيين المحاصرين، في حين لا تحاسب الجامعة والأنظمة العربية نفسها على تقصيرها في الاهتمام بالشأن الفلسطيني، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنها عجزت عن الالتزام بقرار وزراء خارجيتها في سبتمبر 2006 والقاضي بإنهاء الحصار على قطاع غزة وأخفقت أيضا في كشف الحقائق التي كان من المفترض أن تعلنها اللجنة العربية لتقصي الحقائق والتي شكلتها الجامعة العربية بعد أحداث غزة في صيف العام الماضي.

وقد سبق للجامعة أن أقرت صراحة بعجزها الواضح في هذا المجال، محملة الأنظمة العربية مسؤولية هذا العجز، بسبب ما وصفته انحيازا من القوى العظمى لمصلحة الكيان الصهيوني، فقد قال رئيس مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير هشام يوسف فيما بدا أنه إقرار غير مباشر بإخفاقها في كسر الحصار المفروض على غزة،: “إننا لم نتمكن من تحقيق الهدف المطلوب من قرار مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية عام 2006 بكسر الحصار”.

وأضاف يوسف، في رده على أسئلة الصحفيين يوم (24/8)، حول النقد الذي يوجه للجامعة والنظام العربي الرسمي لأنها أخفقت في كسر الحصار في الوقت الذي نجحت جمعيات أهلية غربية “أن هذا ليس منوطاً بالأمانة العامة فقط لكنه جهد مطلوب من الدول العربية، ونحتاج إلى بذل مزيد من الجهد لتحقيق هذا الهدف في مواجهة الممارسات العدوانية الإسرائيلية المستمرة”. وفسّر إخفاق العرب في كسر الحصار بأن هناك “انحيازاً كاملاً من جانب القوى العظمى في العالم لمصلحة إسرائيل”، معترفاً بأن ذلك يشكل أحد الأسباب الرئيسية التي تحول دون إنهاء هذا الحصار، وقال: “إن المطلوب هو المزيد على المستوى العربي حتى تتحرك قوى دولية مختلفة على الساحة الدولية بما يضغط على “إسرائيل” لإنهاء الحصار”.
 
                                 نتائج افتقرت لقرارات عملية

ولعل هذا ما دفع حركة مثل حركة “حماس” للإعراب عن أسفها لما أسفرت عنه نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة ، مشددة على أن هذه النتائج افتقرت إلى القرارات العملية والفعلية، التي تخص القضايا الهامة في الشأن الفلسطيني.

وقال فوزي برهوم المتحدث باسم الحركة، في تصريح صحفي يوم (9/9): “إن نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، افتقدت إلى القرارات العملية والفعلية بما يخص القضايا الهامة في الشأن الفلسطيني وتحديداً الحصار الظالم المفروض على غزة، وما يجري من تدمير وتهويد ممنهج ومبرمج للقدس والمسجد الأقصى المبارك”.

وأضاف برهوم: “إنه كان من باب أولى وبعيداً عن البيانات والصياغات الضعيفة، بأن يتخذ الوزراء قرار فعلي بفك الحصار الظالم عن غزة، أو على الأقل تطبيق قرارهم السابق الذي اتخذوه بفك الحصار بعد أن أعلنوا هم أنفسهم أن غزة منطقة منكوبة”.

وأشار إلى أنه ومنذ تلك اللحظة والحصار يحصد أرواح العديد من أبنائنا وأهلنا بقطاع غزة، دون أن يكون موقف عربي عملي وفعلي في إنقاذ حياتهم وفك حصارهم.

وشدد المتحدث باسم “حماس”، على أن عدم استخدام أي من أوراق الضغط العربية فعلياً وعملياً على الاحتلال من قبل الموقف الرسمي العربي، يجعل الاحتلال أكثر شراسة وأكثر تمادياً في إجرامه وإرهابه على شعبنا.

                               مفارقة غريبة بخصوص فتح المعابر

وسجل مراقبون للوضع الفلسطيني مفارقة مستغربة بين جهود أوربية وعربية من قبل منظمات المجتمع المدني والنقابات والأحزاب السياسية لكسر الحصار برا وبحرا، وبين غياب الجهد العربي الذي لم يكتف بعدم القيام بمثل هذه المبادرات أو دعمها على الأقل، بل عمد إلى منعها، ومنع أي جهد لفتح معبر رفح الحدودي، وصدرت تصريحات رسمية بتكسير عظام من يريد اختراقه، ففي حين تمكنت سفينتي كسر الحصار من اختراق الحظر البحري فعليا في شهر آب/ أغسطس الماضي بوساطة نشطاء أوربيون، منعت السلطات الأمنية المصرية، الأربعاء (10/9)، تقدم قافلة من الحافلات التي تقل مساعدات ومتضامنين كانت متجهة إلى قطاع غزة لكسر الحصار المفروض عليه.

وقال مشاركون في القافلة التي أشرفت على تنظيمها “اللجنة الشعبية المصرية لكسر الحصار عن غزة” إن الشرطة المصرية أوقفت القافلة التي تتكون من أربع حافلات قبل نقطة تحصيل رسوم مرور قرب مدينة الإسماعيلية.

وقال المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين بدر محمد “قبل الإسماعيلية أغلقت قوات الأمن الطريق وأخذت من السائقين رخص القيادة”. وأضاف أن هناك أكثر من 150 شخصاً يقفون على جانب الطريق ويرددون هتافات مؤيدة للفلسطينيين.

وأكد المشاركون أن الشرطة المصرية شددت الإجراءات الأمنية بطول الطريق المؤدي إلى مدينة رفح الحدودية وأنها تفحص أوراق هوية المسافرين وتسألهم عن سبب سفرهم على الطريق. وتطالب الفعاليات الشعبية المصرية بإنهاء الحصار وفتح الحدود أمام البضائع والمسافرين.

                                  هروب عربي نحو الأمام

تحرك الجامعة العربية المتمثل في الاجتماع الأخير لمجلس وزراء الخارجية العرب، بعد غيابها الطويل عن الملف الفلسطيني، يطرح أكثر من علامة استفهام، على ضوء ما صدر عنه من طروحات وتصريحات، من أهمها انحيازه لرؤية مسبقة تحظى بدعم خارجي، والضغط على بعض الفصائل الفلسطينية لتقديم مزيد من التنازلات، والهرب إلى الإمام من الحرج الذي وضعت فيه بسبب عدم قيامها بكسر الحصار عن قطاع غزة، أو إسهامها بصورة أو أخرى في استمراره حتى الآن رغم أنه في متناول يدها، خصوصا بعد التزام الفصائل الفلسطينية بالإجماع على التهدئة مع الاحتلال مقابل فك الحصار وفتح معبر رفح الحدودي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات