الثلاثاء 13/مايو/2025

كسر حصار غزة بحراً .. الاعتبارات الحقيقية وراء تراجع الاحتلال عن منع السفينتين

كسر حصار غزة بحراً .. الاعتبارات الحقيقية وراء تراجع الاحتلال عن منع السفينتين
تراجع الكيان الصهيوني عن تهديدات سبق أن أطلقها بمنع سفينتا كسر الحصار اللتين قدمتا من قبرص من الوصول إلى غزة بالقوة، لتصلا إلى شواطئ القطاع يوم (23/8) في أول خرق بحري للحصار المفروض عليه منذ أكثر من عامين.

                                مغالطة لتبرير التراجع الصهيوني

ورغم محاولات الاحتلال تهوين أمر تراجعه عن اعتراض القاربين في المياه الإقليمية الفلسطينية، بحجة أنهما “لا يشكلان خطراً أمنياً”، أو بدعوى: “أن السلطات في اليونان وقبرص، دققوا في هوية المسافرين وفتشوا حمولة السفينتين قبل انطلاقهما إلى غزة، وتأكدت هذه السلطات من أنه باستثناء معونات إنسانية لا توجد على متنهما أسلحة”، بحسب تصريحات أدلى بها مصدر سياسي صهيوني، فإن مراقبين رأوا أن الاحتلال وجد نفسه مرغما على اتخاذ مثل هذه الخطوة لعدة اعتبارات:

ـ الأول الخشية من التأثير الدعائي لأي مواجهة مع قاربي الحرية، فقد رأت الخارجية الصهيونية في نهاية المطاف تفادي حدوث أي احتكاك مع السفينتين اللتين كانت تحظيان بتغطية إعلامية طوال طريق رحلة القدوم الذي سلكته واستغرق نحو أربعين ساعة، خصوصا وأنه كان على متنهما طاقم إعلامي من وسائل إعلام عربية وغربية مرموقة وواسعة الانتشار.

                               استفزاز يعني تغطية إعلامية أوسع

وفي هذا الصدد؛ كشفت مصادر عبرية النقاب، عن أن عدم قيام سلطات الاحتلال بمنع زورقي الحرية من الوصول إلى شواطئ غزة ، سببه تخوف تل أبيب من حدوث تعاطف عالمي مع الفلسطينيين ضد الحصار على قطاع غزة. وقد قال ارييه ميكيل المتحدث باسم وزارة خارجية الدولة العبرية ” سنسمح للزورقين بالوصول إلى غزة من أجل تجنب استفزاز يحظى بتغطية كبيرة في عرض البحر”، على حد تعبيره.

ولإظهار الأمور معكوسة؛ حاولت مداولات صهيونية لبحث كيفية التعامل مع الزورقين لدى وصولهما إلى غزة حضرها رئيس دائرة الإعلام العبري الصهيوني، يانكي غالانتي وممثلون عن مكتب الناطق العسكري الصهيوني ووزارة الخارجية ورئيس الطاقم الإعلامي في مكتب رئيس حكومة الاحتلال، يردن فيتيكاي إظهار نشطاء حقوق الإنسان الذين كانوا على متن السفينتين كمستفزّين، هدفهم التوصل إلى مواجهة مع سلاح البحرية الصهيوني للفت أنظار العالم  إليهم من خلال وسائل الإعلام.
 
لكن خلاصة ما توصلت إليه اجتماعاتهم بحسب ما أوردته صحيفة “معاريف” العبرية، تكشف أن عملية عدم اعتراض السفينتين من قبل البحرية الصهيونية كان من القبول بـ “أهون الشرور”، بسبب الحضور الإعلامي، وقد أشاروا إلى ذلك بقولهم إنه “تبلور لدينا قرار بالسماح لهم بأن يرسو لأن هذا أهون الشرور، وهكذا سيكون بإمكانهم إفراغ شحنتهم البائسة، لكنهم لن يحظوا بمواجهة مع تغطية إعلامية”، على حد تعبيرهم، رغم أنهم حاولوا الإيحاء بأن هدف نشطاء السلام هو “التوصل إلى مواجهة عنيفة مع سلاح البحرية الإسرائيلي، الأمر الذي سيلفت بشكل طبيعي أنظار وسائل الإعلام بصورة واسعة”.

                               تهديدات صهيونية قبل وأثناء الرحلة

وبرأي مراقبين؛ فإن ما يكذب المزاعم السابقة تصريحات الخارجية الصهيونية التي حملت تحذيرات وتهديدات للناشطين الحقوقيين، قبل وأثناء إبحار السفينتين، فقد أكد المتحدث باسمها عوفير جندلمان منذ مطلع الشهر الجاري (آب/ أغسطس) أن حكومته ستمنع مرور “سفينة الحرية” لكسر الحصار، إلى  قطاع غزة عبر البحر. 

وذكر جندلمان أن اتفاقيات أوسلو والقانون الدولي “يمنع مرور سفن  غير مرغوب بالدخول فيها عبر مياهنا”، وفقا لما قال.

كما قامت خارجية الاحتلال بالتلويح بمنع وصول السفينتين بالقوة، وحذرتهما من الاقتراب من المياه الإقليمية لقطاع غزة، من خلال رسالة مفتوحة” نشرتها السفارة التابعة لها في العاصمة اليونانية أثينا، في توقيت متزامن مع انطلاقهما من قبرص، ووصفت حكومة الاحتلال تحرّك الناشطين الحقوقيين بأنه “استفزازي يدعم نظام جماعة الإرهابية”، في إشارة إلى حركة “حماس”.

ويضاف إلى ذلك محاولات جيش الاحتلال تعطيل أجهزة الملاحة والإنترنت للسفينتين من خلال التشويش عليهما، وقطع الحرارة عن أجهزة النشطاء الحقوقيين الذين كانوا على متنها، حسب ما أكدوه لاحقا، وقيام الزوارق البحرية الصهيونية بإطلاق النار على قوارب الصيد الفلسطينية التي غادرت شواطئ غزة لاستقبال السفينتين وحاولت إجبار قوارب الصيد على العودة إلى غزة.

                                مواجهة مع القانون الدولي

ـ الاعتبار الثاني قانوني، فمنع الاحتلال للسفينتين يعني أن ادعاءه بالانسحاب من قطاع غزة كاذب، وعليه تحمل تبعات احتلاله للفلسطينيين، والالتزام بالقانون الدولي، وتوفير الحرية لهم وكل ما يلزمهم للحياة الكريمة، بحسب ما أورده بيان صدر عن مؤتمر صحفي عقد بغزة للجنة الشعبية لمواجهة الحصار والحملة الفلسطينية الدولية لفك الحصار والنشطاء على سفينتي كسر الحصار.

ـ الثالث إصرار النشطاء الحقوقيين والذين بلغ عددهم على متن القاربين 45 شخصا من 17 جنسية، على الوصول إلى غزة في محاولة رمزية لكسر الحصار عنها، ويرى مراقبون أن جيش الاحتلال حاول من خلال رسائله التحذيرية ومواقفه التي قام بها تخويف النشطاء، على أمل التراجع عن بلوغ هدفهم، لكن هذه المحاولات والتهديدات باءت بالفشل أمام عزيمة وتحدي هؤلاء الناشطين، وإيمانهم بعدالة القضية الإنسانية التي أخذوها على عاتقهم.

                               عزيمة وإصرار النشطاء

فقد شدد المتضامنون في بيان لهم على أنهم قدموا إلى غزة ولن يعودوا قبل أن يدخلوها ويلتقوا أهلها، فرسالتهم إنهاء الاحتلال والحصار والعدوان.

وأكد مشير الفرا وهو متضامن مع أهالي غزة في حصارهم من أصل فلسطيني وصل عبر سفينة الحرية على أن أحدا من المتضامنين لم يتراجع رغم التهديدات الصهيونية المباشرة، والتهديد بوجود ألغام في البحر، وقال باعتزاز كنا نقول ” لنفكر في غزة وليس في أنفسنا”.

ووصف بول لودريه، من المنظمين الرئيسيين للسفينة، الوصول إلى غزة بأنه بمثابة “حلم حقيقي” تحقق، وقال: “ما فعلناه اليوم تحدي من الشعوب في العالم للحصار والظلم”.

وكان هذا الإصرار، والاستعداد لمواجهة أي تحديات قد تواجه هذه الرحلة  التضامنية مع غزة من الطرف الصهيوني، أو أية مصاعب فنية أخرى قد تظهر، واضحا منذ الإعداد لها لدى الفريق المشارك فيها، فقد قالت الناشطة البريطانية المشاركة في الرحلة هيلاري سميث  “ستعتمد الرحلة على الأشرعة لتوفير الوقود، ولضمان البقاء في البحر لأطول فترة ممكنة، حال ظهور عوائق تحول دون إكمال الرحلة”.
  
وبينت سميث أن الركاب كانوا مستعدين للبقاء لعدة أسابيع أو أكثر في حال اعترض طريق الرحلة.
ورأى محللون أن هذا الاستسلام الصهيوني لوصول سفينتي كسر الحصار بدون قدرة منه على استخدام القوة لمنعها من الوصول إلى شواطئ غزة، من شأنه أن يشجع محاولات أخرى تسير في نفس الاتجاه الإنساني لكسر الطوق المضروب على القطاع مستقبلاً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات