الإثنين 12/مايو/2025

جنين بعد نابلس .. الاختبار الأمريكي الثاني لسلطة رام الله في استئصال رأس المقاو

جنين بعد نابلس  .. الاختبار الأمريكي الثاني لسلطة رام الله في استئصال رأس المقاو
جنين (شمال الضفة الغربية) ستكون محطة الاختبار الثانية للسلطة برام الله بعد نابلس، للتأكد من قدرة أجهزتها الأمنية على كبح جماح المقاومة الفلسطينية، بتدخل صهيوني أقل، وفق رؤية خطة الجنرال الأمريكي دايتون، وتنفيذ الاستحقاقات الأمنية لما يسمى بـ “خارطة الطريق”، التي لم يلتزم الصهاينة ببند من بنودها مجدداً، حتى بعد التحريك الدعائي لعجلتها عقب مؤتمر “أنابوليس”.

ولم يكن اختيار “جنين” عن عبث، فهي معقل تاريخي للمقاومة، وقد شهدت ملحمة بطولية مع الاحتلال عام 2002، بعد أن قرر جيش الاحتلال اقتحام المخيم رداً على عدم قدرته وقف العمليات الاستشهادية التي هزت عمقه (داخل الأراضي المحتلة عام 1948)، وارتكب فيه مجزرة مروعة، بأسلوب وحشي طالت النساء والأطفال والشيوخ، على مدار أسبوعين مستخدماً كل آلته العسكرية التدميرية بما في ذلك القصف بالطائرات.

                              ربط الدعم الأمريكي بالمطالب الأمنية

ووفقا لمصادر مطلعة؛ فقد حدد مسؤول أمريكي كبير مهمة سلطة رام الله ، مشيراً إلى أن واشنطن تريد ألا يقتصر انتشار القوات في جنين على محاربة الانفلات الأمني، وإنما يمتد إلى ملاحقة ما سماها المنظمات “الإرهابية”، في إشارة إلى فصائل المقاومة.

وقال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون إن عملية نشر قوات السلطة في المدينة ستبدأ خلال أسابيع باستخدام الأعضاء الحاليين للأجهزة الأمنية التابعة لها، والتي سبق أن تلقوا تدريبات خاصة بإشراف أمريكي (خطة دايتون).

وقد أبدت السلطة استعدادها لتسلم هذه المهمة في أي مدينة من مدن الضفة الغربية، وأعلنت أنها جاهزة لذلك في جنين بعد أن سمحت حكومة الاحتلال لـ (600) من عناصرها بالانتشار في المدينة، وقد أكد العقيد سليمان عمران الذي يقود قوة الأمن الوطني في جنين أن هناك 250 فرداً بالفعل، وإنه قد يتمكن بسرعة من استيعاب المزيد.

وتربط الولايات المتحدة الأمريكية، وما يعرف بالرباعية الدولية، مساعداتها ودعمها المالي للسلطة والحكومة غير الشرعية التي يترأسها سلام فياض بتحقيق ما تسميه “إنجازات أمنية”، في إشارة إلى تنفيذ الشق الأمني لخارطة الطريق، والتنسيق الأمني مع الجانب الصهيوني، وقد زعم مسؤولون إنهم يريدون المزاوجة بين الأمن ـ وفق معاييرهم ـ والتنمية الاقتصادية، وإقامة مشاريع اقتصادية فيها.

وينظر أهالي جنين ـ مثلما هو حال الفلسطينيين في بقية الأراضي المحتلة ـ بعين الريبة إلى التعاون الذي تبديه السلطة مع الجانبين الصهيوني والأمريكي في مسألة ذات بعد أمني، وفي هذا الصدد قال أبو علي وهو رئيس مجلس عشائر جنين لصحيفة “الخليج” الإماراتية “كل شيء تحت السيطرة فما الحكمة من إرسال قوات هنا.. إنها مجرد أسباب سياسية”.

                                               وجه قبيح

وبحسب مراقبين؛ فإن تجربة نابلس كشفت عن الوجه القبيح للأجهزة الأمنية لسلطة محمود عباس، فهي لكي تثبت للجانب الأمريكي والصهيوني حجم التزامها بالمطلوب منها، وتبرهن على نجاحها في مهمتها، فإنها شنت حربا بلا هوادة ضد حركة حماس وفصائل ، من خلال حملات الاعتقال التي لم تتوقف، وحملات مصادرة سلاح المقاومة (معتبرة أنه غير شرعي)، وقامت بتفكيك مؤسسات المجتمع المدني التي قدمت للشعب الفلسطيني الكثير في جوانب الرعاية والإغاثة، وانقضت على مؤسسات الزكاة، وجففت منابع التكافل الاجتماعي، وأغرت مقاومين من كتائب الأقصى التابعين لحركة فتح للتخلي عن سلاحهم، مقابل الحصول على “عفو” عنهم من قبل الكيان الصهيوني ـ رغم افتضاح زيف هذه الوعود ـ في ما بعد.

وفي ظل بسط الوجود الأمني لأجهزة السلطة؛ لم تتوقف توغلات قوات الاحتلال وحملات دهمه وتفتيشه، واعتقالات ناشطين من الفصائل المختلفة، بل زادت وتيرتها بحسب تقديرات إحصائية، وبرغم ذلك فإن الاحتلال، يعتبر أن السلطة لا تقوم بواجبها الأمني تجاه المقاومة الفلسطينية كما يجب، ويتذرع بذلك لكي لا ينفذ أيا من تعهداته (الهزيلة) تجاه ما يسمى بخارطة الطريق، وأبرزها وقف مشاريعه الاستيطانية وإزالة الحواجز الأمنية والعسكرية.

وقد كان ملحوظاً أن يشدد وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك رغم كل تعاون أجهزة أمن السلطة معه على أن “المسؤولية الأمنية المطلقة ستظل بيد إسرائيل”، في جنين لضمان استمرار جيشه في التوغل والاجتياح والقتل والاعتقال، كما فعل ـ ولا يزال ـ في نابلس بعد تسليمها للسلطة.

                                مخرجات مخزية لتجربة التعاون الأمني

وكأحد النماذج القبيحة على التعاون الأمني بين أجهزة استخبارات السلطة، وأجهزة الاحتلال في نابلس، ومخرجاتها المخزية، ما كشفت عنه عملية الهروب لـ 12 ناشطاً فلسطينياً من “كتائب الأقصى” مطلوباً لسلطات الاحتلال ومحتجزاً من الفرار من سجن للسلطة الفلسطينية في نابلس بالضفة الغربية قبل يومين.

وكان هؤلاء المطلوبون الأعضاء بكتائب الأقصى من ضمن عشرات من الناشطين سلموا سلاحهم وقبلوا البقاء رهن الاحتجاز بسجن جنيد مقابل تعهد حكومة الاحتلال للسلطة الفلسطينية برفع أسمائهم من قائمة المطلوبين، وهو ما لم يتم حتى الآن.

وقال أحد الفارين – وهو مهدي أبو غزالة- في تصريحات صحفية “فررنا بسبب التعديات التي مارسها أفراد مقنعون من قوات الأمن الوطنية على المحتجزين”. وأضاف “حصلت اشتباكات بين المحتجزين وقوات الأمن وخرجنا”.

وشدد أبو غزالة على أن الكيان الصهيوني والسلطات الفلسطينية لم تلتزم بتعهداتها بالعفو عن كتائب شهداء الأقصى بعد سجنهم ثلاثة أشهر.

وأوضح “سلمنا سلاحنا بموجب اتفاق لكننا لم نحصل على شيء في المقابل، قالوا لنا إذا سلمتم سلاحكم ومكثتم ثلاثة أشهر في السجن تحصلون على عفو وسيوقف الجيش الإسرائيلي عملياته في نابلس، لم يحصل أي من ذلك”.

                                            دبابة الاحتلال

وبرأي مراقبين؛ فإن التعاون والتنسيق الأمني لفريق رام الله مع الجانبين الصهيوني والأمريكي لن يعد مستغرباً أن يبلغ مديات بعيدة من الإضرار بالشعب الفلسطيني ومقاومته التي تتصدى للاحتلال، طالما أن سلطة محمود عباس قد ارتهنت قراراتها لمشاريع التسوية فقط، التي ترعاها الإدارة الأمريكية خدمة للاحتلال، وضمانا لأمنه، وآخر هذه التسريبات قبول عباس وفريقه التعاون مع الاحتلال في شن حملة عسكرية برية واسعة ضد قطاع غزة، تشير مصادر غربية أنها قد تقع في غضون أسبوعين، لإنهاء سيطرة حماس على القطاع، وعودته حتى ولو على ظهر دبابة صهيونية.

وترى الإدارة الأمريكية أن نشر القوات في جنين ينبغي أن فرصة لتصحيح بعض من أوجه القصور التي ظهرت خلال الحملة الأمنية التي شنها عباس في بادئ الأمر في مدينة نابلس، وفقاً لأهدافها، وقد ذكر مسؤول أمريكي كبير في تصريحات صحفية أن “من بين الأمور التي تعلمناها في نابلس هي أنه ينبغي أن يكون هناك تنسيق أفضل بين القوات “الإسرائيلية” و(السلطة) الفلسطينية”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات