الإثنين 12/مايو/2025

متنفذو رام الله .. ضربات استباقية لإحباط المساعي العربية الداعمة للوفاق

متنفذو رام الله .. ضربات استباقية لإحباط المساعي العربية الداعمة للوفاق
استشعاراً لدورهم في رأب التصدعات العربية، وسعياً منهم لإنهاء حالات القطيعة والخصومة التي قد تقع هنا وهناك بين أطراف سياسية من أبناء الوطن الواحد؛ فقد تداعى وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الذي عقدوه في القاهرة يوم السادس من كانون الثاني (يناير) 2008 لإعادة اللحمة إلى الجسم الفلسطيني، مطالبين الجامعة العربية ببدء تحرك لإجراء مصالحة بين حركتي “فتح” و”حماس”.

وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي، الذي ترأس بلاده اجتماعات الجامعة حالياً، في مؤتمر صحفي تلا الاجتماع الوزاري؛ إنّ “الفلسطينيين يجب أن يسترجعوا وحدتهم، وهناك مجهود عربي ـ عربي يصبّ في هذا الاتجاه، وطلب الوزراء العرب من الأمين العام للجامعة العربية بدء” اتصالات للمصالحة بين حركتي فتح وحماس، وفق توضيحه.

وأضاف الوزير مدلسي “نطمح أن نصل إلى نتيجة إيجابية بالنسبة للأخوة الفلسطينيين”، مثلما توصلنا إلى اتفاق حول خطة لإنهاء الأزمة السياسية اللبنانية.

                                          مطلب عربي ملحّ

وفي الاتجاه نفسه؛ أعلن أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، في المؤتمر الصحفي ذاته “أنّ العرب مُجمِعون على أنّ وحدة الصف الفلسطيني تمثل مطلباً ملحّاً، لمواجهة الاعتداءات الصهيونية المستمرّة”.

وبرأي مراقبين؛ فإنّ هناك إدراكاً عربياً لخطورة استمرار الانقسام الفلسطيني، على القضية الفلسطينية خصوصاً، وعلى الأمن القومي العربي عموماً، لاسيما مع استمرار الحصار المضروب على قطاع غزة، والذي يهدد بكارثة إنسانية، والتصعيد العسكري الصهيوني في القطاع والضفة المتزامن معه، والمتمثل بالتوغلات والاغتيالات التي تتم بضوء أخضر أمريكي. كما يلحق بالمحاذير الماثلة في الأفق العربي؛ اندفاع فريق رئاسة السلطة نحو مشاريع التسوية على حساب الحقوق الفلسطينية، وبالأخص بعد مؤتمر أنابوليس، ومواصلة التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، الذي يستهدف المقاومة، وبالأخص حركة “حماس”.

ويرصد المراقبون حراكاً ملحوظاً على مستوى الدول العربية المؤثرة، كمصر والسعودية، في الآونة الأخيرة في اتجاهيْن، الأول يقضي بكسر طوق الحصار عن غزة، وهو ما تمثل في نجاح تجربة حجاج القطاع في اختراق معبر رفح ذهاباً وإياباً، بعكس الرغبة الصهيونية والأمريكية، رغم الضغوط الكبيرة لإجهاض هذا التوجّه، خصوصا على مصر. أما الاتجاه الآخر فيتمثل في استمرار المساعي السعودية ـ المصرية لفتح قناة تفاهم وحوار بين حركتي “فتح” و”حماس” لإعادة توحيد الصف الفلسطيني، وقد جاءت مبادرة جامعة الدول العربية لتدعم هذه التوجهات على المستوى السياسي، في محاولة منها لدفع العجلة نحو الأمام.

                                            تفاؤل ضعيف

ورغم ذلك؛ فإنّ المراقبين لا يُبدون قدراً كبيراً من التفاؤل إزاء الدعوة التي أطلقتها الجامعة العربية، استناداً إلى قراءة ردّ الفعل الأوّلي الصادرة عن الفريق المهيمن على مقاليد السلطة في رام الله، سواء في حركة “فتح” أو السلطة الفلسطينية، برغم ترحيب حركة “حماس” بمبادرة الجامعة وانفتاحها عليها. ويشدد المراقبون على أنّ فرص النجاح أو الفشل ترتبط بقطبي المعادلة الفلسطينية، وليس بطرف واحد فيها.

ولعل هذا القلق هو ما عبّر عنه تحديداً عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” وممثلها في لبنان؛ أسامة حمدان، حينما رحّب بالمبادرة العربية باعتبار أنها “تفتح أفقاً جديداً”، وتعبِّر عن “الموقف المناسب لمواجهة العدوان الإسرائيلي المتزايد على الشعب الفلسطيني”، وأعرب في الوقت ذاته عن أمله في أن تتمكن جامعة الدول العربية من إقناع رئيس السلطة محمود عباس بقبول مبدأ الحوار الذي ظلّ يرفضه.

وبتفصيل أكبر؛ فإنّ وزير الشؤون الخارجية في “الحكومة” غير الشرعية، رياض المالكي، عبّر عن استغرابه لما أعلن عنه أمين عام الجامعة العربية في المؤتمر الصحفي الذي عُقد عقب جلسة وزراء الخارجية بالقاهرة، في ما يتعلق بآليات للحوار بين حركتي “فتح” و”حماس”. وادّعى المالكي أنّ ما صرّح به موسى لا ينسجم مع ما تمت مناقشته داخل قاعة المؤتمر (النشاط الاستيطاني، والهجمة الصهيونية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع. بل أكد المالكي أنه لم يوافق وثلاثة من الوزراء العرب على “تصرّف” عمرو موسى، معتبراً أنه وضع الجميع في إشكالية، وفقا لمزاعمه.

ورغم أنّ نبيل شعث، القيادي في حركة “فتح” والمقرب من محمود عباس، قد صرّح بأنّ عباس سيبحث خلال زيارته المرتقبة للسعودية مع الملك عبد الله بن عبد العزيز مسألة الحوار بين الحركتين؛ فإنّ قيادياً آخر في فريق السلطة المتنفذ نفى أن يكون الهدف من الزيارة بحث سبل العودة إلى الحوار مع حركة “حماس”، وأكد أنّ أمر الزيارة يتصل بوضع القيادة السعودية في صورة التطورات الفلسطينية، والعقبات التي يضعها الكيان الصهيوني في وجه المفاوضات، عشية الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى المنطقة. 

                                     لا تغيير في موقف “فتح”

وانسجاماً مع هذا التوجّه؛ فقد أوضح نمر حماد المستشار السياسي لرئيس السلطة في تصريحات لوكالة “قدس برس”، أنّ أمر الحوار مع حركة “حماس” واضح لكل المهتمين بالشأن السياسي الفلسطيني، وقال “بالنسبة للحوار مع حركة “حماس” فإنه لا تغيير في الموقف”، مشترطاً أن تتراجع “حماس” أولا عن حسمها العسكري وبعدها يكون الحوار، أما الهدف الأساسي من الزيارة التي يقوم بها عباس إلى الرياض، فهو من أجل إطلاع القيادة السعودية على الوضع العام بالنسبة للمفاوضات قبيل زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى المنطقة، وفق ما ذهب إليه.

ووفقاً للمراقبين؛ فإنّ مساعي المصالحة العربية تصطدم بتصلب فريق رئاسة السلطة الفلسطينية والمهيمنين على حركة “فتح”، استكمالاً للموقف الرافض للحوار مع حركة “حماس” كلية في الفترة السابقة. ولهذا الغرض؛ يضع ذلك الفريق حاليًا شروطاً تعجيزية للحيلولة دون نهوض أي حوار فلسطيني داخلي، رغم كل الوساطات العربية، ودعوات “حماس” وحكومة تسيير الأعمال الشرعية برئاسة اسماعيل هنية من أجل إنها حالة الاختلاف بين الحركتين، وتجاوز حالة القطيعة بين أبناء الشعب الفلسطيني ولكن بدون شروط مسبقة.

وتعبيراً عن تشددها في هذا الملف؛ فإنّ أهم الشروط التي تصر عليها “فتح” لبدء حوار مع “حماس” هو ما تسميه “تصفية آثار الانقلاب في غزة”، والاعتراف بالاتفاقات التي أبرمتها السلطة مع الكيان الصهيوني، وترفض حركة حماس هذه الاشتراطات المسبقة، وترى أنها “غير مفهومة أو مبرّرة”.

                                   احترام كامل الشرعيات الفلسطينية

ولتحديد رؤيتها بشكل أكثر وضوحاً؛ فإنّ منطلق المصالحة بين الحركتين، يقوم وفق وجهة نظر “حماس” على قاعدة “احترام كل الشرعيات الفلسطينية؛ الرئاسة، المجلس التشريعي، وحكومة الوحدة الوطنية، وعدم اختزال تلك الشرعيات بشرعية واحدة، هي شرعية الرئاسة”، كما جاء في التصريحات الصحفية التي أدلى بها القيادي في حركة “حماس” عزت الرشق.

ويلفت الرشق الأنظار إلى مفارقة مهمة، تتمثل بحرص “حماس”ه على التعاطي بإيجابية مع “تحرّك فلسطيني وعربي من أجل إنهاء الأزمة الداخلية”، مقابل انصباب جهود المتنفذين في رام الله على “تحقيق النجاحات الشكلية والاحتفالية والبروتوكولية التي لا تسمن ولا تغني من جوع في لقاءاته مع أولمرت”، حسب تعبيره. ويأتي ذلك في إشارة إلى لقاءات التسوية التي تتم بكثافة وانتظام بين رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت، ورئيس السلطة محمود عباس، بدون اشتراطات، أو توقفات احتجاجية على أقل تقدير، رغم حملة الاجتياحات والاغتيالات التي ينفذها الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، ورغم إصراره على التوسع في بناء المغتصبات.

                                       تسوية أرضية الملعب

ومما يعزز من اعتقاد المراقبين بالفرص الضئيلة لنجاح مساعي الجامعة التي يمكن أن تبذلها للمصالحة بين حركتي “فتح” و”حماس”؛ أنّ دعوة الجامعة تأتي في وقت يتعاظم فيه نشاط أجهزة السلطة في الضفة، ويتوسع في اعتقال أبناء حركة “حماس” وقياداتها، والتي شملت العشرات في كل من رام الله وطولكرم ونابلس وبيت لحم وجنين، المتساوق مع نشاط جيش الاحتلال، وبتنسيق أمني لم يتوقف بينهما، وهو ما اعتبرته حركة “حماس” في بيان لها “ضربة استباقية للجهود العربية بشأن الحوار الوطني الداخلي”، على حد تحذيرها.

ويرى مراقبون أنه لابد وقبل الشروع في أي مصالحة بين الطرفين من “تسوية أرضية الملعب”، وتوفير الأجواء الإيجابية بينهما، وتشجيع مبادرات حسن النوايا بين أبناء الوطن الواحد والقضية الواحدة، لكن الواقع ـ حتى الآن على أقل تقديرـ لا يتجه في هذا المنحى، وفقاً لتقديراتهم، بسبب سلوكيات متنفذي “فتح” وفريق السلطة في رام الله.

وبحسب بيان صادر عن حركة “حماس” بهذا الشأن؛ فإنّ “توسيع حملة الاعتقالات هذه جاء بعد يوم واحد من خطاب خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في دمشق، والذي جدد فيه الدعوة لحركة فتح بالعودة إلى طاولة الحوار الوطني، وجاءت هذه الحملات أيضاً في اليوم ذاته الذي توجّه فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى المملكة العربية السعودية، لمناقشة موضوع إعادة الحوار مع حركة حماس، وفي الوقت الذي تستعد فيه السلطة الفلسطينية لزيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش المرتقبة يوم الخميس المقبل”.

                                           فوضى أمنية

وعبّرت حركة “حماس” عن إدانتها لحملة الاعتقالات تلك، “وما يتخللها من اقتحام للمنازل وترويع للآمنين وتدنيس للمساجد وفرض لمنع التجول من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية على طريقة الاحتلال”. وأكدت الحركة أنّ الهدف من هذه الحملة ومن توسيعها يكمن في “ضرب المساعي العربية، وفي مقدمتها مساعي الأشقاء في المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، لإعادة اللحمة للصف العربي، بما يخدم المصلحة القومية العربية التي تتناقض مع مؤامرات دايتون، ومساعيه لإغراق المنطقة في مستنقع الفوضى الذي تمارسه الأجهزة الأمنية”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات