الإثنين 12/مايو/2025

سحب القرار الأممي الخاص بـأنابوليس ودلالات الحرج السياسي الناجم عنه

سحب القرار الأممي الخاص بـأنابوليس ودلالات الحرج السياسي الناجم عنه
اعتبر مراقبون أنّ سحب الولايات المتحدة الأمريكية مشروع قرار تقدمت به إلى مجلس الأمن الدولي في الثلاثين من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لدعم نتائج مؤتمر أنابوليس، بضغط من الكيان الصهيوني، مؤشر سريع على النوايا الحقيقية لحكومة الاحتلال في التفلت من أي التزام قد يترتب على المؤتمر، حتى وإن كان ثانوياً، والتحلل من التقيّد بأي جدول زمني لعملية التفاوض. 

وقد جاء ذلك رغم أنّ تلك العملية أعلن أنها ستنطلق في شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وستتواصل حتى نهاية عام 2008، وهو ما سبق أن حّذرت منه فصائل فلسطينية، ومحللون سياسيون، في استشراف منهم لعدم جدوى هذه المؤتمرات، التي سبق أن جربت منذ توقيع معاهدة أوسلو. 

                                  إصرار على التفاوض الثنائي فقط

ويقترح مشروع القرار الذي نجحت حكومة الاحتلال في سحبه؛ أن يوافق مجلس الأمن “على برنامج عمل المفاوضات وتطبيق الالتزامات المختلفة المنصوص عليها في خارطة الطريق” التي اتفق عليها المسؤولون الصهاينة والفلسطينيون في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) في أنابوليس، ودعم الاقتصاد الفلسطيني المتداعي، حسب ما ورد.

ووفقاً لرأي المحللين؛ فإنهم يعتقدون أنّ صدور قرار رسمي بدخول الأمم المتحدة طرفاً في جهود ما يسمى بعملية السلام في الشرق الأوسط؛ أمر يبعث على القلق في الأوساط الصهيونية، لأنه سيعطي قوة لنتائج أنابوليس على تواضعها، ويرتب شكلاً من أشكال الالتزام على الجانب الصهيوني، مهما كانت درجته.

وقد كان واضحاً من مجريات الملتقى الذي نظمته الإدارة الأمريكية، والخطابات التي قُرئت فيه، والتصريحات التي صدرت عن الجانب  الصهيوني خلاله أو عقبه؛ حرص حكومة الاحتلال على أن تنحصر المفاوضات في إطار ثنائي مع “الفلسطينيين”، بدون تدخلات من أطراف أخرى. وفي هذا الصدد أكد دبلوماسي في الأمم المتحدة أنّ الكيان الصهيوني لا يريد تدخلاً من مجلس الأمن الدولي، معتبراً أنّ ما يسمى بإحياء عملية السلام الذي تقرّر في مؤتمر أنابوليس هو عملية ثنائية بين الصهاينة والفلسطينيين.

                                      مفاجأة أربكت الأمريكيين

ويبدو أنّ تصرف الصهاينة في هذا الشأن فاجأ الدبلوماسيين الأمريكيين في وزارة الخارجية والبعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، وسبّب لهم حرجاً في تفسير أسباب سحب الولايات المتحدة لمسودة القرار، بعد أن انهالت عليهم أسئلة وسائل الإعلام. وقد ظهر ذلك بجلاء من تصريح الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية شون ماكورماك، الذي قال “لقد درسنا المسألة وفي نهاية المطاف اعتبرت وزيرة الخارجية (كوندوليزا رايس) أنّ نتائج أنابوليس الإيجابية تتكلم عن نفسها”، ملمِّحاً إلى أنّ قراراً من الأمم المتحدة ليس ضرورياً.

وفي الوقت ذاته؛ فإنّ سحب القرار قوبل على ما يبدو بعدم ارتياح بعض الدول الأوربية كفرنسا ـ بغض النظر عن دوافعه ودرجة صدقيته ـ ، فقد أسف سفير باريس لدى المنظمة الأممية موريس ريبير بقوله “فرنسا تعتبر أنّ من المفيد أن يتمكن مجلس الأمن من التعبير عن دعمه للدينامية التي أُطلقت في أنابوليس”.

ويرى مراقبون أنّ أكثر من ينبغي أن يشعر بالحرج هو فريق رئاسة السلطة الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص محمود عباس. فرغم اعتراف عباس بعدم حصوله هو وفريقه المفاوض على أي ضمانات من الولايات المتحدة في المفاوضات التي ستطلق الشهر الحالي (كانون الأول/ ديسمبر 2007) مع الجانب الصهيوني؛ فإنه أكد جدية رعايتها من جانب الإدارة الأمريكية من أجل دعمها لها خلال العام القادم، وصولاً إلى “معاهدة سلام” يمكن أن تفضي إلى قيام دولة فلسطينية. وللتدليل على ما ذهب إليه رئيس السلطة المأزوم سياسياً؛ فقد أوضح قبل سحب الولايات المتحدة مقترح مشروعها بضغوط صهيونية؛ أنّ من بوادر هذه الجدية قيام “الإدارة الأمريكية بوضع مشروع قرار يتبنى الحوار الفلسطيني ـ الإسرائيلي عبر مجلس الأمن”.

                                   محاولة لربح الوقت بدون تنازلات

وقد تساءل مراقبون للوضع الفلسطيني عن الكيفية التي سيتعامل بها الكيان الصهيوني مع السلطة التي لا تملك أية أوراق ضغط يعتد بها، لاسيما في هذه المرحلة، طالما أنه يتعامل بهذه الصورة المحرجة مع أقرب حلفائه وأكثرهم دعماً له على المستويات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية ( الولايات المتحدة)، التي تعتبر أقوى دولة في العالم اليوم وفقاً للموازين الدولية.

وبرأي مراقبين؛ فإنّ موقف الكيان الصهيوني في أروقة الأمم المتحدة يُعَدّ امتداداً لما حقّقه في المؤتمر بصفته هو والولايات المتحدة الأمريكية الثنائي الرابح من جراء انعقاد “أنابوليس”. فعندما سُئل رئيس حكومة الاحتلال أيهود أولمرت من قبل قناة “بي بي إس” الأمريكية عن إمكانية إبرام الجانبين الفلسطيني والصهيوني اتفاقاً سنة 2008؛ ألمح إلى أنّ الجدول الزمني قد لا يكون قاطعاً، مثلما يأمل الرئيس الأمريكي جورج بوش، مكتفياً بالقول “سأبذل كل جهد ممكن” لذلك.

ويبقى أنّ حضور الكيان الصهيوني ملتقى أنابوليس لم يكن سوى محاولة منه لكسب الوقت، دون تقديم أي تنازل للجانب الفلسطيني، مع حرصه على الظهور أمام العالم بأنه يقدم “تنازلات مؤلمة” كما ادّعى أولمرت. وللجانب الصهيوني من تاريخ المفاوضات التي بدأت من أوسلو ما يؤكد على مقدرته على المراوغة، واعتبار السلطة والدولة الفلسطينية سياجاً أمنياً له، دون إعطاء  الشعب الفلسطيني سوى الفتات من حقوقه، رغم ما قدمته السلطة من تنازلات ضخمة.

ويُستَنتج تبعاً لذلك؛ أنّ ما يعني حكومة الاحتلال من مؤتمر أنابوليس هو استثماره في تفعيل قضية التعاون الأمني بينها وفريق رئاسة السلطة، للانقضاض على حركات المقاومة في الضفة وفي مقدمتها حركة “حماس”، واجتياح غزة للقضاء على قدرات المقاومة العسكرية وضرب بنيتها التحتية. وقد نقلت صحيفة “معاريف” العبرية عن مصادر أمنية صهيونية قولها إنّ التنسيق والتعاون الأمني بين جيش الاحتلال وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بلغ مستويات لم يسبق لها مثيل منذ توقيع اتفاقية أوسلو. ويبدو أن ّالمهمة الرئيسة والعاجلة التي تنتصب أمام المستويين السياسي والعسكري لسلطات الاحتلال وتحظى بشبه إجماع؛ هي تحريك حملة عسكرية واسعة النطاق ضد غزة، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام عبرية.
  
                                         لاءات أولمرت الثلاث

ويشعر مراقبون بكثير من الاستغراب وهم يتابعون تصريحات رئيس السلطة محمود عباس وهو يعرب عن تفاؤله بنتائج أنابوليس، وبأنه حقق الهدف، ولم يتبق له سوى العمل لدفع القطار، على حد تعبيره، بينما يشدِّّد أولمرت على لاءاته الثلاث بعد انفضاض المؤتمر، حول القدس، وتحديد فترة زمنية لنهاية المفاوضات، وتفكيك فصائل المقاومة في فلسطين،، ويعتبر سيادة الاحتلال على الحرم القدسي خطاً أحمر لا رجعة عنه.

بل كان اللافت للانتباه تعليق عباس على سحب الولايات المتحدة مشروع القرار الذي يدعم نتائج مؤتمر أنابوليس من مجلس الأمن، والذي كان يخلو من أي استنتاج يستثمر هذا التصرف، لتأكيد عدم جدية الاحتلال في مساره التفاوضي. فقد اكتفى رئيس السلطة بالقول لصحيفة عربية “لم نطّلع على المشروع، ويبدو أنّ الدول العربية لم تقبله، وكذلك الأطراف الأخرى، وتم الاكتفاء ببيان يصدره رئيس مجلس الأمن”.

ويبدو عباس بحسب المحللين والمتابعين كمن يغرِّد وحيداً خارج السرب، وكأنه لا يقرأ أبعاد التصرّف الصهيوني السريع في مجلس الأمن، قبل أن يجفّ حبر البيان المشترك لـ “أنابوليس” الذي تلاه الرئيس الأمريكي جورج بوش، ولا تصريحات رئيس حكومة الاحتلال عقب ذلك المؤتمر مباشرة. وبالمقابل؛ شكّك أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى في جدية الأميركيين والصهاينة إزاء العملية التفاوضية التي أطلقها مؤتمر أنابوليس على المسار الفلسطيني، معتبراً أنّ “هناك شكوكاً في جدية الجانب الإسرائيلي ومداها، وكذلك جدية الجانب الأمريكي في دفع الأمور نحو التزام إسرائيلي”. وإزاء اللاءات التي أطلقها أولمرت؛ شدّد موسى على أنها سلبية وتؤدي إلى تعقيد الموقف و”الوصول إلى نقطة قد تكون أخطر من التي بدأنا عندها في أنابوليس”.

كما رأت حركة “حماس” على لسان المتحدث باسمها سامي زهري، في التراجع الأمريكي عن المشروع المقترح لمجلس الأمن لدعم لقاء أنابوليس، بناءً على رفض حكومة الاحتلال؛ انعكاساً لعدم جدية الإدارة الأمريكية، ودعمها المطلق للاحتلال، مضيفاً في تصريح بهذا الشأن “إنّ هذا يجعل استمرار مراهنة البعض على الموقف الأمريكي المنحاز وغير النزيه أمراً غريباً”.

وقالت “حماس” إنّ رفض الاحتلال للمشروع يكذب كل الادعاءات الصهيونية حول رغبته في التوصل إلى اتفاق سلام قبل نهاية العام 2008، وأكدت أنّ ما حدث ينسف لقاء أنابوليس من جذوره، ويؤكد أنّ كل ما جنته قيادة السلطة من اللقاء هو الأوهام، ليس أكثر.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....