الأحد 11/مايو/2025

إفقار الفلسطينيين وتجويعهم كارثة إنسانية على وشك الانفجار .. والأسباب مفتعلة

إفقار الفلسطينيين وتجويعهم كارثة إنسانية على وشك الانفجار .. والأسباب مفتعلة
كان اليوم العالمي لمكافحة الفقر، الذي وافق السادس عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، فرصة للكشف عن جديد المؤشرات المتعلقة بهذه الكارثة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، أو التذكير بقديمها المتجدِّد على أقل تقدير، والتحذير من تفاقم آثارها المدمرة.

فحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ فإنّ نسبة انتشار الفقر لدى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ارتفعت من 23 في المائة إلى 57 في المائة، وأنّ هذه النسبة بلغت 79 في المائة في قطاع غزة أخيراً.

                                      مؤشرات رقمية مؤلمة

وعلى صلة بالموضوع ذاته؛ أعلن مدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيني “الأونروا” في غزة، أنّ عشرات آلاف الأطفال الفقراء يأتون إلى مدارس الوكالة كل يوم وهم جوعى بسب فقرهم، موضحاً أنّ أكثر من 80 في المائة من سكان مخيمات القطاع يعيشون تحت خط الفقر.

أرقام أخرى كشف عنها الناطق باسم “الائتلاف للنداء العالمي لمكافحة الفقر”، وأهمها أنّ معدل دخل الفرد الفلسطيني من الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 97 في المائة عام 2006، في حين ارتفع عدد الفقراء من 672 ألفاً في عام 1998 إلى 22 مليون في عام 2006، وهناك أكثر من مليون شخص يعيشون على 50 سنتاً في اليوم.

وتتحدث هذه الإحصاءات أيضاً عن أنّ نسبة الذين يتلقون مساعدات طارئة وهم غير محتاجين شكلت 44 في المائة، فيما الذين يحتاجون فعلاً لهذه المساعدات شكلت نسبتهم 46 في المائة. كما تقول إنّ ما نسبته 34 في المائة من الأسر تشعر أنها قد تتعرّض لمخاطر الأمن الغذائي، بينما تعاني ما نسبته 12 في المائة من الأسر الفلسطينية من عدم توفر الغذاء الكافي في 2006.

وتعدّ البطالة أحد أسباب الفقر الرئيسة، حيث أشارت “منظمة العمل الدولية”، ومقرها جنيف، إلى أنّ نسبتها في الأراضي الفلسطينية بلغت 24 في المائة من القوى العاملة، ويوجد ـ وفق إحصاء صادر عنها ـ  206 آلاف شخص بدون عمل منذ بداية عام 2007.
وقد ذكر خبراء في المنظمة أنّ الناتج المحلي الإجمالي للفرد الفلسطيني تراجع بين عامي 1999 و2006 بنسبة 40 في المائة.

                                   حصار بمقاييس غير إنسانية

ودونما شك؛ فإنّ الاحتلال الصهيوني يتحمل المسؤولية الكبرى عن تدهور الأوضاع الإنسانية على نحو غير مسبوق في قطاع غزة والضفة الغربية لاسيما في السنوات الأخيرة، وتشاركه في تحمل هذا الوزر الإدارة الأمريكية التي أسهمت في ضرب حصار اقتصادي ظالم على قطاع غزة خصوصاً، بعد نجاح حركة حماس في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006 وحتى الآن، وصمتت عن جرائم المحتل هي و”الرباعية” الدولية وبعض الدول الأوروبية بل وحتى منظمات دولية رديفة.

ولهذه الأسباب؛ فقد أدانت “منظمة العمل الدولية” سلطات الاحتلال لإغلاقها القطاع والضفة، معتبرة ذلك السبب الرئيس في تفاقم أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية والاجتماعية، ورأت أنّ الشبكة الكثيفة من إجراءات الإغلاق وتوسيع الاستيطان تؤدي إلى تفكيك الأراضي الفلسطينية.

وليس بعيداً عن هذه القضية؛ أوضح مسؤولان يعملان في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الضفة الغربية وغزة، أنّ قدرة الفلسطينيين على التنقل في الضفة بلغت أسوأ حدودها بسبب الجدار التوسعي الاحتلالي الذي شيّدته حكومة الاحتلال، وجراء الحواجز التي يقيمها الجيش الصهيوني، والحفريات والتلال الرملية التي ينشئها عن قصد بين الطرقات الرئيسية لمنع تنقل السيارات والشاحنات التي يقودها الفلسطينيون، إما للذهاب إلي أعمالهم أو لنقل البضائع الضرورية. كما أكد المسؤولان أنّ نقل البضائع بين غزة والضفة أصبح عملية شبه مستحيلة.

                                        المسؤولية الأخلاقية

ورأى تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني) صدر في أيلول (سبتمبر) الماضي، أنّ للسياسة الصهيونية التي تصبّ في إفقار الشعب الفلسطيني جذوراً تمثلت في جملة إجراءات هي:

ـ إغلاق المناطق والمحافظات والطرق، حيث يوجد عدد هائل من الحواجز الجديد المقامة في الضفة منذ ست سنوات.
ـ منع العمال من العمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، أي ما يقارب مائة ألف عامل.
ـ تدمير البنية التحتية في كل الجوانب الحياتية.
ـ مصادرة ربع مليون دونم من الأراضي الزراعية لأغراض الجدار التوسعي الاحتلالي.
ـ تجريف ثمانين ألف دونم من الأراضي الزراعية، وتضرّر ما يقارب من 16500 مزارع.
ـ اقتلاع ما يقارب من مليون وثلاثمائة وخمسين ألف شجرة من الثروة الزراعية.
ـ تدمير ما يقارب سبعين ألف بيت بين تدمير كلي وجزئي.
ـ حصيلة دامية قوامها نصف مليون جريح وما يقارب أربعة آلاف وخمسمائة شهيد من المدنيين.
ـ بلغت إجمالي خسائر الاقتصاد الفلسطيني ما يقارب 16.5 مليار دولار بين خسائر مباشرة وغير مباشرة.

بل إنّ هناك جهات حقوقية عاملة في الكيان الصهيوني ذاته، حمّلت حكومة الاحتلال المسؤولية عما يجري ـ بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الفقر ـ مثل منظمة “عائلة جديدة”، والتي شدّدت على أنّ سلطات الاحتلال تتحمّل “المسؤولية الأخلاقية” بشكل كامل عن “المأساة في قطاع غزة”، كونها تواصل سيطرتها عليه وعلى الضفة الغربية، واعتبرت أنّ تهميش العائلة الفلسطينية وإهمال أفرادها “مخالفة لا صفح وغفران لها”.

                                خروج عن الصمت الدولي المطبق

ولعلّ تدهور الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين بصورة مخيفة وبائسة جداً هو الذي دفع مسؤولين أمميين وهيئات دولية بصورة محدودة جداً، للخروج عن صمتهم في الآونة الأخيرة، وإصدار تحذيرات من “انفجار الوضع”، لاسيما في قطاع غزة، وسط صمت دولي مطبق.

ومن أهم هذه التحذيرات وأقواها؛ تهديد مبعوث الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة جون دوغارت، بأن يطلب من المنظمة الأممية الانسحاب من اللجنة الرباعية المختصة بالشرق الأوسط، إذا لم تُولِ هذه اللجنة المكوّنة من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة اهتماماً بحقوق الشعب الفلسطيني، متهماً اللجنة بالإخفاق في حماية حقوق الإنسان الفلسطيني في الضفة وغزة.

وأوضح المسؤول الأممي أنه وقف خلال زيارته الأخيرة لقطاع غزة والضفة الغربية، التي أجراها في النصف الأول من شهر الجاري تشرين الأول (أكتوبر) الجاري على تدهور الأوضاع المعيشية أكثر فأكثر، حيث وجد المواطنين الفلسطينيين في وضعية بائسة ويائسة، جعلته يشعر بالصدمة.

ومن المواقف اللافتة للانتباه أيضاً؛ دعوة البرلمان الأوروبي لحكومة الاحتلال في جلسة حديثة عقدها في بروكسل، إلى رفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر الحدودية والتجارية.

ومع الأهمية المعنوية لهذه الدعوات؛ إلاّ أنها لم تُترجم إلى إجراءات عملية لفك الحصار وإدخال المساعدات، خاصة وأنّ المستويات السياسية لتلك الأطراف ضالغة في ما يدور من مأساة إنسانية مصطنعة.

                                        حل لجان الزكاة

ومن المفارقات المؤلمة أن تسهم رئاسة السلطة الفلسطينية و”حكومة” فياض غير الدستورية التي نصّبها رئيس السلطة محمود عباس، في مفاقمة معاناة شعبها، من خلال محاربتها لأي جهد أهلي وإنساني من شأنه أن يسهم في تخفيف حدة الفقر والعوز والحاجة في إطار مكايدتها لحركة “حماس”. 

وجاء أحدث التطورات الخطيرة في هذا الشأن؛ إقدام المسؤولين في رام الله على حل لجان الزكاة العاملة في الضفة الغربية المحتلة، والتي كان يستفيد منها عشرات أو مئات الآلاف من المحتاجين الفلسطينيين، وقيامها قبل ذلك بحل قرابة مائة وثلاثين جمعية خيرية، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً وموجة انتفادات. 

وفي الاتجاه نفسه؛ كان مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة، الذي يخضع لإمرة رئيس السلطة محمود عباس، قد تعاون مع مندوب الكيان الصهيوني، في سابقة خطيرة، لعرقلة مشروع قرار دفعت به كل من قطر وأندونيسيا إلى مجلس الأمن، لاعتبار غزة “منطقة منكوبة إنسانياً” وتخفيف معاناة القطاع الإنسانية والاقتصادية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات